قالت الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، إن تنفيذ الحكومة للعديد من الإصلاحات ضمن البرنامج الوطنى للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى والذى أجرته الحكومة في نوفمبر 2016، أدى إلى تحقيق الاستقرار الكلى والنمو الشامل، والذى انعكس على المؤشرات الإيجابية التى شهدها الاقتصاد المصرى خلال عام 2019/2020 وقبل حدوث أزمة كورونا “كوفيد 19”.
واستعرضت السعيد، خلال مشاركتها فى المؤتمر الاقتصادى السابع لمؤسسة أخبار اليوم، المنعقد بعنوان “الاقتصاد المصرى… إنجازات وتحديات فى ظل جائحة كورونا”، أبعاد التجربة التنموية لمصر، مشيرة إلى التغيرات والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التى شهدتها مصر فى السنوات الأخيرة، وما ترتب عليها من تراكم للاختلالات الهيكلية التى عانى منها الاقتصاد المصرى لعقود طويلة، لذا عملت الدولة المصرية على وضع خطة تنموية ترتكز على تخطيط شامل ورؤية طموحة للمستقبل، تمثلت فى رؤية مصر 2030″، التى أُسست على نهج تشاركى لتمثل النسخة الوطنية من الأهداف الأُممية لتحقيق التنمية المستدامة، والإطار العام المنظم لخطط وبرامج العمل المرحلية خلال السنوات المقبلة.
وأضافت السعيد، أن جهود الإصلاح وما يتميز به الاقتصاد المصرى من تنوع فى القطاعات قد ساهما، على الرغم من الانخفاض النسبى فى بعض المؤشرات نتيجة لتفشى الوباء، فى أن يصبح الاقتصاد المصرى أكثر مرونة ولديه قدرة على استيعاب الصدمات الاقتصادية الخارجية ومن بينها الأخطار الإقليمية المتزايدة وأزمة كورونا، لذا جاءت توقعات المؤسسات الدولية إيجابية بشأن الاقتصاد المصرى والذى يعتبر الاقتصاد الوحيد فى المنطقة وضمن الاقتصاديات القليلة فى العالم التى حققت معدلات نمو إيجابى فى ظل الأزمة، فحققت مصر نمو 3.6% فى الناتج المحلى مقابل توقعات المؤسسات الدولية بأن تحقق مصر نمو 2% فقط.
كما استعرضت السعيد، خلال كلمتها مجموعة السياسات الاستباقية التى اتخذتها الحكومة والتى اعتمدت على خطة واضحة ومدروسة تستهدف كافة الفئات والقطاعات الاجتماعية من أجل التخفيف من آثار وباء كورونا، والتى ترتكز على عدة محاور على رأسها مساندة القطاعات المتضررة من خلال تخفيف الأعباء المالية وتوفير السيولة والائتمان لهذه القطاعات؛ منها قطاع السياحة والطيران والشحن والسفر وقطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، بالإضافة إلى مساندة العمالة المنتظمة وغير المنتظمة، والعمل على تنشيط الاقتصاد من خلال زيادة الدخول وزيادة الاستثمارات فى القطاعات التى تحظى بأولوية واعتماد سياسات نقدية ومالية تحفيزية تشمل خفض أسعار الفائدة، وتأجيل واعادة جدولة مديونيات بعض القطاعات، وحزم تمويلية، وتأجيل مدفوعات الضرائب وبعض المستحقات السيادية، هذا فضلًا عن الاهتمام بعملية التواصل والشفافية من خلال المؤتمرات الصحفية للسيد رئيس الوزراء والسادة الوزراء لاطلاع المواطنين بشكل دورى على كل المستجدات حول الأزمة والإجراءات التى تتخذها الحكومة للتعامل معها.
وأكدت السعيد، أن كل إجراءات الحكومة بشأن تلك الأزمة تأتى فى إطار حرص الدولة على تحقيق التوازن بين الحفاظ على صحة المواطن واستمرار عجلة النشاط الاقتصادى.
وقالت السعيد، إن ما نتج عن أزمة كورونا من إعادة ترتيب أولويات جميع الدول بالتأكيد على أهمية عدد من المجالات التى تمثل أولويات مُلحة لأغلب دول العالم ولما تتسم به من مرونة، وفى مقدمتها قطاعات الخدمات الصحية والمستلزمات الطبية، والزراعة، والصناعات الغذائية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والصناعة التحويلية، قد أسهم فى رسم ملامح خطة الحكومة فى الفترة المقبلة لتحقيق النمو الشامل والمستدام من خلال زيادة الاستثمارات العامة فى تلك القطاعات الواعدة بنسبة 70%، وبالإضافة إلى الاهتمام بشبكات الحماية الاجتماعية وخلق فرص عمل من خلال التوسع فى عدد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة، والتوسع فى تنفيذ مبادرتى “حياة كريمة” للقرى الاكثر احتياجًا، و”مراكب النجاة” باعتبارها أبرز الأدوات لتعزيز مظلة الحماية الاجتماعية.
أضافت السعيد، أن قطاعى الصحة والتعليم يمثلان أهمية قصوى للدولة المصرية باعتبارهما الأداة الرئيسة للتنمية وبناء قدرات الانسان والـمدخل الرئيس لتقدم المجتمع، مشيرة إلى زيادة استثمارات قطاع الصحة بخطة 20/2021 بنسبة 50%، وزيادة استثمارات قطاع التعليم، بنسبة 80% وذلك بهدف تطوير المدارس والفصول لتحسين القدرة الاستيعابية، والتوسع فى إنشاء المدارس الفنية والجامعات التكنولوجية والأهلية وذلك للربط باحتياجات سوق العمل.
وأوضحت السعيد، أن الدولة تولى أهمية قصوى لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فى إطار تعزيز التوجه نحو التحول الرقمى وتكثيف الاستثمارات فى هذا المجال، حيث تستهدف التوسع فى الاستثمارات فى قطاع البنية المعلوماتية والرقمنة بنسبة زيادة قدرها نحو 300%، هذا إلى جانب قطاع الصناعة بصفة عامة وخصوصًا الصناعات التحويلية والذى يأتى من بين القطاعات الرئيسية التى ترتكز عليها جهود الدولة لتحقيق النمو المستدام وتنويع الهيكل الإنتاجى وخلق فرص العمل اللائق والمنتج.
وتابعت السعيد، أن أزمة كورونا أثبتت ضرورة توطين بعض الصناعات منها المنتجات الطبية وزيادة نسب الاكتفاء الذاتى منها، بالإضافة إلى تعميق التصنيع الزراعى وتوطين منتجات قطاع الاتصالات وصناعة قطارات ومستلزمات السكك الحديدية وصناعة الأجهزة المنزلية وصناعة الأثاث، وذلك بهدف الاستفادة من التغييرات التى تشهدها سلاسل التوريد العالمية فى النفاذ إلى أسواق جديدة تتمتع فيها المنتجات المصرية بمزايا تنافسية.
كما لفتت السعيد، إلى أنه فى ضوء التغيرات البيئية التى يشهدها العالم واهتمام الدولة بالتنمية المستدامة والاتجاه نحو الاقتصاد الأخضر وفقًا لرؤية 2030، تتبنى الحكومة استراتيجية وطنية للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، وجارى العمل على تحقيق 30% من المشروعات الاستثمارية بخطط الدولة لمفاهيم الاستدامة البيئية والاقتصاد الأخضر ترتفع النسبة لتصبح 100% فى الأعوام الثلاث القادمة. حيث تم بالتعاون بين كل من وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية ووزارة البيئة وضع معايير للاستدامة البيئية التى تم اعتمادها بالفعل من جانب مجلس الوزراء فى شهر أكتوبر الماضى، كما يجرى العمل لتدريب الكوادر البشرية فى مختلف الجهات المصرية لتطبيق هذه المعايير، وسيتم بحث تعميم هذه المعايير على القطاع الخاص بعد أن لقت قبولًا. وفى الوقت ذاته، جاءت مصر فى مقدمة الدول المنطقة التى أصدرت سندات خضراء فى الأسواق الدولية.
وأشارت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، إلى أنه يأتى ضمن الأولويات اهتمام الدولة المصرية بتوطين التنمية، أو ما نطلق عليه “التوطين المحلى لأهداف التنمية المستدامة،” بهدف تحقيق مفهوم “النمو الاحتوائى والمستدام والتنمية الإقليمية المتوازنة”، كأحد الركائز الأساسية لرؤية مصر 2030، ويهدف ذلك لتعظيم الاستفادة من المزايا النسبية للمحافظات والأقاليم المصرية، وتوجيه الاستثمارات فى إطار الخطة العامة للدولة بشكل أكثر كفاءة وفاعلية، مع التركيز على المحافظات التى لديها فجوات تنموية أكبر.
وفيما يتعلق بصندوق مصر السيادى، أكدت السعيد أنه تم إنشاء الصندوق كأحد الآليات لخلق مزيد من فرص الشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ استثمارات مشتركة تحقق النفع والمصالح المتبادلة، وخلق ثروات للأجيال المستقبلية عن طريق تعظيم الاستفادة من القيمة الكامنة فى الأصول المستغلّة وغير المستغلّة فى مصر وتحقيق فوائض مالية تعزز جهود تحقيق التنمية المستدامة.
وأضافت السعيد، أن الصندوق نجح منذ إنشائه فى جذب مستثمرين وشركاء من الداخل والخارج وتوقيع اتفاقيات للدخول فى شراكات متعددة بالرغم من التحديات الاقتصادية التى شهدتها الفترة الأخيرة، فقد شهدنا بداية انطلاق النشاط الاستثمارى للصندوق وعقد الشراكات الاستثمارية على كافة الأطر محليًا وعربيًا ودوليًا، مشيرة إلى تعاون الصندوق مع الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومع مستثمرين من القطاع الخاص من أجل توطين صناعة عربات السكك الحديدية، وتلبية احتياجات مصر، وتوفير فرص كبيرة للتصدير وذلك من خلال توقيع عقد تأسيس الشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية (نيريك) بين الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس وصندوق مصر السيادى، وعدد من شركات القطاع الخاص المصرية.
وفى ختام كلمتها أكدت السعيد، على أن جهود الدولة تأتى فى ظل إدراك كامل أنه لا تزال أمام الدولة تحديات كبيرة علينا جميعًا التكاتف مواجهتها، بل يجب علينا أن نخلق من هذه التحديات فرصًا واعدةً للعمل والتنمية فى المستقبل، مشيرة إلى أنه من بين أهم التحديات التى تواجه زيادة معدلات النمو السكانى الذى يلتهم نتائج وثمار النمو المتحقق، بل ويهدد بمزيد من الضغوط والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، التى تؤدى إلى تراجع العائد من جهود التنمية، وبشكل أكثر تحديدًا ما يتعلق بنصيب الفرد من الإنفاق على التعليم والصحة والإسكان والنقل والمواصلات، كما تزيد مع ذلك صعوبة مواجهة مشكلات البطالة والتفاوت فى المؤشرات التنموية بين الأقاليم والمحافظات المختلفة، لذا تعمل الدولة على إدارة القضية السكنية من خلال ضبط النمو السكانى، والارتقاء بالخصائص السكانية كالتعليم، والصحة، وفرص العمل، والتمكين الاقتصادى، والثقافة. مع تعظيم الاستفادة من الثروة البشرية الحالية من خلال تنفيذ حزمة مختلفة من برامج التدريب وبناء القدرات والتوسع فى الاستثمار فى البشر.
وأكدت السعيد، عزم الدولة على المضى قُدمًا لاستكمال مسيرة الإصلاح والتنمية الشاملة والمستدامة التى تتطلب سنوات من العمل الجاد والمتواصل بالتعاون بين كافة شركاء التنمية من القطاع الخاص ومجتمع مدنى مع الحكومة، وفى هذا الإطار تلتزم الدولة بتنفيذ برنامج الإصلاحات الهيكلية الذى يعتبر المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى بدأته الدولة فى نوفمبر 2016 وساهم فى زيادة مرونة وقدرة الاقتصاد المصرى على امتصاص الصدمات الخارجية الناجمة عن أزمة كوفيد-19. موضحة أنه برنامج وطنى نابع من داخل مؤسسات الدولة المصرية العامة والخاصة والمجتمع المدنى، ويأتى فى إطار النهج التشاركى الذى تتبناه الدولة المصرية. حيث تستهدف الإصلاحات الهيكلية تنويع هيكل الاقتصاد المصرى وزيادة مرونته، ورفع القدرة على امتصاص الصدمات الخارجية والداخلية، فضلًا عن تحويل مسار الاقتصاد المصرى ليصبح اقتصادا إنتاجيًا يرتكز على المعرفة ويتمتع بقدرات تنافسية فى الاقتصاد العالمي.