آراء أخرى

مقال للكاتب الصحفي ” عماد الدين حسين ” بعنوان ( ربط إلكترونى.. أم ربط فى الأشجار؟! )

مقال للكاتب الصحفي ” عماد الدين حسين ” على موقع الشروق الإخباري بعنوان ( ربط إلكترونى.. أم ربط فى الأشجار؟! ) جاء على النحو الآتي :-

يوم الخميس الماضى، اجتمع مجلس المحافظين برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، وعلى ذمة العديد من المواقع الإخبارية، فإن المجلس استعرض نظاما لإدارة الطوارئ يدعم تطوير مراكز إدارة الأزمات، بالوزارات والمحافظات.
المهندس زياد عبدالتواب مدير مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، قال إنه تم استحداث النظام الإلكترونى،لإدارة الطوارئ، بواسطة الفريق الفنى بالمركز، فى إطار شامل لرصد وتحليل جميع الحوادث داخل البلاد.
فكرة المركز كما يقول مديره تقوم على إدخال البيانات، بواسطة غرف العمليات، ومراكز إدارة الأزمات والكوارث بالمحافظات «وعدد من الجهات»، مع تصنيف درجة الخطورة، وتحديد أسلوب التعامل معها، من خلال مجموعة من السيناريوهات، والخطط المعدة سلفا. وتتضمن مكونات النظام، إدارة الحوادث، عبر رصد وتسجيل وصف ونوع ومكان وتاريخ وتوقيت جميع الحوادث، بالإضافة إلى وثائق وصور فوتوغرافية وملفات صوت وفيديو، لكل حادث وكذلك دليل البيانات والخرائط الرقمية. وكيفية التعامل مع كل الحالات الطارئة، عبر السيناريوهات المختلفة وإصدار تقارير إحصائية عن عدد الحوادث وأنواع الخسائر، والإجراءات المتخذة.
وهناك أيضا دليل المعرفة والدروس المستفادة والخطط والاستراتيجيات الوطنية والأدلة الإرشادية، وتبادل الخبرات والمعرفة وخريطة الإمكانيات التى تشمل عدد ٢٠ محافظة تتعاون فيما بينها بالإسعاف والمستشفيات والمدارس والتموين ودور العبادة والكهرباء، على أن يتم ربط المحافظات إلكترونيا معا، ومع وزارتى الداخلية والتنمية المحلية «وجهات أخرى».
نهاية الخبر تقول إنه تم تدريب ٥٦ متدربا على التعامل مع هذا النظام، وهناك خطة لعقد ورشتى عمل فى ٥ أغسطس ٢٠١٩، و١٣ يناير ٢٠٢٠، وتم مناقشة طلب المحافظات للعناصر البشرية للعمل على النظام طوال اليوم.
قد يستغرب القارئ من طول الخبر أو المقدمة السابقة، التى قد لا تتوافق وتكنيك كتابة المقال الصحفى القصير. لكننى حرصت على إيراد تفاصيل الخبر والاجتماع، حتى أكون موضوعيا من جهة، وقادرا على مناقشة وتفنيد هذه الفكرة من جهة ثانية.
مبدئيا أتمنى أن ينجح النظام الجديد حتى يلعب دورا فى وقف نزيف الخسائر البشرية، جراء الحوادث المروعة التى تؤدى إلى وفاة الآلاف من المصريين.
للأسف أنا متشكك تماما فى نجاح هذا المشروع، وأتمنى مرة أخرى أن أكون مخطئا.
مبعث تشككى أن المشروع جيد جدا على الورق، لكن مشكلتنا فى مصر هى عدم إدراك أن «الشيطان يكمن فى التفاصيل» دائما.
هذا النظام سيكون جيدا، لو كنا ننفذ الحد الأدنى من الرقابة والمتابعة والوقاية التى تمنع وقوع غالبية الحوادث. جيد أن يكون لدينا مثل هذا النظام الإلكترونى، لكن مشكلتنا ليست بسبب غياب هذا «النظام الجديد المميكن» لكنها بسبب غياب البديهيات المتمثلة فى طرق سليمة وآمنة، وتطبيق قواعد المرور الأساسية ومعاقبة المخالف للقانون، مهما كان اسمه.
النظام الجديد أقرب إلى الشكل والأسلوب وليس إلى الجوهر. وأخشى كثيرا أن يتعامل معه الناس باعتباره مجرد «تستيف لأوراق شكلية» توحى للناس بوجود حركة لكنها للأسف فى الفراغ!!
قبل أن نسعى لإنفاق أى مليم على الربط الإلكترونى وغرف إدارة الأزمات، علينا أن نفكر أولا فى كيفية منع الحوادث، من المنبع أو تقليلها إلى أدنى مستوى ممكن.
كتبت مع الأيام الماضية عن الحوادث المميتة بصورة شبه يومية على طرق الصعيد، واليوم أكرر أن ما تحتاجه هذه الطرق، خصوصا «القاهرة ــ الصعيد الزراعى» ليس غرفة لإدارة الأزمات، بقدر أن نتأكد أولا من تأمين الطريق وجعله مزدوجا، وتركيب الإشارات والإرشادات عليه، وأن تقوم الاجهزة المحلية، وإدارة المرور بدورها الطبيعى على هذا الطريق.
لكن أن نترك كل هذه الأساسيات، ونتحدث عن غرفة لتحليل ورصد الحوادث، فهذا من وجهة نظرى لن يحل شيئا بل سيجعل الناس تتشكك أكثر فى نوايا الحكومة.
كل من يتابع حوادث الطرق فى مصر، يعرف تماما أن الأمر خارج كل حدود العقل والمنطق، وأن معظم سائقى التكاتك والميكروباصات، لا ينفع معهم الربط الإلكترونى، بل يحتاجون إلى الربط والتعليق فى الأشجار الموجودة على الطريق، حتى يتعلموا ألف باء القيادة وأساسياتها، ومعهم بطبيعة الحال الفاسدون فى المحليات!!
تجربة مراكز إدارة الأزمات فى السيول التى ضربت أكثر من مكان خصوصا بعض مدن البحر الأحمر فى السنوات الأخيرة، لم تكن مبشرة بالمرة، وبالتالى نقول لهم: شكرا على الاقتراح، نعم نريد الإحصائيات والبيانات والتنسيق وغرف إدارة الأزمات، والتعاون بين الجميع، لكن ما رأيكم أن تقنعوا الجهات المختصة بأن يؤدوا واجبهم الطبيعى أولا؟!

زر الذهاب إلى الأعلى