تعيش دول الخليج العربي منذ أمس على واقع تناوش وبيانات تنديد ضد قطر وأميرها تميم بن حمد، على خلفية تجديد الدوحة لدعوتها بتدويل الحج ووضع المشاعر المقدسة تحت رقابة هيئة دولية وانتزاع سيادتها من المملكة العربية السعودية.
الدعوة القطرية لتدويل الحج تعد الأولى والفريدة من نوعها نظرا لخروجها على لسان دول عربية، على العكس اعتياد إطلاق هذا المطلب بين الفينة والأخرى عبر التاريخ من الجانب الإيراني الذي يتعمد تأزيم موسم الحج سنويا وادعاء المظلومية بهدف الضغط على زر الأزمة وجعلها شوكة في ظهر الرياض الغريم التقليدي لدولة الملالي في المنطقة.
وقبل الخوض في أهداف قطر التي تتوافق مع إيران وتركيا الحالمة بإعادة هيمنة العثمانيين على المنطقة من بوابة الأمة الإسلامية، نشرح هنا معنى تدويل الحج وتداعياته، ولاحقا في جزء آخر من التقرير توضح “فيتو” أهداف قطر من الذهاب بمشاعر المسلمين المقدسة إلى أتون صراع ديني يحمل أهدافا سياسية.
معنى التدويل
تدويل الحج يعني بشكل مبسط وضع المشاعر المقدسة مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة والمسجد الأقصى تحت إدارة دولية -دول العالم الإسلامي- وانتزاع هذه البقع من يد السيادة السعودية.
وتمهيدا للخطوة روجت وسائل إعلام قطرية بيانات منسوبة لهيئة مجهولة تم تدشينها مطلع يناير الجاري تسمى “الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين”، وزعمت هذه الهيئة المزعومة أن مهمتها مراقبة إدارة المملكة العربية السعودية للحرمين والمشاعر المقدسة.
وحسب الملف التعريفي الذي نُشر على موقع هذه الهيئة، فهي تهدف لمنع انفراد السعودية بإدارة المشاعر بصورة غير مدروسة، تؤثر على سلامة الحجاج والمعتمرين والزائرين، وأيضا لضمان عدم إغلاق المشاعر أمام الزوار لأسباب غير مقنعة، مثل زيارة شخصيات حكومية أو مشاهير أو ضيوف المملكة.. إلخ.
وفي حال نجح هذا المخطط الخبيث، فإن إدارة الحج وتنظيم شئونه ستكون مشتركة بين عدة دول، ويذكر أنه تطالب بأن تكون الدول الإسلامية، وهذا ما يقصد به من كلمة تدويل، حيث ستخضع هذه المنطقة للقانون الدولي وتخرج عن سيطرة القانون المحلي للمملكة.
الأهداف
اجتماع قطر وإيران وتركيا على هذا الهدف، لم يأت على سبيل الصدفة أو ولد من رحم التفاهمات السياسية الحادثة هذه الأيام على خلفية أزمة المقاطعة العربية مع الدوحة على خلفية دعمها للإرهاب، بل هو حلم تاريخي لبلاد فارس –إيران- التي تهدف إلى تقزيم دور السعودية وجعلها دولة بدون سيادة على أراضيها، أيضا لدى تركيا نفس الطموح بهدف إزاحة المملكة سياسيا من الإقليم وفتح شرايينها أمام أحلام عثمانية قديمة لا تفارق ذهنية الحكام الأتراك.
انضمام قطر إلى حلف دعوة التدويل رغم حداثة عهده إلا أنه رغبة كامنة لدى النظام الأميري المتتالي في الدوحة لإنهاء نفوذ الرياض، وانتهاء زمن زعامتها للخليج، ومع تبدل الأنظمة بالمنطقة ودخوله في دوامة صراعات عقب ثورات الربيع العربي وتفجر الخلافات مع النظام القطري وجدها حاكم الدوحة فرصة سانحة لتحقيق 4 أهداف انتقامية دفعة واحدة مستغلا ارتداء عباءة الدين لتسهيل تحقيقها توضحها “فيتو” في السطور التالية..
إسقاط آل سعود
الهدف الأول الذي يتملك الدوحة من الدعوة وتعاونها فيه أنقرة بشكل خفي، يتمثل في إسقاط عائلة “آل سعود” من حكم المملكة العربية السعودية، فمجرد انتزاع سيادة أراضٍ سعودية من سيادة المملكة، يعد بداية انهيار للعائلة الحاكمة وسقوط رموزها الحكامة كقطع الدومينو لما تمثله خدمة حجاج بيت الله الحرام من مكانة لهذه العائلة التي قررت الحاق مسمى “خادم الحرمين” إلى عاهل البلاد، وفى حال انتزاع هذا الشرف من قصر اليمامة الأمر سيكون بمثابة انتزاع ملك.
وما يحمله تاريخ المنطقة من خلافات بين الدوحة والرياض، نجحت السعودية في حسمها لصالحها بالثقل العائلى للمملكة جعل النفس القطرية تشعر دائما بالتقزيم أمام هذا النفوذ وتعتقد أنه حان الوقت للانتقام.
تقسيم المملكة
تصدع حكم الملك وفرض وصاية دولية على جزء من تراب أراضيه، ينقل قائمة الأهداف إلى الهدف الثانى مباشرة وهو لب الصراع، والمتمثل في تقسيم المملكة، وفي حال تمكنت قطر من تمرير مخططها وانتزعت سيادة المملكة على المشاعر، أمر من شأنها تحريك دعوات أخرى للتقسيم خصوصا المنطقة الشرقية التي يسكنها الشيعة، وتعمل إيران على تحريكهم بصورة علنية على أمل انتزاع دولة شيعية، وأوضحت خريطة برنارد لويس لتقسيم دول المنطقة أن هناك دولتين سُنّيتين إحداهما بها الرياض، والأخرى بها مكة والمدينة، ودولة شيعية في شرق المملكة.
وتدرك القوى الكبرى التي تدفع طرح التدويل من خلف ستار، مدى ارتباط الشعوب المسلمة بالحرمين الشريفين، لذا يتعاملون مع خطة تقسيم السعودية بمنتهى الحساسية، ويجاهدون لتفجير المملكة من الداخل على عدة مراحل، بحيث تنتهي المراحل المختلفة بمطالب داخلية تريد فصل بعض المناطق عن أخرى وتعمل هذه القوى لفقد المملكة سلطتها الروحية على العالم الإسلامى.
تمكين إيران وتركيا
الهدف الثالث ضمن التحرك القطري، هو تمكين إيران من السيطرة على مشاعر الحج من خلال وضعها في الهيئة المزعومة لإدارة الحج بصفتها دولة إسلامية، أيضا تركيا تمتلك ذات الرغبة، وعبر صراحة «محمد جورماز» رئيس الشئون الدينية التركية عن رغبة بلاده في جعل الحج تحت إدارة دولية في سياق تعليقه على حادث سقوط “رافعة الحرم” وتراجع عنها عقب توبيخ الرياض لأنقرة حينها.
الانتقام من الأمير
الهدف الرابع والأخير لأمير قطر تيم بن حمد، يتمثل في الانتقام من صعود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فخلال سنوات الربيع العربي أنفقت قطر مليارات الدولارات لتمويل الفوضى الإقليمية على أمل حصول تميم من واشنطن على مباركة زعامة الخليج، ومع تسكين أمير شاب في مقعد ولاية العهد، وأصبح ملكا مرتقبا للبلاد تحطم حلم أمير قطر في امتلاك دفة الإدارة الإقليمية للخليج، وعكس اختيار محمد بن سلمان إصرار السعودية على البقاء كبيرة للخليج لعقود مقبلة.
إضافة إلى ذلك كشفت أزمة المقاطعة العربية الأخيرة، حرص ولي العهد السعودي على تركيع قطر مجددا أسفل كرسي العرش السعودي ميراث أجداده، ويدرك تميم جيدا أن انتزاع إدارة الحرمين في عهده بمثابة قنبلة مفخخة في طريق مستقبله السياسي.