نشر موقع المصري اليوم مقالاً للكاتب الصحفي الكبير ” مفيد فوزي ” تحت عنوان يا مطبلاتى.. يا مقللاتى!، وفيما يلي نص المقال :
كان توفيق الحكيم يقول إن الحياة لا تستقيم إلا ببعض «المجاملات» بينما كان نجيب محفوظ يرى أن المجاملات «تلطف الأجواء» لكن يوسف إدريس كان يعتبر المجاملات أول درجات النفاق، وقال يوسف: «حين أجامل امرأة وأثنى على جمالها فهذه مجاملة مقبولة ولكن السياسة لا تحتمل المجاملات وهى نفاق مغلف!».
خطر ببالى هذه الأقوال وأنا أسمع وأرى شعاراً عن المطبلاتى، ومفهوم أن صناعته التطبيل للنظام والمقللاتى الذى «يقلل» من شأن أى إنجاز لسبب أو آخر، وأظن أن هناك درجة استحسان لإنجاز ما يندرج تحت باب التطبيل وهناك قصور ما فى أوجه الحكم لا يندرج تحت باب المقللاتى، فالاستحسان ضرورى فى أبجديات الفعل، والقصور لابد من الإشارة إليه وإلا استفحل وكبر لأن أحداً لم ينبه له، أما التطبيل فهو صناعة شعبية وأحياناً إعلامية وخطورتها أنها تهلل لأشياء أكبر من حجمها الحقيقى.
لقد قلت فى التليفزيون علناً موجهاً كلامى للرئيس السيسى «ماتراهنش يا ريس على صبر المصريين لئلا البالونة تفرقع» وأذيع البرنامج وتكررت إذاعته ولم يعترض أحد وسمح بالإذاعة لأنه لم يكن تطبيلاً ولا تقليلاً من جهد الرئيس، إنما كان تجربة طويلة مع الشارع المصرى أملت علىَّ هذه الجرأة والصدق وللدقة هذه الأمانة فى القول، ومن هنا لابد أن أعترف أن المصريين الذين وثق فى صبرهم الرئيس كذبوا ظنى لأنهم وثقوا فى نية الرئيس بأن الإجراءات الاقتصادية ما هى إلا «أقراص دواء» لفترة ما.
هنا أقف عند نقطة جوهرية وهى تبادل الثقة بين الحاكم والشعب، وحتى المتاعب الصغيرة من جراء «تعويم الجنيه» استوعبتها الكتلة السكانية، وباختصار كان رهان السيسى على صبر المصريين فى محله، وحين أقول هذا فهو ليس تطبيلاً للرجل، وما قلته على الشاشة لم يكن تقليلاً من قدرة المصريين على الصبر. لقد بالغ البعض يومئذ وقالوا إن «ثورة الجياع قادمة» وكان هذا سوء ظن بالقوة الخفية التى يتمتع بها هذا الشعب حين يحتمل إرهاقاً مؤقتاً.
وعندما سئلت عن الرئيس السيسى على الشاشة قلت: له كل الولاء. وأردفت «ولمبارك منتهى الوفاء»، لم أخش شيئاً ولم أفكر فى حسابات أخرى، فأنا أدرك أن أفضل الفضائل عند السيسى هى الوفاء، وقاعدة محمد نجيب العسكرية نموذج على هذا الوفاء رغم أنه ليس على هوى الناصريين.
تسمح الشاشات بالتعبير ولذلك طالبت بأن تكون القنوات التى تمتلكها الدولة تقريباً فى حالة منافسة لأنها بدون المنافسة والتميز تسقط فى بئر القحط المرئى، طالبت بألا يفقد المذيع مخالبه وإلا صار مذيع منوعات ركيكا، قلت إن الناس فى جوع للثقافة وفى احتياج شديد لها ولا يوجد برنامج واحد يملك أن يخاطب عقول الناس برشد.
لقد كنت أناقش كبير الإعلام أسامة الشيخ فى قضية مهمة وهى أن الشاشات الخاصة هجرت برامج التنوير الثقافية لأنها لا تجد «دعماً إعلامياً» وبالتالى لا تلقى «دعماً إعلانياً»، فى جيلى كان فاروق شوشة يتولى المهمة الثقافية فى أمسياته الفكرية وكان يقدمها باقتدار وظل شوشة حتى الرمق الأخير حارساً على اللغة العربية، كنت أسأل أسامة الشيخ «من يتحمس لـ13 حواراً مع مفكرين من أمثال مراد وهبة ويحيى الرخاوى ومحمود عودة وخليل فاضل وأحمد عكاشة ونادية رضوان وجابر عصفور؟».. وصمت أسامة الشيخ وقال: اعمل مداخلة فى مؤتمر الشباب فى شرم الشيخ ووجه حديثك للرئيس وأنت لك تجربة صحفية وتليفزيونية ولك السبق فى «تلفزة» الصحافة دون شخصنة السؤال، قال «اكتبها فى المصرى اليوم» وهناك من يهتم بها. قلت لأسامة الشيخ: إن الرئيس هو صاحب فكرة بنك المعرفة وأعتقد أنه حريص على جرعة ثقافة ترفع منسوب الوعى.
لقد قلت للدكتور مراد وهبة فى أطول مداخلة تليفزيونية: من الذى يقاوم تيار العلمانية التى تدعو إليها؟، لماذا ارتبطت العلمانية فى أذهان البعض بالإلحاد؟، كيف تقاوم الموروثات وهى عائق كبير أمام حركات التنوير؟، فى ظنى أن ملايين تحب هذا النهج من النقاش، ذلك أن الثقافة سلوك والتحضر سلوك والنهضة سلوك.
أردت أن أطرح فكرا إعلاميا غير مسبوق من «دكة الملعب الإعلامى»، أردت أن تطرح الخطة لإعلام مصر القادم على الرئيس فهو الذى قال إن عبدالناصر كان محظوظاً بإعلامه، هناك 100 مليون مصرى فى رقبة الرئيس يعرفون رجولة السيسى وسعيه الدائم لتأخذ مصر هيبتها بعد أن «افترسها» الإخوان يوماً. يعرفون أنه قدم رقبته فى مواجهة إرهاب داخلى وخارجى، يعرفون كيف حافظ على الهوية المصرية من التشويه، يعرفون رحلاته عبر العالم لتعود لمصر المكانة والمكان.
هل هذا عند «إخوانّا» تطبيل للرئيس؟ وإذا كان هذا تطبيلاً، فماذا يقال عن السيسى رئيساً؟، ماذا يقال وكل «إنجاز» له واضح ساطع وإذا لم تصل رسائله العديدة لشعبه فالمسؤول «إعلام الفرفشة الضحل»، لابد للمهنية – فى كل شىء – وبالأخص إعلام مصر، لابد أن يكون إعلاماً تنويرياً، يعزف لمصر، وهنا لابد من الإشارة إلى أن «المقللاتى» الذى يقلل من شأن الإنجاز لا يجب النظر إليه كخائن، نعم، ربما يكون بحاجة إلى معلومات، ربما لم تصله الصورة الصح، أما إذا كان «يشكك» فيما يجرى فوق الأرض فلابد من كشفه وتعريته، إن فى مقدورى أن أكتب عن «تغييرات» تمت فى الدولة ولا أعرف أبعادها وأجتهد فى فهم كواليسها ولست فى هذه الحالة «مقللاتى» لأنى أجهل حقائق من حقى معرفتها كمواطن وأتفهم تماماً المعلومات التى تحتفظ بها الدولة كأمن قومى.
عبدالفتاح السيسى، ليس فى حاجة إلى مطبلاتى، وبحكم خبرة السنين قادر على أن يشم من بعد رائحة النفاق، وعبدالفتاح السيسى ليس فى حاجة إلى «استمارة» أوقعها لأعلن أنى «معه»، عبدالفتاح السيسى «ثكنة عسكرية» تحمى الأخضر واليابس، وبدونه- بصراحة مطلقة- تسقط الدولة، إنه صمام الأمان من أى انفلات وأظن أن الأجهزة التى تعمل معه تجاوزت المطيباتى والمقللاتى، الأجهزة حددت وحسمت الأمر: مع مصر الكيان أو ضد مصر الكيان، ولا يهم إن كان من النخبة أو من السلفية أو حتى من المجمع المقدس!!. مصر لا تحارب طواحين الهواء، هناك «نبلاء» يموتون لنحيا فوق هذه الأرض، ومن الضرورى والحتمى أن نعزف مع هذا «المايسترو» دون نشاز، مصر تمر بمعركة المعارك وتبنى، وهذا قدرها أن عبارة «تحيا مصر» ليست هتافاً حماسياً، إنها فكرة تعلن عزم أمة على استعادة مجدها.