“لم نقف متكوفى الأيدى أمام حريق مصنعنا وبذلنا قصارى جهدنا وأصيب زملائنا فى عملية الإطفاء”.. بهذه الكلمات استمع “اليوم السابع” لشهادات عدد من العاملين فى مصنع سكر كوم أمبو بمحافظة أسوان، والذين ساهموا بجهودهم فى عملية إطفاء الحريق الذى شب أول أمس الأربعاء فى مخزن الأخشاب الملحق بمصنع السكر “المنشر”، واستمر الحريق لأكثر من 12 ساعة متواصلة حتى تمكنت طائرتا القوات المسلحة وتضافر الجهود من إخماد النيران.
محمود موسى، فنى أجهزة بالمصنع، قال: “أنا مقيم بمدينة كوم أمبو محافظة أسوان، وتحديدا بالمدينة السكنية للمصنع، والقريبة من موقع الحريق، وأثناء جلوسى فى المنزل سمعت صوت لعربة إطفاء قريبة من الشارع الرئيسى، وذلك فى حوالى الساعة الثانية عشرة وعشرة دقائق ظهرا فى اتجاهها غربا، فكان الاعتقاد الأول عندى أن هناك حريق شب مرة أخرى فى محطة محولات “كرم الديب” والتى اشتعلت فيها النيران مؤخرا، ولكن عندما تم فصل التيار الكهربائى عن المدينة السكنية لمصنع السكر، وتزامن مع هذه اللحظات إطلاق المصنع صافرات الإنذار، بعدها تأكدت أن الحريق فى المنطقة أو داخل المصنع، وعلى الفور خرجت مسرعا من منزلى، لأن بطبيعتى بحب أكون فى وسط الحدث الواقع بمركز ومدينة وكوم أمبو، وخلال كل هذه اللحظات لم يتبين موقع الحريق لأنه لم يتفاقم بعد، سألت أحد الأصدقاء عن مكان الحريق فأكد لى أنه داخل مخزن مصنع الخشب “المنشر”.
وتابع محمود موسى، الحديث عن لحظات الحريق، قائلاً: وصلت لمكان الحريق وكانت النيران مشتعلة فى “برجة” واحدة أو اثنين على الأكثر، من بين 65 برجة تقريبا، و”البرجة” هى المكان المخصص لتشوين مصاص القصب هو مبنى بالطوب الأحمر والإسمنت وموصل أعلاه مواسير مياه للإطفاء أو التبريد بعد كبسها، والحريق جاء فى إنتاج عامين كانوا فى البرجات، وللأسف الطامة الكبرى تعتقد أن العاملين هم من أشعلوا النيران، ولا يمكن لأحد العاملين أن يضر مصنعة الذى يأكل منه لقمة عيش، وفيها أضرار للعامل وأولاده.
وأضاف محمود زين، المدير الإدارى لمصنع سكر كوم أمبو ، أن “منشر” الخشب أو مخزن الأخشاب الملحق بمصنع السكر، يتم فيه وضع وتجميع “مصاصات القصب” أو “الباجاس” بعد عصرها واستخلاص عصير السكر من أعواد القصب، وتكون فى هذه اللحظات مبتلة، ثم تدخل مرحلة المكابس بعد ربطها عبارة عن مجموعة حزم تكون على شكل مربع أو مستطيل، و”البرجة” الواحدة تسع لنحو 100 طن، ويخفف هذا الوزن لأنه يكون مبتل فى البداية ثم ينقص الوزن بعدما يجف ليصل لنحو 30 أو 40 طناً، ثم يحمل مرة أخرى لمصنع الخشب، ويدخل مع نسبة من مواد التصنيع والكبس بالمكابس على مقاسات معينة فيتم تصنيع ألواح الخشب الحبيبى.
وأشار محمود زين، إلى أن مصاصات القصب بها نسبة من الـ”سبرتو” وهى مادة تساعد على الاشتعال، وهناك أيضاً نسبة من مادة الكبريت، علاوة على عوامل الطقس وارتفاع درجات الحرارة، وهى من أكثر العوامل التى يتخوف منها العاملين فى المصنع لأنها تساعد على الاشتعال بالإضافة إلى سرعة الرياح التى ساعدت على انتشار الحريق.
وتابع شاذلى خليل، فنى بالمصنع، الحديث عن لحظات الإطفاء والحريق قائلا: “وصلنا لموقع الحريق فوجدنا سيارات الإطفاء الخاصة بالمصنع، وكان عددهم 4 سيارات تقريباً، ومع كتابات الناس على مواقع التواصل الاجتماعى توافدت الناس والأهالى المقيمين حول المصنع بحى المربعات والإسكان ومساكن شركة السكر على الحريق، وقسمنا أنفسنا مجموعات، ولم نقف متكوفى الأيدى أمام حريق مصنعنا وبذلنا قصارى جهدنا وأصيب زملاؤنا فى عملية الإطفاء، وحاولنا أن نعزل البرجة المحترقة عن الأخرى حتى لا تشتعل النيران فى باقى البرجات، ولكن مع سرعة الرياح كنا نلاحظ اشتعال النيران من مكان لآخر بسرعة”.
وأوضح شاذلى خليل، بأن المشاركين فى جهود الإطفاء وصل عددهم لما يزيد عن 500 شخصاً تقريبا وحاولوا مساعدة رجال الإطفاء وتذليل العقبات أمامهم لسرعة التعامل مع الحريق، لافتا إلى أن مخزن مصنع الخشب “المنشر” مهيأ للإطفاء بوجود صنابير مياه تزيد عن 400 صنبور، ولكن مع استمرار الحريق تآكلت مواسير المياه، نظرا لأن قطرها صغير وتعمل بنظام الرشاشات، مضيفاً أن كل العاملين والأهالى المشاركين فى الإطفاء حاولوا محاصرة النيران، إلا أن سرعة الرياح وطبيعة الخشب الحبيبى ساعدت على استمرار اشتعال النيران، ومع الوقت فقد المشاركون فى الإطفاء السيطرة على حماية المنشر، وأصبح الشغل الشاغل للجميع بعدها حماية المصنع نفسه، خوفا من امتداد النيران للمازوت ومصنع السكر وموقع تصنيع الخشب ذاته، فى مسافة تمتد بينه وبين الحريق نحو 300 متر، وعلى بعد 500 متراً توجد صهاريج المازوت، وعلى بعد 750 مترا تجد مصنع السكر، وتوافدت سيارات الإطفاء من كل المراكز وكان آخرها طائرتا الهليوكوبتر التابعتان للقوات المسلحة.
الحريق بالمخزن الخشبى
الحريق بالمخزن الخشبى
وذكر شاذلى خليل، أنه فى نهاية اليوم ومع استقرار الطقس وتوقف الرياح، طلبنا من مجلس الإدارة أو محافظ أسوان أن يتواصل مع القوات المسلحة للدفع بالطائرة مرة أخرى لتساعد فى تبريد وإخماد الحريق بالكامل، حتى لا يتضرر الأهالى المقيمين فى المناطق المحيطة بالمصنع من ألسنة اللهب أو الأدخنة الناتجة من الحريق أو حتى امتداد النيران لصهاريج المازوت والتى قد تؤدى إلى احتراق معظم مدينة كوم أمبو بالكامل، وهناك 12 شخصاً من زملائنا أصيبوا فى الحريق، منهم 7 تم إسعافهم فى موقع المصنع بمعرفة الدكتور محمد حمدى رئيس القسم الطبى بالمصنع وبمشاركة رجال الإسعاف، وتم نقل الحالات التى تحتاج لرعاية أكبر إلى مستشفى كوم أمبو المركزى.
جانب من جهود العاملين ورجال الإطفاء
جانب من جهود العاملين ورجال الإطفاء
وأكد اللواء مجدى حجازى، محافظ أسوان، أنه لولا تضافر الجهود فى عملية إطفاء الحريق لكانت الخسائر أكبر من ذلك بكثير، موضحاً بأن الحريق شارك فى إطفاءه 2 طائرة إطفاء هليوكوبتر تابعة للقوات المسلحة، و16 سيارة إطفاء كبيرة، بجانب 15 سيارة إسعاف منها سيارتين إطفاء وسيارة واحدة للإسعاف تابعين للقوات المسلحة، بالإضافة إلى عدد من اللوادر وعربات النقل المحملة بمواتير لنقل المياه من مختلف الجهات القريبة لموقع الحادث، وأثناء تفقده لأعمال الإطفاء والتبريد.
ولفت اللواء حجازى، مشيرا إلى ما قام به العاملين فى المصنع وأهالى مدينة كوم أمبو واصفاً إياهم بـ”الفدائيين” الذين ضربوا أروع الأمثال فى الدفاع عن مقدرات الوطن من خلال المشاركة الإيجابية فى أعمال الإطفاء بفدائية، مؤكداً أن التعامل مع هذا الحريق وقبله العاصفة الترابية أثبتت قدرة المحافظة بأجهزتها المختلفة على مواجهة هذه الأزمات وإدارتها بمنظومة عمل واحدة تعاونت وتضافرت فيها جهود جميع الجهات سواء التنفيذية أو الشرطية أو العسكرية.