نشر موقع المصري اليوم مقال بعنوان “تسريبات.. سد النهضة! ” للكاتب “حمدي الحسيني” جاء على النحو الآتي :-
سواء قبل البرلمان الإثيوبي أم رفض الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء، هايلي ماريام ديسالين، فالواقع أنه حتى الآن، لم تتلق مصر ردوداً مقنعة وشافية من جانب إثيوبيا بشأن الدعوة لمشاركة البنك الدولي في المفاوضات المعطلة، وقلقها من مدة ملء بحيرة سد النهضة، وآلية تشغيله وضمانات عدم تأثر حصة مصر المائية في المستقبل!
أمام هذا التعنت الإثيوبي الواضح تجاه تلك المطالب الحيوية، هنا يقفز سؤال مشروع، ماذا بوسع مصر أن تفعل، في حال اكتمال بناء السد من دون الحصول على رد إثيوبي موثق على مخاوفها المشروعة؟ وما الذي يمكن أن تفعله، في حال حدوث «تسريبات» من جسم السد، أو ظهور شروخ أو تصدعات أو عيوب إنشائية في سد النهضة مستقبلاً؟
هناك من يردد أن الإدارة المصرية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام السلبية الإثيوبية وحالة اللامبالاة في تقديم تطمينات مكتوبة حول كل القضايا التي أثيرت خلال المفاوضات والتي أدت إلى تجميدها نهاية العام الماضي، خاصة بعد أن ثبت بالدليل، أنهم يسعون إلى كسب الوقت لحين إتمام عملية بناء السد!
بالطبع، فإن القاهرة قطعت خطوة إيجابية كبيرة مؤخرًا بتخفيف التوتر مع السودان عبر اجتماع القاهرة الأخير الذي جمع بين وزيري الخارجية والمخابرات في البلدين، والاتفاق على طي صفحة التراشق الإعلامي والخلاف السياسي، ثم الاتفاق على عودة السفير السوداني للقاهرة، حيث من المتوقع أن تنعكس إيجابيات تلك الخطوة سريعاً على مفاوضات ملف سد النهضة المتعثرة.
لكن اللافت، أن الرئيس عمر البشير، قرر فجأة عزل محمد عطا المولى، رئيس المخابرات، بعد عودته من لقاء القاهرة مباشرة، وأعاد تعيين صلاح قوش، الرئيس السابق للجهاز، الذي أقيل في 2009 عقب تداول شائعات حول مشاركته في مؤامرة لعزل البشير من منصبه.
نخشى أن تكون الإطاحة برئيس المخابرات السوداني له علاقة بمضمون لقاءاته واتصالاته في مصر، لأن ذلك ربما يؤدي إلى مزيد من تعقيد العلاقة بين البلدين بعد الجهود المضنية التي بذلها الجانبان لتهدئتها وتجنيب الشعبين مخاطر التوتر والتصعيد الذي وصل إلى حد تجييش الجيوش على الجانبين.
بطبيعة الحال، العلاقة مع إثيوبيا تتأثر سلباً وإيجاباً مع ترمومتر العلاقات المصرية- السودانية، خاصة أن الاستراتيجية الإثيوبية قامت طوال الوقت على أمرين أساسيين الأول التنسيق الكامل مع السودان، والاستفادة من تأرجح علاقته بمصر، بعد إغرائه الدائم بتزويده بالطاقة الكهربائية الناتجة عن سد النهضة بأسعار مميزة.
النقطة الثانية تقوم على أساس كسب الوقت لحين اكتمال بناء السد- وهنا يأتي تفسير البعض للاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء الإثيوبي- والتهدئة مع مصر ومحاولة تطمينها، «نظرياً» بالحرص على أمنها المائي، واستمرار وصول حصتها المائية المقررة بأكثر من 55 مليار متر مكعب سنويًا دون أن تقدم مستندًا «قانونيًا» واحدًا يثبت حسن نواياها والتزامها بذلك.
أتصور أن ملف سد النهضة سوف يكون في مقدمة أولويات الإدارة المصرية بمجرد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، خاصة بعد نجاح الحملة العسكرية التي قام بها الجيش لتطهير سيناء من بؤر الإرهاب.
وأتوقع أن تلقى جهود الدولة المصرية لحسم الخلاف حول تأثيرات سد النهضة على أمنها المائي، تجاوباً شعبياً واسعاً، لا يقل في مستواه عن التفاعل الإيجابي الكبير مع حملة الجيش الأخيرة في سيناء، باعتبار أن تأمين المياه لا يقل أهمية عن تأمين سيناء الحبيبة ضد الإرهاب.