حين تولى الرئيس السيسى رئاسة الجمهورية فى 8 يونيو عام 2014، كان الوضع الخارجى لمصر فى وضع حرج، كان الاتحاد الأفريقى قد جمد عضوية مصر فيه، كما أن الاتحاد الأوروبى جمد عددا من المساعدات المقدمة لمصر، وكان هناك توجه عام لحظر تصدير السلاح إلى مصر متأثرا بالدعاية الخارجية لحلفاء الإخوان فى الخارج، وفى الوقت نفسه كانت العلاقات الأمريكية المصرية فى أسوأ لحظاتها منذ أكثر من 40 عاما، فضلا عن تجميد اتحاد البرلمان الدولى عضوية مصر فى أكتوبر من عام 2010.
بالإضافة إلى هذا الوضع الملتهب، كان الرئيس قد ورث أزمة تتعلق بتوجه أنظمة سابقة تصورت أننا نعيش فى عالم قطبه الولايات المتحدة الأمريكية فقط لا غير، وعليك أن تتذكر كيف كانت جماعة الإخوان تتصور أن مفاتيح حل كافة أزماتها الداخلية تمر عبر بوابة السفارة الأمريكية وسفيرتها المثيرة للجدل «آن باترسون»، التى كانت تتعامل فى هذه الفترة كأنها «المندوب السامى» الذى يحاول الإخوان نيل رضاه، بعد 3 سنوات ونصف تقريبا من وصول الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى سدة الحكم تبدل هذا الوضع تماما، ليصبح ملف العلاقات الخارجية المصرية واحدا من أهم إنجازات الرئيس والملفات، التى حققت تقدما كبيرا.
الاتحاد الأفريقى
فى 5 يوليو عام 2013 علق الاتحاد الأفريقى عضوية مصر فى الاتحاد، وفى اجتماع عقد فى 17 يونيو عام 2014 وبعد 11 شهرا من الغياب، عقد اجتماع للمندوبين الدائمين بالاتحاد بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بعد موافقة مجلس السلم والأمن الأفريقى وبإجماع أعضائه الـ15 عادت مصر إلى مكانها الطبيعى داخل الاتحاد الأفريقى، خاصة أنها واحدة من الدول المؤسسة للاتحاد عام 1963، وكان الرئيس جمال عبدالناصر هو صاحب فكرة إنشائه واستضافت مصر أول قمة له فى يوليو عام 1964، وفى 26 يوليو 2014 شاركت مصر فى أعمال الدورة العادية الـ 23 لقمة الاتحاد الأفريقى بغينيا الاستوائية بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى قال فى كلمته إنه وبعد إتمام الاستحقاقين الرئاسى والاستفتاء على الدستور، نتأكد بأن الإخوة الأفارقة باتوا متأكدين من أن ثورة 30 يونيو ثورة شعبية كانت من أجل السير نحو الديمقراطية ونجح الشعب فى تجنب مصير التقسيم»، ليزيل كل لبس أو سوء تفاهم قد وقع بين مصر والمنظمة.
بناء قوى متوازنة شرقا وغربا
أنهى الرئيس عبدالفتاح السيسى حالة «التبعية»، التى حاول البعض فرضها على الدولة المصرية عبر عقود، فقالها الرئيس السيسى واضحة إن مصر تستهدف علاقات خارجية متوازنة مع جميع الأطراف، وليست علاقات لطرف على حساب طرف، ووضعها فى موقعها الإقليمى الصحيح، فكانت الزيارة الأولى للرئيس السيسى بعد انتخابه فى 25 يونيو 2014 إلى دولة الجزائر الشقيقة، لبحث التهديدات التى تواجه المنطقة، ثم زيارة تالية فى 27 يونيو للعاصمة السودانية الخرطوم للاطمئنان على صحة الرئيس عمر البشير وبعد إجرائه عملية جراحية، ثم كانت زيارته فى 26 يوليو إلى جمهورية غينيا الاستوائية للمشاركة فى قمة الاتحاد الأفريقى والتى أكد فيها اعتزاز الشعب المصرى بانتمائه الأفريقى.
فى أغسطس زار الرئيس السيسى روسيا، والتقى الرئيس فلاديمير بوتين، وفى التاسع من فبراير 2015 رد الرئيس بوتين الزيارة إلى مصر لأول مرة منذ 10 سنوات، وهى الزيارة التى كانت واحدة من أهم الزيارات الخارجية، حيث وجدت حفاوة الترحيب فلم تقتصر فقط على المباحثات الثنائية والاستقبال الكبير بقصر القبة، فحضر الرئيسان حفلا موسيقيا فى دار الأوبرا، وتناولا العشاء فى برج القاهرة واستمرت الزيارات، التى كانت آخرها زيارة بوتين فى أوائل ديسمبر الماضى، حيث تم حسم ملفات الشرق الأوسط والتعاون الاقتصادى فى اللقاء الثامن بين «السيسى» و«بوتين»، فضلا عن توقيع اتفاقية محطة الضبعة النووية.. وما أعقبها من رفع الحظر على الطيران الروسى، إلى جانب استثمارات روسية فى منطقة قناة السويس.. تعزيز التبادل التجارى بزيادة 4 مليارات دولار، رفع مستوى التعاون العسكرى الفنى.. تنسيق مصرى روسى فى القضايا الإقليمية التى تمس الأمن القومى.. ضرورة الحفاظ على الوضعية القانونية للقدس وفقًا للقرارات الأممية.. دعم المسار السياسى فى ليبيا لإجراء انتخابات رئاسية.. بحث الأوضاع فى سوريا وسرعة إقرار السلام.
وفى الثالث من سبتمبر الماضى زار الرئيس السيسى الصين للمشاركة فى قمة بريكس، لتكون الزيارة الرابعة له منذ توليه الرئاسة، حيث كانت الأولى فى ديسمبر عام 2014، وكانت الثانية فى سبتمبر 2015 وهى الزيارة، التى جاءت بمناسبة عيد النصر الوطنى الصينى، كما كانت الزيارة الثالثة فى سبتمبر 2016 حين وجهت الصين دعوة خاصة لمصر للمشاركة كضيف فى قمة مجموعة العشرين، حيث شارك الرئيس فى مختلف جلسات عمل القمة.
الاتحاد الأوروبى عودة الشراكة القديمة
ارتبطت مصر بالقارة العجوز منذ أكثر من 200 عام بعلاقات متينة وقوية، وتباينت العلاقات قربا وبعدا حسب الظروف السياسية والتاريخية المعقدة الكثيرة، لكن لا شك أن الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما تولى المسؤولية والعلاقات المصرية الأوروبية لم تكن أبدا فى أحسن أحوالها، وبدون «العودة إلى الماضى» والحديث عن الحاضر يمكننا أن ننظر اليوم إلى آخر ما تحقق فى هذا المجال، فالحكومة المصرية وقعت فى 31 أكتوبر اتفاقية مع الاتحاد الأوروبى بقيمة 500 مليون يورو لتمويل مشروعات تنمية فى الفترة من 2017 وحتى 2020، بما يعادل 10 مليارات ونصف المليار جنيه مصرى، وذلك وفقا لبيان صادر عن مجلس الوزراء.
اتفاقية التمويل جاءت بعدما عادت أعمال مجلس الشراكة الأوروبى المصرى، الذى توقف منذ عام 2011، الذى عقدت أعماله فى 25 يوليو 2017 بحضور وزير الخارجية سامح شكرى.
التطور لم يتوقف عند اتجاه واحد وتلقى المساعدات، فبحسب الاتحاد الأوروبى فإن حجم التجارة بين مصر والاتحاد وصلت إلى 27.7 مليار يورو عام 2015، وبلغت الصادرات المصرية إلى الاتحاد 7.2 مليار يورو عن نفس العام، أما الشراكة مع بريطانيا فوصلت إلى حد غير مسبوق، حيث أكد السفير البريطانى بالقاهرة جون كاسن أن بريطانيا ساهمت فى ضخ مليارات الدولارات للبنوك المصرية، وأن بلاده تستثمر نحو 43 مليار دولار فى مصر.
ونجحت مصر أن تمضى قدما فى تلك العلاقة دون أن يتمكن أحد من أن يفرض عليها أجندته الخاصة، وليس أدل على ذلك من قول الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون خلال المؤتمر الصحفى، الذى عقده مع نظيره المصرى فى العاصمة باريس فى أكتوبر الماضى أن بلاده ليس دورها أن تعطى «دروسا» للآخرين.
العلاقات الأمريكية.. من فتور إلى تعاون كامل
«كان هناك تفاهم جيد.. إنه شخص رائع ويسيطر بحق على زمام الأمور فى مصر»، بهذه الكلمات عبر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن لقائه بالرئيس السيسى، خلال لقائهما الرسمى كرئيسين، واللقاء الثانى لهما كشخصين، إذ سبق أن التقى الرئيس السيسى ترامب حين كان لم يزل مرشحا فى الانتخابات، وذلك على هامش زيارة الرئيس للجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 2016.
ونجح الرئيسان فى كسر جمود العلاقات الذى ساد مع نهايات عصر الرئيس السابق باراك أوباما، فخلال عام واحد فقط التقى الرئيسان 4 مرات، كما عادت من جديد مناورات النجم الساطع بين الجيش المصرى والأمريكى فى سبتمبر الماضى، بعد أن توقفت 8 سنوات كاملة.
كسر الجمود لا يمكن التعبير عنه أكثر من كلمات الرئيس ترامب والتى قالها أثناء زيارة الرئيس السيسى الرسمية للولايات المتحدة فى 3 إبريل 2017 حين قال: «نجدد العلاقات بين جيوشنا إلى أعلى مستوى فى هذه الأوقات أكثر من أى وقت مضى»، قبل أن يتوجه للرئيس قائلا: «أريد فقط أن أقول لك سيدى الرئيس، أن لديكم صديقا وحليفا فى الولايات المتحدة».
المصالحة الفلسطينية الحلم يصبح حقيقة
الصور المعلقة للرئيس عبدالفتاح السيسى فى شوارع غزة عند استقبال رئيس حكومة الوفاق الفلسطينية رامى الحمد لله إلى القطاع لأول مرة لتسلم مهامه فى الثانى من أكتوبر 2017، بعدها بعشرة أيام وفى الثانى عشر من أكتوبر وقعت حركتا فتح وحماس اتفاق المصالحة الفلسطينية الرسمية، واتفقت الحركتان على تمكين الحكومة الفلسطينية من العمل على كل التراب الفلسطينى
بيان إنهاء المصالحة التى استمرت 10 سنوات كاملة يأتى واضحا مدللا على الموقف المصرى، إذ يقول البيان الختامى للحركتين: «أن المصالحة جاءت انطلاقا من حرص مصر على القضية الفلسطينية وإصرار الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى على تحقيق آمال وتطلعات الشعب الفلسطينى وإنهاء الانقسام».
تجاوز الكبوة الإيطالية
قديما قالوا لكل جواد كبوة، وإذا كانت هناك كبوة فى العلاقات الخارجية المصرية الخارجية فهى بالتأكيد تلك التى وقعت بين مصر وإيطاليا فى أعقاب وفاة الباحث الإيطالى جوليو ريجينى، ووصلت ذروة التوتر فى العلاقات بعدما سحبت إيطاليا سفيرها فى 8 إبريل 2016، بعد يومين من اجتماعات دارت فى بين لجنتى التحقيق المصرية والإيطالية.. لكن وبعد عام ونصف من الغياب عاد من جديد جيامباولو كانتينى السفير الإيطالى إلى القاهرة ليستأنف مهام منصبه من جديد بالقاهرة، بعد جولات دبلوماسية خاضتها الحكومتان المصرية والإيطالية للتغلب على أسباب التوتر التى شابت العلاقات بين البلدين بعد حادث الطالب جوليو ريجينى، لتنطوى صفحة التوتر وتعود العلاقات بشكل جيد بين البلدين.
العودة لاتحاد البرلمان الدولى
بعد انقطاع دام خمس سنوات، تمكنت مصر العودة إلى عضوية الاتحاد البرلمانى الدولى بسبب حالة الاضطراب التى شهدتها البلاد فى أعقاب ثورة 25 يناير مما يعيد مصر لمكانتها الدولية، حيث أصدر الاتحاد بيانًا أعلن خلاله عن عودة مصر إلى العضوية الكاملة للاتحاد، ومشاركتها فى أعمال الدورة 134، فى لوساكا بزامبيا. وفى كلمته خلال افتتاح أعمال الدورة، لفت صابر تشودرى، رئيس اتحاد البرلمانى الدولى، إلى أهمية وجود مصر فى الاتحاد، خاصة كونها دولة محورية فى المنطقة، وأنها من أقدم مؤسسيه، غذ تعود عضويتها فيه إلى عام 1924، حيث كانت واحدة من أقدم الدول دائمة العضوية فى الاتحاد.