منذ سنوات بعيدة، والعاصمة هى مركز الحياة فى مصر. هى كالشمس التى تدور حولها الكواكب. هى رابطة العقد. هى مركز الكون بالنسبة للمصريين جميعًا.
وقياسًا على هذا، فإن الدولة حافظت على مركزيتها طوال هذا الوقت، بل رسخت الفكرة لدى أصحاب السلطة والرأى، وكذلك لدى أصحاب القيل والقال والرأى، ولدى جموع الشعب، الذى أسهم بقدر فى ترسيخ فكرة المركزية.
وعلى فترات متباعدة تخرج مجموعة من الناس، سواء من داخل السلطة أو خارجها، ترفع شعار «اللامركزية»، وكنت دائمًا من غير المقتنعين بتطبيق هذا المفهوم على الأرض فى مصر، تلك الدولة التى خُلقت مركزية وعاشت مركزية السلطة طوال آلاف السنين، وذلك لصعوبة تطبيقه.
فالسلطة المركزية ليست سوى تعبير عن مركزية شخصية الدولة المصرية، وليس مستغربًا أن نلمس نفس الروح والنفس اللذين سادا أوساط الدولة فى مصر عبر تاريخها، كذلك ليس غريبًا أن تتكرر نماذج من شخصيات سادت من قبل، سواء سياسيون أو رجال أعمال، ما اختلف فقط هو المظهر، لكن المضمون هو ذاته.
أيضًا ليس مُستغربًا، تلك الحركات البهلوانية التى يقوم بها البعض، بالانتقال بتميز ملحوظ فى القدرات البهلوانية من اتجاه إلى آخر، كل ذلك متوقع، قد تكون درجة التحول وسرعة الهرولة، أكثر من استيعابها، ولكن فى النهاية تظل سلوكًا متوقعًا.
ويظل السؤال: هل يمكن لمصر أن تخرج من أسر استمرار ورثة السلطة المركزية على مر آلاف السنين حتى الآن فى السيطرة على السلطة المركزية؟.
من الممكن أن يحدث ذلك، لكن إذا فهم الجميع- حكامًا ومحكومين- أن السلطة ليست هى محور الكون، وليست هى الشمس التى تدور حولها الكواكب، فقط هى جزء أصيل من نسيج أكبر اسمه الدولة، كذلك الشعب لا بد أن يدرك أنه ليس هوهذا الشىء المنتظر دائمًا حركة السلطة وقراراتها، بل لا بد له أن يعمل ويكون فاعلًا فى حركة دوران التاريخ والجغرافيا.
من الممكن أن تنتهى المركزية إذا آمن الجميع بأن الدولة مِلْك لنا جميعًا، وأن البناء هو مشروع يشترك فيه الكل بقدر مسؤولياته.
نعم، الآن توجد محاولات جادة للقضاء على المركزية، ونعم سندعو جميعًا إلى استمرارها، لكن هل نستطيع فهمها أولًا، والإيمان بها؟. أتمنى.