تحقيقات و تقاريرعاجل

طريقة إيران الجديدة للحرب في سوريا

 نشر مركز دراسات الحرب، وهو مؤسسة بحثية أمريكية، دراسة مطولة عما أسماه “طريقة إيران الجديدة للحرب في سوريا”، تطرق فيها إلى مساعي طهران لتمكين جيشها من تنفيذ المهمات القتالية شبه التقليدية خارج حدودها، معتبراً أن هذه القوة التي لا تمتلكها سوى دول قليلة في العالم ستعمل على إحداث تغيير جذري في الحسابات الاستراتيجية وموازين القوى في الشرق الأوسط.

ويقول التقرير: “لا يمكن النظر إلى هذا الأمر على اعتبار أنه ظاهرة عابرة، بل إن العديد من قادة إيران العسكريين وقادة الحرس الثوري الإيراني والجيش الإيراني (أرتش) والباسيج وغيرهم من القوات العسكرية الإيرانية العاملة في سوريا لا يتوانون عن إظهار عمل القوات الإيرانية هناك او خارج حدود إيران. وبكل وضوح، فإن إيران تنوي مواصلة السير في طريق تطوير قواتها التقليدية لزيادة كفاءة عملياتها”

حلب

وخلال عملية استمرت 15 شهراً دأب قادة الجيش الإيراني على نشر آلاف الجنود من مختلف الفروع العسكرية في محيط مدينة حلب بهدف إسقاط المدينة وإرجاعها لسيطرة النظام وهو ما حدث في ديسمبر 2016. ووفق هذا المخطط، حرص القادة الإيرانيون على توجيه القوى التي كانت تركز تقليدياً على العمليات الدفاعية لتمكينها من تنفيذ خطوات تدخل سريع وتعزيز قدرتها على الاستمرار في القيام بعمليات في الخارج لأول مرة منذ انتهاء الحرب بين إيران والعراق في الثمانينات.

التحول الاستراتيجي

هذه التحولات كلها تصب في بوتقة التحول الاستراتيجي الحاصل في عقلية القيادة العسكرية الإيرانية نحو موقف أكثر عدوانية في المنطقة. ووجدت إيران أن قدراتها العسكرية غير المتماثلة والتي كانت تهدف إلى ردع الولايات المتحدة وإسرائيل لا تكفي لإجراء العمليات العسكرية التقليدية المطلوبة في سوريا، ولهذا حرص الجيش الإيراني على تذليل العقبات المؤسسية الكبيرة أمامه لتلبية المتطلبات الجديدة.

وتعكس حملة حلب على وجه الخصوص نجاح إيران في تطبيق هذا النهج الجديد خلال الحرب. فقد عززت القوات الإيرانية قدرات وكلائها على الأرض ومكنت القوات الموالية للنظام من السيطرة على مجموعة من التضاريس القوية وانتزاعها من أيدي قوى المعارضة. وساهمت القوات الإيرانية في التخطيط للحملة وانجاحها، وتصدرت المعارك إلى جانب الشركاء المحليين والخارجيين وتكبدت في نفس الوقت خسائر كبيرة إلا أنها عادت إلى الواجهة في نمط مستمر من التناوب. وهكذا استمر الجيش الإيراني في تطوير عقديته الجديدة للوصول إلى طريقة عمل مؤسسية أفضل من ذي قبل تفيد في مثل هذه الحالات.

النموذج الهجين

ويرى التقرير أن إيران ستواصل إحداث تطوير مستمر للنموذج الهجين الذي صنعته للحرب في سوريا عبر تعزيز قدراتها في الشرق الأوسط. وستساهم الإجراءات والتكتيكات التي قامت بها القوات الإيرانية في سوريا بتسهيل جهود طهران في نشر قواتها والقوات الحليفة لها في أماكن أخرى مثل العراق ولبنان. وسيؤدي السماح لإيران في تعزيز نفوذها في سوريا إلى تمكين طهران من توسيع وتحسين قدرات وكلائها وتوجيهها ضد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها إذا ما قررت طهران ذلك.

لاعب مهيمن

وفي نفس الوقت، سيبقى نطاق العمليات القتالية الإيرانية الحالية في سوريا ضامناً لبقاء إيران كلاعب مهيمن على أرض الواقع بغض النظر عن أي تغيرات في الموقف الرسمي الروسي حيال التدخل الإيراني. ومن جهتها ساعدت روسيا كثيراً في الحملة البرية الإيرانية ومن غير المنطقي أن تقوم بابدال القوات الإيرانية والموالية لها بقوات روسية في سوريا. الأهم من كل هذا، أن إيران قررت للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الإسلامية التركيز على قوة التوقع التقليدية الخاصة بها وهو ما يحد بشكل كبير من القدرات التسليحية لجيرانها ويضعنا أمام حقيقة مفادها أن ميزان القوى في المنطقة تغير إلى الأبد.

ويعتمد هذا التقرير على مصادر من وكالات الأنباء الإيرانية ووسائل الاعلام الاجتماعي لتوثيق قدرات إيران الموسعة للقيام بعمليات عسكرية في دعم النظام السوري. وهكذا ستواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط مخاطر التهديد الإيراني في المنطقة، خاصة وأن طهران باتت قادرة على نحو متزايد على نقل مشاريعها خارج إيران عدا عن تعزيز قدراتها على توليد وإدامة عمليات التدخل السريع الخارجية التي تتطلب نقلاً للموظفين وللموارد بشكل دوري. ويوصي التقرير الإدارة الأمريكية بضرورة مضاعفة جهودها لاستهداف وفرض عقوبات جديدة على الكيانات والأفراد المشاركين والعاملين في الشبكة الإيرانية من أجل تقييد قدرة إيران على زعزعة استقرار المنطقة وسوريا خصوصاً من دون اغفال أهمية ضرورة سعي الإدارة الجديدة على إعادة النظر في خيارات السياسة والتعامل مع إيران وسياساتها في المنطقة.

دعم إيران للرئيس السوري

ويلفت التقرير إلى أن إيران أعادت تشكيل أنشطتها العسكرية في سوريا على مدى الحرب الأهلية هناك. فالتغييرات في ساحة المعركة دفعت إيران إلى تكثيف أنشطتها العسكرية في البلاد والتي بلغت ذروتها مع الحملة العسكرية التي استهدفت مدينة حلب. وساهمت الزيادة الكبيرة في القوات الإيرانية المشاركة في ساحة المعركة السورية إلى تصاعد كبير في النهج الإيراني وتعظيم القدرات الإيرانية التي تراوحت بين المد والجزر حسب طبيعة القتال.

ومنذ الأيام الأولى قدمت إيران دعماً عسكريا للنظام السوري، رغم اتسامها بالمحدودية في الفترة الأولى من الحرب حيث أرسلت إيران عدداً محدوداً من ضباط الجيش الإيراني الذين كانوا في الغالب من قوات نخبة الحرس الثوري للتدخل السريع وفيلق القدس من أجل توفير الدعم الفني عالي المستوى لقوات النظام. وفور وصولهم إلى سوريا، بدأ هؤلاء الضباط بتشكيل جماعات شبه عسكرية محلية وساهموا بدعم مقاتلي المليشيات الشيعية العراقية ومقاتلي حزب الله في سوريا. لكن الانتشار المحدود هذا أثبت عدم كفاءته بالشكل المطلوب.

قامت إيران لاحقاً بنشر عدد من المتقاعدين العسكريين رفيعي المستوى وبعض أفراد القوات البرية التابعة للحرس الثوري من أجل توفير مستوى دعم استشاري أعلى للنظام السوري إلا أن هذا الجهد لم يكن كافياً لتحقيق المهمة المطلوبة. ومع حلول النصف الثاني من العام 2014 قامت إيران بتصعيد مشاركتها في سوريا خاصة مع مواجهة الجيش السوري مزيداً من الخسائر خلال تلك الفترة. ومع ظهور داعش السريع في العراق، اضطرت إيران إلى إعادة توزيع العديد من الميليشيات الشيعية العراقية التي كانت تقاتل في سوريا من أجل الدفاع عن بغداد. وهكذا اضطرت إيران لحشد عدد من ضباط قوة القدس والآلاف من المقاتلين الشيعة الأجانب بما في ذلك الأفغان منهم للتخفيف من استنزاف قوات النظام السوري. وتشير الخسائر التي مني بها ضباط الرتب المتوسطة الإيرانيين إلى تولي الجيش الإيراني بنفسه قيادة العمليات الميدانية في بعض المواقع.

ولعل فشل التدخل الإيراني في هذه الفترة يعكس اتجاه الحرب الاهلية السورية حيث عانى النظام السوري من خسائر كبيرة في النصف الأول من عام 2015. ومع حلول سبتمبر 2015 وعلى مدار العام 2016 تعاظم التواجد العسكري الإيراني في سوريا وخاصة في عملية حصار وإعادة السيطرة على مدينة حلب. وبشكل عام تألفت المساهمة الإيرانية من قوات الحرس الثوري الإيراني وفيلق القسد والجيش الإيراني التقليدي ( آرتش) و الباسيج – منظمة شبه عسكرية إيرانية.

زر الذهاب إلى الأعلى