تزايد عدد طلبات لجوء الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي، هرباً من الديكتاتورية التي يمارسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أبناء شعبه ومعارضيه، والذي حول البلاد أيضاً إلى مستنقع من الفقر والجوع، وألقى بعشرات الآلاف في غياهب السجون، منذ مسرحية الانقلاب في يوليو 2016، وجاءت ألمانيا في مقدمة الدول الأكثر استقبالاً للفارين من جحيم أردوغان.
وشهدت طلبات اللجوء المقدمة من تركيا إلى ألمانيا زيادة خلال النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بعام 2018، وجاءت تركيا في المرتبة الخامسة بين أكثر الدول المقدمة على طلبات اللجوء، حسب ما أوردته مواقع تركية معارضة.
وتزامنت زيادة تلك الطلبات مع تصاعد الضغوط الاقتصادية، وتفاقم الأزمة السياسية، وتردي أوضاع حقوق الإنسان، بسبب سياسة القمع والاستبداد التي يتبعها نظام الرئيس رجب طيب أردوغان.
اللجوء إلى ألمانيا
وكشفت بيانات وزارة الداخلية الألمانية، عن أنها تلقت 72 ألفاً و953 طلب لجوء، خلال الفترة ما بين شهري يناير- يونيو من العام الجاري، وجاءت تركيا في المرتبة الخامسة من بين أكثر الدول المقدمة على طلبات اللجوء، بعد سورية والعراق ونيجيريا وأفغانستان.
وقدم 4 آلاف و969 تركي طلب لجوء إلى ألمانيا ما بين يناير ويونيو 2019، مقابل 4 آلاف و329 طلباً، خلال نفس الفترة من 2018، أي أن فرق الزيادة بينهما يصل إلى 15%.
وقالت شبكة “دويتش فيله” الإخبارية الألمانية: إن “طلبات اللجوء المقدمة من الأتراك لألمانيا بلغت في أبريل الماضي، 729 طلباً، و989 في مايو، و751 في يونيو.
وأشارت إلى أن تركيا جاءت في المرتبة الثالثة من بين أكثر الدول المقدمة طلبات اللجوء في يونيو الماضي.
وذكرت الشبكة أن طلبات اللجوء المقدمة من تركيا لألمانيا شهدت زيادة كبيرة عقب المحاولة الانقلابية المزعومة التي وقعت صيف العام 2016.
وحسب بيانات المكتب الاتحادي الألماني للهجرة واللاجئين، ارتفع عدد طلبات اللجوء إلى 5 آلاف و742 في 2016، ثم 8 آلاف و483 في 2017، ثم 10 آلاف و655 في عام 2018.
وأعلنت السلطات الألمانية أن 851 شخصاً تقدموا بطلبات للهجرة من تركيا إلى برلين في يناير 2019، فيما وصل عدد الطلبات في فبراير 702.
وفى منتصف يناير 2019، حصل نحو 50 % من طالبي اللجوء الأتراك في ألمانيا حديثاً على حق اللجوء، بحسب بيانات وزارة الداخلية الألمانية.
وذكرت الوزارة في ردها على طلب إحاطة من الكتلة البرلمانية لحزب “اليسار” الألماني أن أكثر من 40 % من طالبي اللجوء الأتراك حصلوا في سبتمبر 2018 على حق اللجوء، بينما بلغت النسبة نحو 50% مع نهاية العام الماضي.
أما في 2017، تقدم 8483 تركيا بطلبات لجوء لألمانيا بمعدل 706 أشخاص شهرياً، فيما بلغ عدد طالبي اللجوء الأتراك في 2016، 5742 شخصاً بمعدل 478 شخصاً شهرياً.
وبحسب معطيات صادرة عن وزارة الخارجية التركية العام الماضي، فإن هناك أكثر من 6 ملايين تركي يعيشون خارج البلاد، 5 ملايين منهم في دول أوروبية مختلفة، والباقون في أمريكا الشمالية، وآسيا، والشرق الأوسط وأستراليا، فيما ذكرت الوزارة أن مليونا و629 ألفا و480 شخصاً يعيشون في ألمانيا وحدها.
هروب رؤوس الأموال
وسنوياً، تدفع أوضاع حقوق الإنسان في تركيا آلاف الأتراك، ومن بينهم رجال الأعمال بصفة خاصة، للبحث عن العيش في بلدان أخرى لا سيما أوروبا.
وكشف تقرير لبنك أفروآسيا حول “انتقال الثروات العالمية” لعام 2019، أن 4 آلاف مليونير غادروا تركيا خلال العام الماضي فقط، في دلالة على الهروب الجماعي لرؤوس الأموال من تركيا.
الركود والأزمة الاقتصادية
ورغم رفع حالة الطوارئ الصيف الماضي بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة، إلا أنّ هروب رؤوس الأموال والمستثمرين من تركيا تزايد بشكل ملحوظ.
ويرجع محللون ذلك إلى توتر العلاقات السياسية لأنقرة مع جيرانها في منطقة الشرق الأوسط ومع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة والركود الاقتصادي الذي تشهده البلاد للمرّة الأولى منذ 10 سنوات.
كما أن الأزمة الاقتصادية الخانقة والركود الذي تشهده البلاد للمرّة الأولى منذ 10 سنوات، دفعا الكثيرين للهجرة وتقديم طلبات اللجوء.
الوضع السياسي
والمشكلات التي يواجهها أردوغان لم تقتصر على صعيد الاقتصاد فحسب بل طالت السياسة أيضاً، حيث تلقى الشهر الماضي صفعة قاسية بعد الهزيمة الكبيرة التي مني بها مرشح حزبه العدالة والتنمية أمام مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض بعد إعادة الانتخابات البلدية في مدينة اسطنبول كبرى المدن التركية والتي بقيت تحت سيطرة الحزب الحاكم لسنوات طويلة، وهو ما جعل صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية تؤكد أن هذه الخسارة “قد تكون بداية النهاية لسيطرة أردوغان على تركيا”.
وفي فبراير الماضي، فضح الاتحاد الأوروبي في بيان له، سياسة إردوغان في بيان، قائلاً :”نحن نراقب فسادك واستبدادك، ولا يمكن أن نقبلك في ظل التجاوزات”.
وتضمن التقرير المهين لإردوغان مقترحاً بتعليق الاتحاد رسمياً محادثات انضمام أنقرة، وجرى قبول مسودة البيان التي كتبتها المقررة الخاصة بتركيا في البرلمان الأوروبي الهولندية كاتي بيري، بموافقة 47 نائباً ورفض 7 وامتنع 10 عن التصويت.
ويدفع الوضع السياسي في تركيا الكثير من أبنائها الأثرياء إلى البحث عن أوطان بديلة عبر شراء جنسيات دول أخرى أو من خلال الحصول على الفيزا الذهبية مقابل الاستثمار في إحدى دول الاتحاد الأوروبي، كاليونان مثلاً.
ويأتي نزوح أثرياء تركيا في مسعى لتأمين أنفسهم وثرواتهم من تداعيات التطورات السلبية التي تتجه نحو تركيا بسبب سياسة النظام ورئيسه رجب طيب أردوغان.
وفي تقرير موسع لصحيفة “نيويورك تايمز”، بعنوان “هجرة الأتراك إلى الخارج”، قالت، إن “أسباب موجة النزوح الجماعي للعقول التركية ترجع إلى “انتشار المحسوبية والاستبداد المتزايد، إذ يهاجر من يقفون ضد رؤية إردوغان في مجموعات، مصطحبين معهم مواهبهم وممتلكاتهم”.
الهروب إلى الموت
ونجح أردوغان، في ظل سياسته الاستبدادية، إلى تحويل بلاده لجحيم لا يطاق العيش فيها، بدءاً من غلاء المعيشة والوضع الاقتصادي المزري الذي أوقع شعبه فيه، وحتى القمع والسجن الذي ينتظر كل من ينتقد سياسات الحزب الحاكم، العدالة والتنمية، وهو ما جعل كثيراً من الأتراك يهربون من جحيم الديكتاتور إلى الموت.
واحتل ارتفاع تكاليف المعيشة في تركيا المرتبة الثانية من بين أسباب الانتحار، بعدما زادت المحاولات 5 أضعاف، وفقاً لما نشرته صحيفة “يني تشاغ”، الشهر الماضي، حيث وصل عدد من حاولوا الانتحار إلى ما يقرب من 61 ألفًا في السنوات الخمس الماضية.
عقوبات
وطالبت مجلة “دير شبيغل” الألمانية، الأسبوع الماضي، الاتحاد الأوروبي، بفرض عقوبات على تركيا لمنع الرئيس أردوغان من جر البلاد إلى مزيد من الاستبداد.
وقالت المجلة: “لسنوات، واجهت الحكومة الألمانية سياسات أردوغان، بالتأكيد من الضروري الإبقاء على قنوات الحوار بين البلدين، لكن الوضع الراهن يظهر بوضوح أن الحوار لا يعد استراتيجية جيدة في التعامل معه”.
وحذرت المجلة الألمانية من أن أردوغان يجر بلاده بشكل ممنهج نحو الاستبداد، مطالبة الحكومة الألمانية باتخاذ موقف سريع، مضيفة أن “تقويض أردوغان للديمقراطية لم يبدأ فقط بقرار هيئة الانتخابات إعادة الانتخابات البلدية في إسطنبول، بل منذ سنوات بانتهاكه مبادئ دولة القانون وتأميمه للإعلام”.
ويبدو أن المشكلات والأزمات التي حاول أردوغان افتعالها لإبعاد الأنظار عما يجري داخل تركيا، بدأت تحاصره لدرجة الاختناق، في وقت لم يبق أمامه لمواجهة نتائج أعماله وارتداداتها سوى إلقاء اللوم وتوجيه أصابع الاتهام للآخرين وزيادة دائرة أعدائه، فيما تتزايد طلبات اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي من تركيا هرباً من دكتاتورية أردوغان وسياساته الخاطئة والقمعية في إدارة البلاد.