نشر موقع الشروق الإخباري مقال للكاتب الصحفي “خالد سيد أحمد” بعنوان ( البحث عن وطن بديل ) جاء على النحو الآتي :-
يبدو أن تركيا، التى اختارها عناصر وقيادات جماعة الإخوان المسلمين ملاذا و«وطنا بديلا»، بعد خروجهم من مصر، إثر ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013، قد بدأت تضيق عليهم رويدا رويدا إلى الدرجة التى تحتم عليهم فعليا، البحث عن مكان جديد يستطيع استيعابهم واستيعاب خطابهم السياسى والإعلامى المعادى لمؤسسات الدولة المصرية.
مبعث هذا الحديث، تلك التصريحات إلى أدلى بها مؤخرا، رئيس حزب الشعب الجمهورى التركى المعارض، كمال كليجدار أوغلو، والتى قال فيها: «إذا كنا نريد أن تكتسب تركيا اعتبارًا فى سياستها الخارجية فعلى أردوغان أن يتخلى أولا عن الإخوان المسلمين.. من هم الإخوان؟ إن مصالح الدولة التركية فوق كل شىء». وتابع مخاطبا أردوغان: «ثانيا عليك أن تتصالح مع مصر التى نتشارك معها التاريخ والثقافة، على أى أساس نحن نخاصمها؟ هذه المخاصمة تنعكس سلبًا على تركيا». وأضاف أن «تركيا تدفع الثمن غاليا نتيجة هذا الصراع.. لا بد أن نرسل سفيرا لسفارتنا فى مصر، ولا بد أن نتصالح مع مصر»، متسائلا: «لماذا ليس لدينا سفير هناك؟».
يرى البعض من جماعة الإخوان، أن أوغلو ليس له وزن كبير على الساحة السياسية التركية، بل ويعتبر المعارضة التركية بشكل عام وبكل تصنيفاتها، لا تشكل تهديدا حقيقيا وجديا لنظام رجب طيب أردوغان، الذى يسيطر على جميع مفاصل الدولة التركية.
الارتكان إلى فكرة عدم قدرة المعارضة على تحدى حكم أردوغان، وإحداث تحول نوعى فى السياسة الخارجية التركية، والخيارات التى تبنتها خلال السنوات الماضية، ليس أكثر من مجرد «هروب مؤقت» من الواقع الذى شهد ويشهد بالفعل تحولات مهمة يصعب على أى متابع للشأن التركى تجاهل إشاراتها الواضحة، ولعل أبرزها ما حدث مؤخرا من خسارة مرشح حزب العدالة والتنمية التركى الحاكم، معركة السيطرة على بلدية اسطنبول، أمام مرشح حزب المعارضة الرئيسى، أكرم إمام أوغلو، بعد إعادة إجراء انتخابات البلدية.
هذه الهزيمة تمثل ضربة قاسية لأردوغان، ورسالة شديدة الوضوح على إمكانية حدوث تحولات دراماتيكية فى المشهد السياسى التركى خلال الفترة المقبلة، قد تقلب الطاولة رأسا على عقب على عناصر جماعة الإخوان المتواجدين فى الأراضى التركية.
إذن على الجماعة وضع تصريحات رئيس حزب الشعب الجمهورى التركى المعارض، كمال كليجدار أوغلو، فى مكانها الصحيح وعدم التقليل من شأنها، والاستعداد للبحث عن «وطن بديل»، يوفر لهم ما قدمه أردوغان لعناصر الجماعة من حماية وتمويل وتأمين منذ فرارهم من مصر.. لكن ما هو هذا الوطن الذى يستطيع تحمل فواتير استيعابهم الباهظة الثمن؟
لا توجد حتى الآن دولة، قد تكون مستعدة لأن تمنح الإخوان «وطنا بديلا» سوى قطر، التى يتواجد فيها بالفعل قطاع عريض منهم، لكنها أيضا محطة مؤقتة قد تضيق عليهم فى أى وقت، خصوصا إذا ما جرت الدماء فى شرايين المصالحة بين الدوحة ودول الخليج، إذ سيصبح التخلص من عناصر الإخوان أو على الأقل تقليل وجودهم على الاراضى القطرية، أول المطالب التى يتعين عليها الالتزام بها لإنهاء المقاطعة الخليجية والعربية لها.
أمام كل هذا لن يبقى أمام الجماعة من خيار سوى العودة إلى مصر، لكن هذه العودة لها شروط واضحة لا تقبل الجدال أو النقاش أو الالتفاف عليها، وأهمها وقف خطابات التحريض المتواصلة ضد الدولة المصرية، والاعتراف بثورة 30 يونيو وشرعيتها القائمة الآن، والتوقف عن ترديد نغمة «الانقلاب»، وإدانة حقيقية للعمليات الإرهابية التى تتم فى جميع ربوع الوطن، ونزع الكراهية والعداء الشديدين اللذين زرعتهما فى نفوس شبابها ضد الدولة ومؤسساتها، وعدم خلط الدين بالسياسة.. فهل الجماعة مستعدة لهذا؟