نشر المجلس الأطلسي تقريراً حول فوز المرشح الديمقراطي “جو بايدن” بانتخابات الرئاسة الأمريكية، حاول من خلاله استطلاع آراء الباحثين العاملين في المجلس حول توقعاتهم بشأن أبرز التغييرات والخطوات التي قد تتخذها إدارة “بايدن” الجديدة، وما تمثله نتيجة هذه الانتخابات بالنسبة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة ودورها في العالم، حيث استعرض التقرير آراء هؤلاء الباحثين بشأن عدد من القضايا منها منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية والصين والدول الأوروبية وأمريكا اللاتينية وحلف الناتو ، وكذلك تعامل الإدارة الجديدة مع عدد من القضايا الداخلية، وتوقع التقرير أن تسعى إدارة “بايدن” في المقام الأول إلى ضخ دماء جديدة في النظام السياسي في الداخل الأمريكي وإعادة بناء تحالفات في الخارج.
فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط: أكد التقرير أنه أصبح يُنظر إلى الولايات المتحدة بشكل متزايد في المنطقة على أنها بمثابة تهديد للوضع الراهن وذلك منذ الحرب على العراق، مشيراً إلى أن العديد من الدول الرئيسية في المنطقة ابتعدت بشكل كبير عن نهجها التقليدي غير السياسي تجاه واشنطن، مفضلة الانحياز بشكل متزايد إلى الحزب الجمهوري، متوقعاً أن تُتيح إدارة “بايدن” الجديدة فرصة للقادة في المنطقة، خاصة للقادة الحاليين في السعودية وإسرائيل، لتقييم النتائج السلبية لنهجهم المُسيس تجاه واشنطن والسعي إلى “إعادة ضبط” علاقاتهم بالولايات المتحدة بما يتوافق مع المصالح المشتركة طويلة الأمد، بما في ذلك التعامل مع التهديدات الإيرانية.
فيما يخص تركيا: أكد التقرير أن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا قد وصلت حالياً إلى أدنى مستوياتها على مدار التاريخ، مشيراً إلى أن فوز “بايدن” قد يقدم فرصة لإعادة العلاقات بين الحليفين في الناتو على المدى المتوسط، واصفاً “بايدن” بالسياسي المحنك، الذي يجب أن يُدرك أهمية تزايد الدور التركي على الصعيد الإقليمي في سوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط والبحر الأسود ويعمل في تناغم معها، مؤكداً أنه من مصلحة كل من الولايات المتحدة وتركيا العمل معاً من أجل إيجاد أرضية مشتركة وحلول وسط بشأن هذه القضايا.
فيما يتعلق بالقارة الأفريقية: أكد التقرير أن رئاسة “بايدن” ستتيح الفرصة للتعامل مع الحلفاء الإقليميين في أفريقيا مرة أخرى كشركاء مهمين، متوقعاً أن يطمئن “بايدن” حلفاء الولايات المتحدة بأنه لن يسحب الدعم الأمني الأمريكي من جانب واحد من الصومال ودول الساحل، الأمر الذي سيكون له مردود إيجابي ليس فقط في أفريقيا، ولكن في أوروبا، مشيراً إلى أن إصلاح أمريكا لعلاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأفريقية يمثل الطريق إلى مزيد من العلاقات التجارية.
فيما يخص دول أوروبا: أوضح التقرير أنه يُنظر إلى “بايدن” في جميع أنحاء أوروبا على أنه صديق ومؤيد للعلاقات عبر الأطلسي، مشيراً إلى أن وجود أوروبا قوية هي أفضل ما يمكن أن تمتلكه أمريكا عند مواجهة التحديات العالمية، بداية من التعامل مع الصين ومواجهة تغير المناخ إلى إعادة بناء الاقتصاد العالمي بعد وباء كورونا، متوقعاً أن يُظهر فريق “بايدن” التزاماً مستداماً بالعمل مع دول أوروبا بشأن معظم القضايا الرئيسية، ولكن يتطلب هذا الأمر إقامة علاقات إيجابية مع دول هذه القارة لإصلاح انعدام الثقة في النوايا الأمريكية التي غرسها “ترامب” في العواصم الأوروبية.
فيما يخص أمريكا اللاتينية: توقع التقرير أن يتعاون “بايدن” مع حلفاء الولايات المتحدة للمساعدة في حل أزمتي (فنزويلا / المهاجرين)، مشيراً إلى أنه في ظل رئاسة “بايدن”، ستتخلى الولايات المتحدة عن اتباع نهج (معنا أو بدوننا) لتتبنى بدلاً من ذلك سياسة تؤمن بشكل أساسي بأن الولايات المتحدة يمكنها تحقيق المزيد عندما تعمل مع الدول الشريكة، متوقعاً أن تُولي الإدارة الأمريكية الجديدة اهتماماً كبيراً بقضايا حقوق الإنسان، والتصدي لتغير المناخ في هذه المنطقة، وضمان احترام حقوق العمال في اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا الجديدة (USMCA)، من خلال تبني استراتيجية تعود بالنفع على العمال الأمريكيين والشركات الأمريكية وكذلك على نحو يجعل دول هذه المنطقة مرة أخرى أكثر ازدهاراً وأكثر مرونة في مواجهة الصدمات المستقبلية، الأمر الذي سيجعل الولايات المتحدة في موقع أفضل من الصين، لتكون الشريك المفضل لحلفاء هذه المنطقة، وفيما يخص فنزويلا، توقع التقرير أن يتبع “بايدن” نهجاً مختلفاً عن “ترامب” في تعامله مع نظام “مادورو” ولكن باستخدام استراتيجيات جديدة تعطي الأولوية للعمل مع الحلفاء لدفع عملية الانتقال في فنزويلا.
فيما يخص السياسة الخارجية: توقع التقرير أن تُعيد إدارة “بايدن” الدخول في خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، وتعيد الانضمام مرة أخرى لمنظمة الصحة العالمية، وستجدد التزاماتها باتفاقية باريس للمناخ، وأن تُعيد النظر في الشراكة عبر المحيط الهادئ واتخاذ عدد من الإجراءات الأخرى لتحرير التجارة العالمية، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن يتم الترحيب بهذه الخطوات من قبل معظم حلفاء وشركاء الولايات المتحدة، الأمر الذي يشير لاستعداد الولايات المتحدة لأخذ مصالح الآخرين في الاعتبار ، وهو أمر لم يتبعه “ترامب” في سياساته التي كانت تعتمد على مصلحة الولايات المتحدة أولاً.
فيما يخص الصين: شدد التقرير على ضرورة أن يكون لـ “بايدن” استراتيجية وخارطة طريق واضحة لسياساته تجاه الصين بمجرد توليه مهام منصبه في يناير المُقبل، وذلك لأن السياسة الأمريكية تجاه الصين سيكون لها تداعيات كبيرة على كيفية إعادة الحلفاء تقييم سياساتهم واستراتيجياتهم مع الصين، فبينما تؤكد حملة “بايدن” على أهمية التحالفات والتعددية من أجل استعادة الولايات المتحدة القيادة على الصعيد العالمي، سيرغب حلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها في معرفة كيف ستحدد إدارة “بايدن” مجالات الخلاف وكذلك المصالح المشتركة مع الصين، حيث سبق أن ذكرت حملة “بايدن” أن إدارة “بايدن” ستواصل التنافس والتعاون مع الصين، كما يتعين على إدارة “بايدن” توضيح موقفها ونهجها فيما يتعلق بعملية فك الارتباط بين الولايات المتحدة والصين، حيث ستحتاج إدارة “بايدن” أيضاً إلى تقديم توضيحات بشأن ما إذا كانت تهدف إلى فك الارتباط مع الصين، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف ستخلق أوضاع متكافئة قائمة على القواعد تتيح الاستجابة لصعود الصين بشكل جماعي مع الدول ذات التفكير المماثل، وذلك في وقت يرتبط الأمن القومي بشكل متزايد بالأمن الاقتصادي والذي من المرجح أن يستمر هذا الارتباط في الوقت الحالي في ظل حالات عدم اليقين الناجمة عن وباء كورونا والركود الاقتصادي.
فيما يخص حلف الناتو: توقع التقرير أن يعمل “بايدن” على استعادة ثقة دول الحلف في الولايات المتحدة، وأنه سيحاول إيجاد حلول للجدل غير المفيد حول تقاسم الأعباء الخاصة بالحلف خاصة في ضوء الضغوط التي أدت لخفض ميزانيات الدفاع في ظل وباء كورونا.
فيما يخص الاقتصاد: توقع التقرير أن تواصل إدارة “بايدن” تعزيز أولوياتها نحو بناء الاقتصاد الأخضر – اقتصاد يهدف إلى الحدّ من المخاطر البيئية وإلى تحقيق التنمية المستدامة دون أن تؤدي إلى حالة من التدهور البيئي – وتحسين الرعاية الصحية ورعاية الأطفال والتعليم، كما أنه من المتوقع أن تتواصل إدارة “بايدن” مع الحلفاء التقليديين لمواجهة التحديات الاقتصادية العديدة التي تفرضها الصين.
فيما يتعلق بالطاقة والمناخ: أشار التقرير إلى أن خطة الرئيس المنتخب “بايدن” فيما يخص الطاقة والمناخ هي الأكثر طموحاً على الإطلاق بين أي مرشح رئاسي آخر، حيث أكد “بايدن” أن قضية تغير المناخ تمثل أولوية وطنية له، حيث وعد بإجراء تنفيذي غير مسبوق لخفض الانبعاثات، واستعادة مكانة الولايات المتحدة كبلد رائدة في مجال المناخ والسياسة البيئية، متوقعاً أن يسن “بايدن” تشريعات تضمن أهدافًا بارزة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول نهاية ولايته الأولى في عام 2025، بالإضافة إلى استثمار بقيمة (2) تريليون دولار في أبحاث الطاقة النظيفة والمناخ، وتحفيز النشر السريع لابتكارات الطاقة النظيفة والبنية التحتية في جميع أنحاء البلاد، ومن المرجح أن يركز “بايدن” جهوده على تقليل الطلب على الوقود الأحفوري.
فيما يخص الحزب الجمهوري: أشار التقرير إلى أنه من المرجح أن يستمر الحزب الجمهوري في فترة ما بعد “ترامب” في تبني حالة من عدم المبالاة بشأن قيمة المؤسسات الدولية، والتشكيك في جدوى الاتفاقيات المتعددة الأطراف بشأن مواضيع مثل تغير المناخ والسيطرة على التسلح، الأمر الذي سيكون له آثار جوهرية على حلفاء الولايات المتحدة، موضحاً أنه رغم فوز “بايدن” في الانتخابات، إلا أنه من المتوقع أن يستمر الحزب الجمهوري في اتباع نفس السياسات التي كان يتبعها خلال فترة حكم “ترامب”، وأن يشكل عقبة في طريق إصدار بعض التشريعات التي سيتبنها “بايدن”.