الركن الإسلامي

دار الإفتاء المصرية ترد على من أنكر فرضية الحجاب

 أصدرت دار الإفتاء المصرية بياناً على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ، ترد فيه على أحد الشيوخ الذي أنكر فرضية الحجاب خلال لقاء له على أحد القنوات الفضائية المصرية ، وكان الرد كالتالي :

من المقرر في علم الأصول أن مسائل الشرع الشريف وأحكامه على قسمين:

– قسم انعقد الإجماع عليه وأصبح معلومًا من الدين بالضرورة -سواء أكان مستنده قطعيَّ الدلالة في الأصل أم صار كذلك بإجماع الأمة على حكمه- وهذا القسم لا تجوز مخالفته؛ لأنه يشكل هوية الإسلام، والقدح فيه قدح في الثوابت الدينية المستقرة.

– والقسم الثاني: هو تلك المسائل التي اختلف المجتهدون من أهل العلم في حكمها ولم ينعقد عليها الإجماع؛ فالأمر فيها واسع، واختلافهم فيها رحمة، ويجوز للمسلم أن يأخذ بالفتوى على أي الأقوال فيها من غير حرج يلحقه في ذلك.

فالإجماع ضابط لهوية دين الإسلام، وحافظ لِمَا استقر من أحكامه؛ حيث يحول الدليل الظني -في ثبوته أو دلالته- إلى قطعي، فيخرج بذلك من مجال الاجتهاد، ويحافظ على ما اتفق عليه المسلمون من الثوابت التي لا تختلف باختلاف الزمان أو المكان أو الأشخاص أو الأحوال، وتخطي الإجماع يؤدي إلى هدم أحكام الدين والقدح في ثوابته ومُسَلَّماته.

وقد يكون الدليل ظنيًّا محتملًا لأكثر من وجه، فيأتي إجماع المسلمين على أحد أوجهه قاطعًا لهذه الظنية وذلك الاحتمال، فيصبح الدليل قطعيًّا مانعًا من أي نظر أو اجتهاد آخر يخالف ذلك الإجماع حتى ولو كان اللفظ محتملًا له:

فقد أجمع المسلمون على أن الوضوء سابق على الصلاة؛ مع أن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ يحتمل أن يكون الوضوء لاحقًا للصلاة أيضًا لتعقيبه بعدها بالفاء، لكنهم لمَّا أجمعوا على أسبقية الوضوء وجب حمل القيام في الآية على المعنى المجازي وهو إرادة القيام.

وأجمعوا أيضًا على أن الخمر حرام لا يجوز شربها، مع أن النص القرآني لم يرد بلفظ التحريم، بل ورد بالاجتناب، فقال تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ ، ومع أن الأمر الشرعي يحتمل أن يكون للندب كما يحتمل الإيجاب، لكن لمّا حصل الإجماع تعين الحمل على الإيجاب وتحريم التناول.

ومن المقرر شرعًا بإجماع الأولين والآخرين من علماء الأمة الإسلامية ومجتهديها، وأئمتها وفقهائها ومُحَدِّثيها: أنّ حجاب المرأة المسلمة فرضٌ على كلِّ مَن بلغت سن التكليف، وهو السن الذي ترى فيه الأنثى الحيض وتبلغ فيه مبلغ النساء؛ فعليها أن تستر جسمَها ما عدا الوجهَ والكفين، وزاد جماعة من العلماء القدمين في جواز إظهارهما، وزاد بعضهم أيضًا ما تدعو الحاجة لإظهاره كموضع السوار وما قد يظهر مِن الذراعين عند التعامل، وأمّا وجوب ستر ما عدا ذلك فلم يخالف فيه أحد من المسلمين عبر القرون سلفًا ولا خلفًا؛ إذْ هو حكمٌ منصوصٌ عليه في صريح الوحْيَيْن الكتاب والسنة، وقد انعقد عليه إجماع الأمة، وبذلك تواتَرَ عملُ المسلمين كافة على مر العصور وكر الدهور مِن لَدُنْ عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأجمعوا على أن المرأة إذا كشفَتْ ما وجب عليها سترُه فقد ارتكبَتْ مُحرَّمًا يجب عليها التوبةُ إلى الله تعالى منه، فصار حكم فرضية الحجاب بهذا المعنى من المعلوم من الدين بالضرورة، ومن الأحكام القطعية التي تشكل هوية الإسلام وثوابته التي لا تتغير عبر العصور.

وتفصيل أدلة فرضية الحجاب على الوجه الذي ذكرناه ما يلي:

# فأما دليل الكتاب: فقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ .

والمناسبة التي نزلت فيها هذه الآية هي أن النساء كن يُظهِرن شعورهن وأعناقهن وشيئًا من صدورهن فَنَهاهُنَّ الله عز وجل عن ذلك، وأمرهن بإدْناء الجلابيب على تلك المواضع التي يكشِفْنَها؛ حتى ينكف عنهن الفُساق إذا رأوا حشمتهن وتستُّرَهن، وأكد على شمول الحكم فيها لكل أفراد النساء بقوله تعالى: ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

قال مقاتل بن سليمان في “تفسيره” (3/508، ط. دار إحياء التراث): اهـ.

وقال العلّامة المراغي في “تفسيره” (22/38، ط. مصطفى الحلبي): اهـ.

وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ .

فنهت الآية الكريمة المؤمنات عن إبداء زينتهن، واستثنت الزينة الظاهرة، وقد فسر السلف الصالح -مِن الصحابة والتابعين ومَن بعدهم من الأئمة المجتهدين والفقهاء المتبوعين- الزينة الظاهرة التي يجوز للمرأة إبداؤها بالوجه والكفين، وزاد بعض السلف -كالسيدة عائشة رضي الله عنها- القدمين، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة والثوري والمزني من الشافعية واختيار ابن تيمية من الحنابلة، وبعضهم زاد موضع السوار، وفسرها بعض السلف بالثياب، أما غير ذلك فلم يختلف أحد من السلف ولا الخلف في عده من الزينة الواجب سترها، أي أن ما عدا هذه الزينة الظاهرة لا يجوز للمرأة إظهاره باتفاق العلماء وليس هو محلًّا للخلاف أصلًا على اختلاف أقوالهم في تفاصيل الزينة الظاهرة.

وجاء الأمر الإلهي في الآية للنساء المؤمنات بضرب الخُمُر على الجيوب، والخُمُر: جمع خِمَار، وخمار المرأة في لغة العرب هو مَا يُغطِّي رَأْسها، قال العلامة الفيومي في “المصباح المنير” (مادة خمر): اهـ، والجُيُوب: جمع جَيْب، وهو الصدر. فجاء على غاية ما يكون وضوحًا في بيان المقصود؛ فإن التعبير بضرب الخمار على الجيب: يقتضي ستر الشعر والعنق والنحر، والعدول عن التعبير بضربه على الوجه إلى الضرب على الجيب يقتضي في الوقت نفسه كشفَ الوجه، وهذا مِن أبلغِ الكلام وأفصحِه، وأبينِه وأوضحِه.

قال الإمام الطبري في “جامع البيان” (19/159): اهـ.

وقال الإمام أبو محمد بن حزم في “المحلَّى” (2/247، ط. دار الفكر): اهـ.

وقال الإمام القرطبي في “الهداية إلى بلوغ النهاية” (8/5071، ط. مجموعة بحوث الكتاب والسنة): اهـ.

وقال الإمام السمرقندي في “بحر العلوم” (2/508): اهـ.

وقال الإمام أبو الوليد الباجي في “المنتقى شرح الموطأ” (1/251، ط. مطبعة السعادة): اهـ.

وقال الإمام ابن كثير في “تفسيره” (6/42، ط. دار الكتب العلمية): اهـ.

# وأما الحديث: فأخرج أبو داود في “سننه” -واللفظ له-، والطبراني في “مسند الشاميين”، وابن عدي في “الكامل”، والبيهقي في “السنن الكبرى” و”الآداب” و”شُعَب الإيمان”: عن عائشةَ رضي اللهُ عنها، أنّ أسماءَ بنتَ أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنهما دخلَتْ على رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم وعليها ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلاَّ هَذَا وَهَذَا»، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ.

وتضعيف هذا الحديث بسعيد بن بشير، وخالد بن دريك: غير سديد؛ فقد وثق سعيدًا جماعةٌ من الأئمة، وصحح حديثَه الحاكمُ في “المستدرك” وقال: ، ووافقه الحافظ الذهبي، وأما خالد بن دُرَيك فقد وثقه النسائي وغير واحد.

وقد عُلِّل هذا الحديث أيضًا بالإرسال بين خالد بن دُرَيْك وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهذا التعليل متعقَّبٌ مِن وجهين:

الأول: أن المرسل مقبول إذا عضَّده قول صحابي أو فعله، كما هو مذهب الإمام الشافعي والمحققين من الأصوليين، قال البيهقي في “السنن الكبرى” (2/319، ط. دار الكتب العلمية): اهـ.

الثاني: أنه منجبر بالطرق الأخرى للحديث؛ حيث ورد مِن أكثر مِن طريق:

فأخرجه أبو داود في “المراسيل” عَنْ قَتَادَةَ مرسلًا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إِلَى الْمَفْصِلِ»، وهو مرسل صحيح.

وأخرج الطبراني في معجميه: “الكبير” و”الأوسط”، والبيهقي في “السنن الكبرى” عن أسماء بنت عُمَيْس رضي الله عنها، أنها قالت: دخل رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم على عائشةَ بنتِ أبي بكر، وعندها أختُها أسماءُ بنتُ أبي بكر، وعليها ثيابٌ شاميةٌ واسعةُ الأكمام، فلما نظر إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام فخرج، فقالت لها عائشة رضي الله عنها تَنَحَّيْ؛ فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرًا كرهه، فتنَحَّتْ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسألَتْه عائشةُ رضي الله عنها: لم قام؟ قال: «أَوَلَمْ تَرَيْ إِلَى هَيْئَتِهَا، إِنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهَا إِلَّا هَكَذَا» وأخذ بكُمَّيْه، فغطى بهما ظهر كفَّيْه حتى لم يبد مِن كفَّيْه إلا أصابعُه، ثم نصب كفيه على صدغيه حتى لم يَبْدُ إلا وجهُه.

قال الحافظ الهيثميُّ في “مجمع الزوائد” (5/137، ط. مكتبة القدسي): اهـ.

وقد تقرر عند أهل الحديث أن المرسل إذا تعددت مخارجُه فهو في محل القبول؛ قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: اهـ نقلًا عن “نزهة النظر” للحافظ ابن حجر (ص: 101-102، ط. مطبعة سفير).

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري” (8/439، ط. دار المعرفة): اهـ.

وأخرج أبو داود والترمذي في “السنن” عن نَبْهَانَ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةَ. قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أُمِرْنَا بِالحِجَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «احْتَجِبَا مِنْهُ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَلَا يَعْرِفُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ». قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه في “السنن” عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ عِنْدَ مُكَاتَبِ إِحْدَاكُنَّ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ». قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وفي هذا الحديث دليلٌ على وجوب احتجاب المرأة عن الرجل ما لم يكن مملوكًا لها، وأنها إنما أُمِرت بالاحتجاب منه هنا إذا ملك ما يؤدي به وإن لم يؤده حقيقةً تورعًا، قال الترمذي: ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم على التورع، وقالوا: لا يعتق المكاتب وإن كان عنده ما يؤدي حتى يؤدي.

وأخرج أبو داود في “السنن” عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ كَانَ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ثَوْبٌ، إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَا تَلْقَى قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ، إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ».

قال الحافظ ابن الملقن في “البدر المنير” (7/510، ط. دار الهجرة): اهـ.

وهذا الحديث صريحٌ في وجوب تغطية الرأس؛ لتحرُّج السيدة فاطمة رضي الله عنها من كشف رأسها حتى تغطي رجلها، ولو كان أحد الموضعين أوجب من الآخر في التغطية، أو كانت تغطية أحدهما واجبة وتغطية الآخر سنة لقدَّمَتْ الواجبَ بلا حرج.

وأخرج الترمذي والنسائي في “السنن” عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ»، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا»، فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِف أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: «فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ»، قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

قال المباركفوري في “تحفة الأحوذي” (5/332، ط. دار الكتب العلمية): اهـ.

وأخرج الإمام أحمد في “مسنده” عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَسَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً مِمَّا أَهْدَاهَا لَهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي فَقَالَ: «مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسِ الْقُبْطِيَّةَ» قُلْتُ: كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي. فَقَالَ: «مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ عِظَامَهَا». قال الحافظ ضياء الدين المقدسي في “الأحاديث المختارة” (4/149، ط. دار خضر): اهـ.

وأخرج أبو داود في “سننه” عَنْ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِقَبَاطِيَّ، فَأَعْطَانِي مِنْهَا قُبْطِيَّةً، فَقَالَ: «اصْدَعْهَا صَدْعَيْنِ، فَاقْطَعْ أَحَدَهُمَا قَمِيصًا، وَأَعْطِ الْآخَرَ امْرَأَتَكَ تَخْتَمِرُ بِهِ»، فَلَمَّا أَدْبَرَ، قَالَ: «وَأْمُرِ امْرَأَتَكَ أَنْ تَجْعَلَ تَحْتَهُ ثَوْبًا لَا يَصِفُهَا».

وأخرج ابن أبي شيبة في “مصنفه” عن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَعِنْدِي فَتَاةٌ، فَأَلْقَى إِلَيَّ حِقْوَهُ، فَقَالَ: «شُقِّيهِ بَيْنَ هَذِهِ الْفَتَاةِ وَبَيْنَ الَّتِي عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ، فَإِنِّي لَا أَرَاهُمَا إِلَّا قَدْ حَاضَتَا».

وأخرج ابن ماجه في “سننه”، وابن أبي شيبة في “مصنفه” عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَاخْتَبَأَتْ مَوْلَاةٌ لَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «حَاضَتْ؟» فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَشَقَّ لَهَا مِنْ عِمَامَتِهِ، فَقَالَ «اخْتَمِرِي بِهَذَا».

وأخرج الإمام أحمد والروياني في “مسنديهما” عَنْ عُقْبَةَ بن عامر رضي الله عنه أَنَّ أُخْتَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، مُرْهَا فَلْتَخْتَمِرْ، وَلْتَرْكَبْ، وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ».

وفي رواية الروياني: أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً وتَنْشُرَ شَعْرَهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لِغَنِيٌّ عَنْ نَذْرِ أُخْتِكَ، مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ، وَلْتُهْدِ هَدْيًا -وَأَحْسَبَهُ قَالَ: وَتُغَطِّي شَعْرَهَا-». قال الحافظ البوصيري في “مصباح الزجاجة” (1/83، ط. دار العربية): اهـ.

قال الإمام الطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (5/398، 399، ط. مؤسسة الرسالة): اهـ.

وقد بلغ من أهمية حجاب المسلمة أن ارتبط في الشريعة ارتباطًا وثيقًا بالصلاة؛ بحيث إنها لا تقبل بدونه، أي أنه فرض ديني إسلامي وليس رمزًا طائفيًّا.

فأخرج الخمسة إلا النسائي من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةَ حَائِضٍ -من بلغت سن المحيض- إِلاَّ بِخِمَارٍ».

قال الصنعاني في “سبل السلام” (1/198، ط. دار الحديث): اهـ.

وقال الشيخ أبو الحسن المباركفوري في “مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح” (2/478، ط. الجامعة السلفية): اهـ.

وأخرج أبو داود في “سننه” والحاكم في “المستدرك” عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ؟، قَالَ: «إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا». قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

قال الملا علي القاري في “مرقاة المفاتيح” (2/634، ط. دار الفكر): اهـ.

وأخرج الطبراني في مُعجَمَيْه “الأوسط” و”الصغير” عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنَ امْرَأَةٍ صَلَاةً حَتَّى تُوَارِي زِينَتَهَا, وَلَا مِنْ جَارِيَةٍ بَلَغَتِ الْمَحِيضَ حَتَّى تَخْتَمِرَ».

وأخرج أبو داود في “المراسيل” عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ رُؤُوسَهُمْ»، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: «وَامْرَأَةٌ قَامَتْ إِلَى الصَّلَاةِ وَأُذُنُهَا بَادِيَةٌ».

وهذه الأحاديث توضح بجلاء ارتباط الحجاب بالدين حتى إن الصلاة التي هي من أركان الدين لا تقبل بدونه، أي أنه فرض ديني إسلامي وليس رمزًا طائفيًّا.

# وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة الإسلامية سلفًا وخلفًا على وجوب الحجاب وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة. ومما نُقِل من إجماع الأمة في ذلك:

قال الإمام أبو محمد بن حزم في كتابه “مراتب الإجماع” (ص: 29، ط. دار الكتب العلمية): اهـ، وأقره على ذلك الشيخ ابن تيمية الحنبلي؛ فلم يتعقبه في كتابه “نقد مراتب الإجماع”.

وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر المالكي في “التمهيد” (15/108، ط. وزارة الأوقاف المغربية): اهـ.

وهذا صريح في أن المختلفين في الوجه والكفين ونحوهما؛ كالقدمين، وموضع السوار من الذراعين، قد انعقد بينهم الإجماع على وجوب تغطية ما سوى ذلك، ولا يوجد عند المسلمين أي قول بجواز كشف ما عدا ذلك من جسد المرأة.

وقال الحافظ ابن عبد البر أيضًا في كتابه الحافل “الاستذكار، الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار، وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار” (2/196، ط. دار الكتب العلمية): اهـ.

وقال الإمام أبو المظفر السمعاني الحنفي ثم الشافعي في “قواطع الأدلة في الأصول” (2/82، ط. دار الكتب العلمية): اهـ.

وقال الإمام القرطبي المالكي في “تفسيره” (12/237، ط. دار الكتب المصرية): اهـ.

وعلى ذلك فوجوب ستر المرأة جسدها ما عدا وجهها وكفيها وقدميها وبعض ذراعيها هو من الأحكام الشرعية القطعية التي أجمع عليها المسلمون عبر العصور على اختلاف مذاهبهم الفقهية ومشاربهم الفكرية، ولم يشذ عن ذلك أحد من علماء المسلمين سلفًا ولا خلفًا، والقول بجواز إظهار شيء غير ذلك من جسدها لغير ضرورة أو حاجة تُنَزَّل منزلتَها هو كلام مخالف لِمَا عُلِم بالضرورة من دين المسلمين، وهو قولٌ مبتدَعٌ منحرف لم يُسبَقْ صاحبُه إليه، ولا يجوز نسبة هذا القول الباطل للإسلام بحال من الأحوال.

وبناء على ما سبق: فإن موقف الشريعة الإسلامية بكافة مصادر تشريعها من فرضيَّة الحجاب منذ فرضه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأجمع عليه المسلمون سلفًا وخلفًا منذ عصر النبوة وحتى عصرنا الحاضر هو موقفٌ واضحٌ قاطع حاسم لم يَجْرِ فيه الخلافُ قطُّ بين علماء المسلمين، ولم يقل بنفيه أحدٌ من المسلمين على مر العصور وتتابع الأجيال، ولا هو في أصله مما هو قابلٌ لأن يجري فيه الخلاف، ولا هو مما يتغير بتغير الأعراف والعوائد والبلدان؛ فلم يكن أبدًا من قبيل العادات، بل هو من صميم الدين وتكاليف الشريعة التي حمَّلها الله الإنسان دون سائر الكائنات، وهو سائله عنها يوم القيامة.

زر الذهاب إلى الأعلى