أواسط فبراير الماضي، وخلال تجمع انتخابي قبل الانتخابات المحلية أواخر مارس الحالي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “أي نوع هو حلف الناتو هذا؟ تعطون الإرهابيين حوالي 23 ألف شاحنة من الأسلحة والمعدات عبر العراق، لكن حين نسأل (نحن ذلك) فلن تبيعوها حتى لنا”. يصف المسؤول السابق في البنتاغون مايكل روبين هذا الكلام بأنّه كان مجرد نوبة غضب مزاجية للرئيس التركي الزئبقي مضيفاً أنّ ما قاله أردوغان هو هراء.
وذكّر في مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية بأنّ الولايات المتحدة بدأت تدعم الأكراد السوريين في الحرب ضد داعش بعد حصار كوباني بين سنتي 2014 و2015 حيث صمد الأكراد السوريون وصدوا في نهاية المطاف هجوم داعش. لم ترفض تركيا دعم المقاومة في مواجهة الحصار وحسب، لكنها سمحت أيضاً باستخدام حدودها لدعم داعش. واجتاز 90% من مقاتلي داعش الأجانب خلال تلك الفترة الحدود التركيّة، غالباً بتسهيل من الحكومة التركية نفسها.
توسلاته الديبلوماسية لا تقابَل بجدية
في حين، يصنف أردوغان الميليشيات الكردية السورية بكونها إرهابية لصلاتها بحزب العمال الكردستاني في تركيا، فإنّ إصراره على وصم جميع الأكراد السوريين بالإرهاب بسبب إثنيتهم أضعف الجدية التي يتم من خلالها قبول توسلاته الديبلوماسية. كذلك الأمر بالنسبة إلى ميل قواته الخاصة للانخراط في تطهير إثني وثقافي للبلدات والقرى الكردية التاريخية في سوريا والمبني على افتراض تدخلها لمكافحة الإرهاب.
بائع متجول لاستراتيجية نازية
ثمة سبب أوسع للتعاطي الغربي والأوروبي المشكك بشكاوى الرئيس التركي وهو الدليل المتزايد على أنّ معظم الإرهاب الذي يشتكي منه أردوغان هو في الواقع برعاية أردوغان نفسه كوسيلة لشيطنة أعدائه السياسيين وتغذية حالات الطوارئ التي تسمح له بتعزيز سلطته. عملياً أصبح أردوغان البائع المتجول الرئيسي لاستراتيجية “حريق الرايخستاغ” في القرن الواحد والعشرين. تماماً كما لام نازيو ألمانيا خصومهم بإحراق البرلمان مستخدمين الأزمة لتعليق الحريات المدنية وتعزيز السيطرة النازية على الدولة، كذلك، يروج أردوغان تكراراً لمؤامرات خاطئة لترسيخ سلطته.
أسوأ ضربات الإرهاب ضد تركيا.. قبل الانتخابات
روجت الحكومة التركية، ربما بدعم حلفائه حينها من تيار فتح الله غولن، لانقلابين مزيفين بشكل واضح أوائل القرن الحالي (بايلوز وأرغينيكون) من أجل تهميش العلمانيين داخل الجيش التركي. في الوقت الذي تم كشف حقيقة هاتين المؤامرتين، كان أردوغان قد نجح في تدمير مسيرة خصومه السياسيين مستخدماً الاتهامات للتسريع في تفكيك السلطات الرقابية في النظام. ليس صدفة أن تقع أسوأ الهجمات الإرهابية في تركيا قبل الانتخابات.
يمكن أخذ تفجير تجمع للسلام في أكتوبر 2015 في أنقرة كمثل على ذلك. في حين شن داعش الهجوم، إنّ فكرة مسؤولية أردوغان عنه لم تكن مؤامرة. كشف موقع أحوال المستقل والذي يدار بمهنية والذي لم يعد أردوغان يسمح للصحافة التركية بتغطية أخباره أنّ تقريراً صادراً عن جهاز استخباري تابع للاتحاد الأوروبي أشار إلى أنّ “قوى داخل حزب العدالة والتنمية فوضت عملاء داعش”.
انقلاب 2016 ليس أكثر واقعية
كان هنالك أيضاً الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 الذي استخدمه أردوغان ليشن تطهيراً ضد خصومه وليعلن حال الطوارئ التي سمحت له بممارسة ما حظره القانون التركي. بينما وجّه أردوغان اللوم إلى حليفه السابق غولن، وقد يكون غولينيون قد شاركوا بالفعل فيه، فإنّ السردية التي يصر عليها أردوغان ويضخمها الإعلام التركي لا تبدو أكثر واقعية من المؤامرتين السابقتين ومن تفجير أنقرة حيث تبقى أسئلة عديدة من دون أجوبة.
غير مهتم بالحقيقة.. بل بتغطية سجله المؤسف
إنّ الاحتجاز غير المعذور للقس الأمريكي أندرو برانسون، بالرغم من أنّ قضيته قد حُلت، ومن بعده احتجاز أمريكيين وأمريكيين-أتراك مثل عالم الناسا سركان غولج، يعكسان رغبة أردوغان في تأجيج الشعور المناهض للأمريكيين وتغذية جنون الارتياب لدى أتباعه أكثر من استنادهما إلى أي فكرة مرتبطة بالدليل أو العدالة.
قد يحيك أردوغان الآن مؤامرات حول مزاعم بدعم الولايات المتحدة والناتو للإرهاب. وسيغذي الشعور الموجود أصلاً في تركيا والمناهض للأمريكيين عبر هذا الأسلوب. لا يمكن فعل شيء حيال ذلك سوى الرد الواضح والمستمر واليومي لكشف الحقائق أمام الأتراك المستجيبين لأكاذيب أردوغان. لكن مع تباطؤ الاقتصاد التركي وغرق القوات التركية بشكل متزايد في سوريا وكردستان العراق، إنّ الرئيس التركي غير مهتم بالحقيقة طبعاً. يبقى هدفه الوحيد إشعال نيران الكراهية لتشتيت الانتباه عن سجله العسكري والاقتصادي المؤسف.