المال والبنون زينة الحياة الدنيا، ولكن .. قد تتحول هذه الزينة إلى “شيمة” يُذّم بها الإنسان وتورده المهالك وتجعله يسير في طريق الشيطان الرجيم عليه لعائن الله، فقد يستهويه إبليس اللعين فيقع فيما حرم الله من أجل أن يكنز المال ويسعى للحصول عليه ولو من حرام، وقد يفته بالولد فيرتكب ما يغضب الله ويلتهي به عن طاعته سبحانه وتعالى.
وبذلك يتحول المال والبنون بدل أنا كانا زينة للإنسان في الدنيا، وطريقًا إلى الجنة إن قام بحقهما والتزم بما أمر الله فيهما، ليصبحا من مداخل الشيطان إلى الإنسان ليوقعه في الفتنة ويورده المهالك ويبعده عن الله عز وجل فيرث الخسارة في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون * واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم}.
من هنا جاء التحذير الشديد من الأفتتان بالمال والولد، لأنه إذا تمكن حب المال من الإنسان أفسد قلبه جعله يسعى لتحصيل المال بأي وسيلة كانت، فيسرق أو ينصب أو يرتشي، وقد يجعله حبه للمال كذلك يبخل عن تأديه حقوق الله فيه من زكاة وصدقات، أو يخون الأمانة أو يأكل حقوق العباد، وهو ما سيؤدي بالنهاية إلى الفقر، يقول الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
أما الافتتان بالولد فهو من المهالك العظيمة التي يقع فيها كثير من الناس، لذا جاء التحذير والتنبية الإلهي من أن يفتتن الإنسان بأولاده أو يلهوه عن ذكر الله وطاعته فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون}، وقال عز من قائل: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم}.
ومن أمثلة ذلك ما وقع مع عوف بن مالك الأشجعي، فقد كان ذا أهل وولد، وكان إذا أراد الجهاد بكوا إليه ورققوه فقالوا: إلى من تدعنا؟ لا نقدر على فراقك، فيرق فيقيم معهم ويترك الجهاد؛ وإذا حاول أن يخالفهم لاموه وجفوه وعادوه.
فأنزل اللّه سبحانه وتعالى: {ياأيها الذين آمنوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ} أي لحملهم إيّاكم على المعصية وترك الطاعة فاحذروهم أن تقبلوا منهم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرفوعًا: ” يؤتى برجل يوم القيامة فيقال أكل عياله حسناته”.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب، فجاء الإمامان الحسن والحسين، رضي الله عنهما، عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه (فحملهما واحداً من ذا الشق، وواحداً من ذا الشق، ثم قال: “صدق الله ورسوله، إنما أموالكم وأولادكم فتنة، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما”. وفي رواية: “قاتل الله الشيطان، إن الولد لفتنة، والذي نفسي بيده ما دريت أني نزلت عن منبري”. ثم أخذ في خطبته.
فعلى الإنسان أن يغلق هذا المدخل على الشيطان، فيسخر ماله وولده وأهله لطاعة الله، ونفع الناس وفعل الخيرات، فيكونون بذلك زينة الحياة الدنيا، كما وصفهما الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم.