أقلام حرة

مقال للكاتب عبد اللطيف المناوي بعنوان ” طيش شباب “

الطيش، لفظة مرتبطة بالشباب عادة، قيلت فى أفلام قديمة للدلالة على التهور والانفعال، فى مواقف لا تستحق ذلك، أو لا تستدعى ذلك. ودائماً ما ينتح عن هذا الطيش عواقب غير محمودة.

بالفعل، منطق الأشياء يقول إن ما كنا نفعله بالأمس لا يصلح لأن نفعله اليوم، لذا فإن مساحات المسموح به فى سن معينة تضيق أو تتحدد أو تتغير بتقدم العمر، والسير نحو مفهوم النضج.

ربما يكون مسموحا للإنسان فى سن مبكرة بالتجاوز أحيانا، والطيش أحيانا، والتطرف أحايين أخرى، كما يمكن للمحيطين القبول بهذه التجاوزات منه، على أنه لم يصل بعد إلى سن النضج، لكن بعد أن يصل إلى السن المذكورة، ويمارس نفس الأفعال، فالأمر يكون هنا محل انتقاد ورفض.

وعلى هذا فإن الطيش غير المرتبط بسن الشباب غير مقبول، كطيش الكبار والناضجين، وكطيش المؤسسات التى من المفترض أنها ناضجة فاعلة ومؤثرة فى المجتمع ككل.

نعم، هناك فرد طائش، وهناك مؤسسة طائشة، تفعل ما هو غير مقبول أو معقول، وتسهم فى تأزيم الأشياء وإيصالها لحدٍ من الصعب العودة منه.

الزمن دالة أخرى فى معادلة الطيش. فما كان مسموحا به فى السابق زمنيا، لم يعد مسموحا به فى وقت لاحق.

الطيش أيضاً مثله مثل النوايا الحسنة غير المرتبطة بفعل، والتى تؤدى فى بعض الأحيان إلى قطيعة وتباعد بين من يقوم بالفعل، ومن يقع عليه الفعل. أى قد يتباعد المواطن عن الحكومة، إذا ارتكب أحدهما فعل الطيش.

والطيش الذى سبق أن حذرت منه مرارا وتكرارا هو غياب التواصل. إن مشكلتنا الرئيسيّة فى استمرار الحوار الحقيقى مع الناس، نموذج الأداء الرسمى غير القادر على التواصل هو إحدى مناطق الضعف الرئيسيّة التى نعانى منها حتى الآن. التواصل بمفهوم تطوير الأداء والاستمرار بقوة دفع متزايدة، والتواصل بمفهوم القدرة على إيجاد لغة مشتركة يتواصل بها المسؤولون مع البشر، مع الطرف الثانى ـ الذى هو نحن ـ تواجه مشكلة حقيقية، لذلك حتى لو امتلك الطرف الأول رسالة ما، فإنه يعجز عن أن يوصلها إلينا، لأنه لا يمتلك أو لا يريد أو لا يعلم لغة الحوار وأسلوب التواصل معنا، وبالتالى يستمر فعل الطيش.

ويبقى السؤال: من الذى عليه عبء البداية، الطرف الأول (الذى يمارس فعل الطيش) أم الطرف الثانى (الذى يقع عليه تبعات فعل الطيش)، أم طرف ثالث لا نعلمه، قد يكون مؤسسة أعلى أو أقل فى التراتبية والأولوية، وقد يكون مؤسسة متخصصة فى فن التواصل؟.

الإجابة فى يدنا وعقلنا جميعا. فى يد الطائشين الذين احترفوا إهمال قيمة التواصل أو المتضررين الذين شعروا بالبعد عن الطرف الأول. فالأول لا بد أن يتخلص من طيشه، والثانى لا بد أن يقترب أكثر ويعمل أكثر ويتعاون أكثر.

حالة الطيش لا بد أن تنتهى بأن يتحدث الجميع إلى الجميع بلغة مفهومة ومتحضرة. بلغة تحترم العقل أولاً، وقبل كل شىء.

 

زر الذهاب إلى الأعلى