ما زال الإرهاب يضرب بقوة في منطقة القرن الأفريقي، مستغلا التراجع الأمني، وانهيار سلطة الدولة في عدد من البلدان به، مثل: الصومال، وتمارس الجماعات المتطرفة، في هذه المنطقة المهمة، كعمق استراتيجي للأمن القومي العربي، نشاطا واسعا، يسقط على أثره مئات الضحايا شهريا.
ولا يقتصر الأمر على الجماعات المعلنة، مثل: بوكو حرام، وحركة الشباب، وإنما يمتد إلى تحالف تآمري، يجمع الإخوان، وداعش والقاعدة أيضا، بهدف إحداث مزيد من التدمير في الدول التي ما زالت تحتفظ بقدراتها المركزية، بما يسمح لهذه الجماعات المتطرفة، من تكرار النموذج الصومالي، في جميع دول القرن الأفريقي، وبالتالي تدمير البنى التحتية لهذه الدول، والنفاذ إلى الوطن العربي.
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، ترفض الجماعات المتطرفة في القرن الأفريقي، أي مبادرة لوقف العنف، بل وتلجأ أيضا إلى الاستفادة من تجارب التنظيمات الإرهابية الأخرى، في تطوير أعمالها، وليس أدل على ذلك، من لجوء جماعات الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي، إلى استخدام النساء، كانتحاريات، وهو تطور طبيعي لاستخدامهن من قبل تنظيم داعش، كدروع بشرية، وسبايا وخادمات لعناصره من المرتزقة.
وخلال السطور التالية، نرصد أبعاد المؤامرة، التي تتحالف فيها قوى الإرهاب، من الإخوان، والقاعدة، وداعش، وبوكو حرام، والشباب؛ لتدمير المنطقة والقضاء على أي فرص لها للعيش في أمان.
أهمية القرن الأفريقي
لفهم سر تحالف ومؤامرة الجماعات الإرهابية، على منطقة القرن الأفريقي، بشكل خاص، يجب أن نستوعب أهمية دول هذه المنطقة، لا سيما وأن توغل الإرهاب فيها، يمثل الوجه الآخر، لما يجري في المنطقة العربية، سواء بليبيا، أو اليمن، أو حتى شمالا في العراق وسوريا.
تضم منطقة القرن الأفريقي الأصلية 3 دول هي: جيبوتي، والصومال، وإرتيريا، لكن هذا التوزيع الجعرافي، يغفل امتداد المساحة الجغرافية في هذا الجانب من أفريقيا، حتى الساحل الغربي، نظرا لعدم وجود حواجز طبيعية قادرة على منع الاتصال بين الدول في هذه المنطقة كاملة، الأمر الذي يجعل الأثر السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، في هذه الدول متقارب، وقوي.
ولعل نظرة بسيطة لخريطة القارة الأفريقية، تكشف بسهولة، عن حقيقتين بالغتي الأهمية، لأولى أنه لا يمكن عمليا قصر منطقة القرن الأفريقي على الدول الثلاث في شرق القارة، كما أن هذه المنطقة كاملة، من الساحل الشرقي على ضفاف المحيط الهندي، والبحر الأحمر، إلى الساحل الغربي، عند شواطئ كوت دي فوار، تمثل عمقا استراتيجيا خطيرا للوطن العربي، الذي يمتد على المساحة ذاتها تقريبا في شمال القارة، بخلاف الدول العربية الواقعة في قارة آسيا.
ويعتبر الجزء الشرقي من القرن الأفريقي، أحد أهم مرافئ المرور العالمية، لا سيما منذ شق قناة السويس، خلال القرن قبل الماضي.
انهيار خطير
وبحلول عام 1989 ومع اندلاع الاضطرابات في دولة الصومال، تعرض القرن الأفريقي لمحنة، أسفرت عن انهيار خطير، للأمن، مما أدى في البداية إلى انتشار عصابات السرقة، والقرصنة البحرية، التي تطورت مع تدخل جهات خارجية، وتدفق التمويل، إلى جماعات إرهابية، في مقدمتها “حركة الشباب”.
وعلى أثر ذلك سقطت تلك المنطقة في براثن، مشكلات سياسية حادة، تفاقمت حتى أدت إلى توغل شديد الخطورة للجماعات الإرهابية، مما أسفر صراعات من انفصالية، ظهرت واضحة في خلاف إريتري إثيوبي، وصومالي إثيوبي، وسوداني سوداني، خاصة أنه تم تغذية الفتنة العرقية، والقوميات القبلية، وهو ما نتج منه صراع إثني تجراي أمهري، وصومالي عفري، بل ووصل الأمر إلى خلاف ديني إسلامي مسيحي.
بداية المؤامرة
يخطئ من يتصور أن بداية المؤامرة على القرن الأفريقي، كان قريبا، بل على العكس، فإن هذه الخطط التآمرية، بدأت بالتزامن مع بداية التآمر أيضا على الوطن العربي، وهو ما يكشف عن طبيعة ما يجري في هذه المنطقة من العالم.
وفي منتصف ستينيات القرن الماضي، بدأ ظهور الحركات الإسلامية في الصومال، وكانت طليعتها جماعة “الأهل” في الجنوب، وحركة “الوحدة” في الشمال، واستطاعت هاتان الجماعتان استقطاب أعداد كبيرة من أبناء الجاليات في الصومال، بزعم الدفاع عن الإسلام.
وبعد هذا الوقت بعقد كامل، بدأت تظهر الحركة السلفية، وأشهرها حركة الاتحاد الإسلامي، التي تطورت إلى حركة أطلق عليها “الاعتصام”، وهي حركة إسلامية ذات قراءة متأثرة بالفكر السروري، في ثمانينيات القرن العشرين، وكان من رموز الحركة الشيخ محمد قطب، شقيق سيد قطب منظر الإخوان الأكبر، والشيخ محمد بن سرور السوري، الذي خرج من عباءة الإخوان أيضا.
الإخوان أساس الخراب
عندما يأتي ذكر الإخوان، فنحن أمام خراب محدق، وهذا بالظبط ما جرى في القرن الأفريقي، منذ تحالفت الأفكار والرؤى بين الجماعات الموجودة في الصومال، وجماعة الإخوان، على يدي ابن سرور، ومحمد قطب، الأمر الذي أنتج فكرا عنيفا، بالغ التطرف، ينتهج الإرهاب سبيلا لفرض السيطرة، والإمساك بزمام الأمور.
صحيح أن أول ظهور للإخوان كان في جيبوتي خلال ثلاثينيات القرن المنصرم، عندما تم افتتاح أول شعبة لهم هناك، لكن انتشار أفكار وآراء الشيوخ التابعين للجماعة، مثل: محمد معلم، ومحمد غريري، والدكتور علي الشيخ أحمد، والدكتور محمد يوسف، هو الذي أحدث الاندماج والتفاعل اللازمين، لإنجاب الفكرة المتطرف والعنيف، وهو ما احتاج لوقت قبل أن يظهر في الستينيات من القرن الـ20.
وكان للحروب الأهلية التي اندلعت في الصومال، وما أدت إليه من انهيار سلطة الدولة، والفراغ السياسي الناجم عن ذلك، إلى تعزيز وجود الحركات الإسلامية، مما مثل أرضا خصبة للانتشار والتوغل والانتقال إلى دول أخرى، وهو ما جرى مع جماعة بوكو حرام، التي تقاتل حاليا، في نيجيريا، على غير هدى، ودون أجندة سياسية واضحة.
لغز التمويل
لا يمكن عبور هذه المرحلة، قبل إلقاء الضوء على لغز بدا محير لفترة طويلة من الزمن، وهو التمويل الذي حصلت عليه هذه الجماعات لتنمو، وتترعرع، خاصة قبل أن تجد لنفسها مخرجا بإنشاء المؤسسات المدنية، والجمعيات الخيرية، والجامعات أيضا.
ومع مرور الوقت بدأ هذا اللغز ينحل تلقائيا، بعد ظهور الأدوار التي لعبتها دول كبرى، كانت تدعي أنها عدوة للإرهاب، في دعم هذه الجماعات المتطرفة، بل وظهور الدعم الواسع الذي تقدمه بعض دول المنطقة، ومنها قطر، أيضا، ومنذ فترة طويلة دعما للأنشطة العنيفة التي تمارسها تلك الجماعات، أيا كان مكانها.
سلاح الانتحاريات
شهدت الفترة الماضية، تقارير أصدرتها مراكز الدراسات الأمنية، في عدد من دول العالم، تحذر من تصاعد الهجمات الإرهابية في أفريقيا بشكل عام، والقرن الأفريقي، بمعناه الواسع على وجه الخصوص، بعد التحالف بين الجماعات المتطرفة، الذي نقل خبرات إلى العاملين في هذه المنطقة، لم تكن معروفة من قبل.
وأيدت الأرقام هذه المخاوف، حيث شهدت السنوات الثلاث الماضية، ارتفاعا تجاوز 25%، في أعداد العمليات الإرهابية بأفريقيا شمالا وفي القرن الأفريقي، وبخاصة في ليبيا التي شهدت 200 هجمة إرهابية، ومالي التي شهدت 35 هجمة، وتونس 27 هجمة، ونيجيريا التي تضاعفت فيها أعداد الضحايا، إثر مذابح بوكو حرام، التي كان أخطرها سقطوا 150 شخصا ضحايا هجوم شنته الجماعة على مدينة باغا النيجيرية.
وتتصاعد هذه الأيام، المخاوف من استمرار هذا التفاقم الأمني الخطير، في ظل لجوء جماعة بوكو حرام، وحركة الشباب، إلى استغلال النساء لتنفيذ عمليات انتحارية، لم يكن يطلب لها سوى الرجال في السابق.
بداية تلك الكارثة كانت على يدي جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، في مالي التي استلهمت التجربة الداعشية، في هذا المجال.
وفي أبريل الماضي أعلنت تلك الجماعة مسئوليتها عن هجوم استهدف بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي، والعملية الفرنسية “برخان” في منطقة “تمبكتو”، بواسطة هجمات انتحارية، نفذتها نساء.
الأرقام لا تكذب
بقي أن نشير إلى أن أفريقيا، تضم نحو 64 منظمة وجماعة إرهابية، لها صلة بالتنظيمات الدولية كالقاعدة، وداعش، والإخوان، ولعل من أبرز هذه الجماعات بوكوحرام، في نيجيريا، و”القاعدة في المغرب الإسلامي”، المنشقة عن الجماعة الإسلامية المسلحة في 1997، وحركة “الشباب” الصومالية، وحركة “أنصار الدين” في مالي، وحركة “التوحيد والجهاد” في غرب أفريقيا، المنشقة عن تنظيم القاعدة، في 2011.
وتفاقمت الأمور عقب الثورات العربية في 2011، وبخاصة في ليبيا التي تصدرت المشهد الإرهابي، بسبب انهيار السلطة المركزية للدولة، وتفكك الجيش وتداول الأسلحة بين القبائل هناك.