من خلال رصد فيروس كورونا وما نشر حوله من تقارير وأخبار، نكتشف كيف تداخلت الحقائق بالأكاذيب، والأخبار الحقيقية بالأخرى المفبركة بل والمغسولة، وحجم التسريبات التى تمثل عنوانا لحروب معلومات وتضليل واسعة بين أطراف مختلفة، ربما لهذا اتهم الصينيون الولايات المتحدة باستغلال فيروس كورونا فى نشر أخبار غير صحيحة عن حجم الإصابات وخطورة المرض. بل وصدرت تقارير تتهم الولايات المتحدة بنشر الفيروس لضرب الاقتصاد الصينى، وخلال الأسبوع الماضى تم نشر تقرير منسوب لمركز أبحاث هندى اكتشف أن فيروس كورونا يحتوى على جينات من فيروس نقص المناعة إتش أى فى (HIV)، ويقول من نشروا الخبر، إن مركز الأبحاث نشر التقرير ثم حذفه، وهو طريقة فى النشر تصنع حالة من التشويق، واللافت أن عددا لا بأس به من مستخدمى مواقع التواصل أعادوا نشر التقرير المزعوم، والذى لا يوجد له أصل ولا فصل ولم ينشر على أى من مواقع الأخبار المعروفة.
لكن تقارير وفيديوهات أسواق الحيوانات فى الصين والربط بين الخفافيش والثعابين وبين فيروس كورونا، هو أيضا من قبيل ما يسمى «الهبد» أو «التطجين»، ومع هذا فإن عددا من المستخدمين تعاملوا مع هذه الفيديوهات باعتبارها أدلة على تعمد الصين نشر الفيروس.
ومن الأخبار اللافتة والضاحكة التى نشرها البعض وأعادوا تشييرها، تصريح منسوب لرئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون، بإعدام كل من يصاب بالكورونا، وبصرف النظر عن الموقف من الرجل، لكن هذا الخبر وغيره منقول من مواقع فكاهية أساسا، تماما مثل الكثير من الأخبار التى استهلكها مستخدمو مواقع التواصل وبعضهم اتخذ من هذه المعلومات الفكاهية قاعدة ليحلل ويمارس التحليل العميق طبيا وصيدلانيا.
لم يسأل من نقلوا تصريح كيم جونج أون، من أين صدر الخبر وهو يفترض أنه يحكم دولة مغلقة، لا تنشر فيها أخبار أساسا؟ ويذكرنا هذا بتصريح سابق فى وقت الأزمة بين الرئيس الأمريكى ترامب وكيم جونج، حيث قال ترامب إن الكوريين يقفون بسياراتهم طوابير بالساعات ليحصلوا على البنزين، واتضح أن الكوريين لا يملكون سيارات من الأساس وأن غالبيتهم يتنقلون بأتوبيسات عامة ومن يملكون سيارات معدودون ولا توجد طوابير لسيارات لأنه لا توجد سيارات.
اللافت للنظر أن خبراء «الهبد» كانوا الأكثر انتشارا، وهؤلاء جاهزون للفتى فى أى تخصص، داخليا كان أو خارجيا، يتكلمون فى الطب والصيدلة والملابس والألعاب والهندسة والتعليم والأنهار والطاقة النووية والاقتصاد والطبيخ والزراعة والدراجات وبناء السفن وصناعة الحلويات بنفس الحيثية والثقة واليقين. وقد تفرغ خبراء «كل حاجة» للفتى فى أمور الكورونا، وتفاصيل التركيب الجينى والحيوى، وإمكانيات الانتقال والسفر، وهاجموا الصين أو دافعوا من دون أن يقدموا أى دليل غير بوستات منقولة ومترجمة. وتناولوا الحرب البيولوجية، والأبحاث المتسربة، وكلها كانت احتمالات طرحها محللون وبعضها انتشر فى الأصل على مواقع ساخرة أو فكاهية.
ومن الخارج إلى الداخل، فقد نشر بعض المستخدمين تصريحات غير صحيحة لوزيرة الصحة حول كورونا، وبعضها كانت بوستات كوميك منسوبة لمواقع إخبارية مشهورة، ومنها تصريحات غير منطقية، لكن للافت للنظر أن عددا من كبار المستخدمين التقطوا البوستات وأعادوا نشرها من تعليقات، وبعضهم لا يكفون عن الحديث حول الموضوعية والمهنة وأهمية التدقيق. وحتى لو كان لدى أى منهم موقف انتقادى أو مختلف، فهذا لا يعطيه الحق فى إعادة نشر «كلام فارغ»، لكن واضح أن فيروس «اللايك والشير» أصاب عددا لا بأس به من مستخدمى التواصل الاجتماعى، ودفعهم لنشر أكاذيب فى موضوع ربما لا يحتمل الهزار.
ومهما كان لدى البعض مواقف، فقد كان أداء وزارة الصحة ومؤسسات الدولة الصحية والوقائية جيدا خلال التعامل مع الأزمة، لكن البعض أصر على تلقى ونشر صور وفيديوهات بعضها مفبرك أو ساخر أو متربص. وهو مرض أصبح منتشرا بكفاءة فى عالم التواصل المنقطع.