جاء ذلك في حلقة نقاشية نظمها المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، بعنوان “آفاق وتحديات ولاية شي جين بينج الثالثة”، بمقر المركز بالقاهرة.
وحث الخبراء، الصين على ضرورة الانخراط بشكل أكبر في القضايا السياسية للعالم العربي، ومساندة هذه القضايا بوضوح وبكل الحسم، خاصة وأن الصين قوة فاعلة في النظام الدولي، لا يمكن بأي حال تجاوزها، وينتظر منها عربيا أن تقوم حاليا بدور سياسي أكبر لدعم القضايا العربية.
وأشار إلى أن الصين تتعاطى مع القضايا الدولية وقضايا المنطقة العربية دون أن تكون طرفا في أي أزمة، ويجب عليها أن تنخرط في قضايانا العربية حتى تكون شريكا سياسيا واقتصاديا، مؤكدين أن العام العربي في انتظار مخرجات القمة العربية الصينية المرتقبة في الرياض.
وقال المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية الدكتور خالد عكاشة إن القيادة الصينية دشنت خلال المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني، صفحة جديدة للتعامل مع المستقبل.
وأضاف الدكتور خالد عكاشة أن الصين تتعاطى مع القضايا الدولية والمنطقة العربية دون أن تكون طرفا في أي أزمة، لافتا إلى أن المجتمع الدولي والمنطقة العربية في انتظار مخرجات القمة الخليجية الصينية والقمة العربية الصينية المرتقبتين في الرياض.
وفي السياق.. قال الدكتور محمد كمال عضو الهيئة الاستشارية بالمركز وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومدير معهد البحوث العربية، إن الصين تتميز بسمة تجعلها متفردة مختلفة عن الدول الأخرى، وهي استثمارها في البنية التحتية، كما أن هناك مساحة مشتركة من القيم بين الدول العربية والصين، تتثمل في تأكيد الجانبين على احترام سيادة الدول ورفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول، ورفض فرض الوصاية الأجنبية.
وأضاف كمال أن الصين تقدم رؤية فاعلة قائمة على التعددية ورفض فكرة الأحادية القطبية، إلى جانب رفض فكرة العودة إلى الحرب الباردة، منوها بأن الصين نموذج تنموي فريد تسعى للحفاظ على مشروعها التنموي الوطني، لافتا إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينج يعد شخصية فريدة في تاريخ الصين الحديث.
من جانبها.. أبرزت الباحثة في العلاقات الدولية والمتخصصة في الشؤون الصينية الدكتورة هدير طلعت، أهمية مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني لأنه يعد الحدث الأبرز في البلد الأسيوي، إذ أنه يتم خلال المؤتمر مراجعة سياسات الصين وعرض الإنجازات التي تم تحقيقها، والخطط المستقبلية التي سيتم العمل عليها.
وقالت هدير طلعت إن الصين أصبحت قوة فاعلة في النظام الدولي لا يمكن بأي حال تجاوزها، فالصين سعت لبناء دولة اشتراكية على نحو شامل.
واستعرضت الباحثة في العلاقات الدولية التحديات التي تواجه الصين خلال المرحلة الراهنة، والتي تتمثل في تباطؤ النمو الاقتصادي والأزمة البيئية وأزمة المناخ، فضلا عن استمرار انتهاج الصين سياسية “صفر كوفيد”، إلى جانب الأزمة الروسية الأوكرانية، وأزمة تراجع الاستهلاك من الطلب المحلي.
وأشارت إلى التوترات التي تشوب علاقات الصين مع دول الغرب، حيث تحولت تلك العلاقات التي كانت قائمة على التعاون إلى التنافس، لافتة إلى أن التحالفات المناوئة التي أقامتها الولايات المتحدة الأمريكية مع عدد من القوى الدولية ضد الصين تعد من أبرز التحديات التي تواجه بكين.
وذكرت أنه بالنظر إلى المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني، فإن هناك عددا من الملاحظات لا بد من التوقف بصددها، وتتثمل في أنه تم تغيير الهيكل القيادي للحزب، حيث تم انتخاب لجنة مركزية جديدة، فضلا عن تجاوز معيار الحد العمري، والتأكيد على مركزية الحزب في قيادة النهضة الصينية.
ولفتت إلى أن الحزب استطاع تحقيق إنجازات سياسية واجتماعية وضعت للرئيس شي جين بينج أرضية قوية وصلبة لقيادة الحزب لفترة ثالثة.
وأكدت أنه تم خلال المؤتمر التركيز على فكرة التنمية عالية الجودة، والتي تعنى الاعتماد على الذات لتحقيق الاستقلال التكنولوجي والاقتصادي، كما أعاد الحزب التأكيد على الثوابت الخارجية للدولة تجاه عدد من الملفات، وعلى رأسها قضية تايوان ورؤية الصين للنظام الدولي والتي ترفض الهيمنة.
وتوقعت الباحثة المتخصصة في الشؤون الصينية وجود قدر أكبر من الانفصال الاقتصادي بين أمريكا والصين، فضلا عن استمرار التحديات التي تواجه الصين وخاصة التحديات الاقتصادية، والتي ستظهر مدى قدرة بكين على التكيف مع تلك التحديات واجتيازها.
بدورها.. قالت مدرس العلاقات الدولية بالجامعة المصرية الصينية الدكتورة هند سلطان، إن مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني مثل إطارا أيديولوجيا للرئيس الصيني شي جين بينج، منوهة بأن هناك ارتباطا وثيقا بين السياسة الخارجية للصين والسياسة الداخلية.
ولفتت هند سلطان إلى أن مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني ركز على التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الدولة، كما ركز على أهمية مكافحة الفقر وتحديات الاقتصاد والبطالة.
وذكرت أن المؤتمر ركز بقوة على فكرة الأمن، بعدما كان يتم التركيز سابقا على التنمية الاقتصادية، منوهة بأن الحزب ركز على خلق نوع من التوازن بين الأمن والاقتصاد على عكس السابق، كما أبرز الحزب أهمية الاستثمار في الطلب المحلي لجعل الصين صاحبة اكتفاء ذاتي واستقلال اقتصادي عن الغرب.
أما الباحثة المتخصصة في الشؤون الآسيوية الدكتورة إيمان فخري، فاستعرضت التحديات الاقتصادية التي تواجه الصين، والتي تتمثل في التحدي المتعلق بدعم الشركات المملوكة للدولة على حساب القطاع الخاص، الأمر الذي أثر بدوره على دور القطاع الخاص في التنمية.
ولفتت إيمان فخري إلى أن الصين تواجه تباطؤا في الإنتاج، وازديادا في معدلات البطالة، وانخفاضا في الأجور، فضلا عن مشكلات أخرى تلقى بظلالها على الاقتصاد ويكون لها مردود اقتصادي وسياسي.
ونوهت إلى أن التشريعات التي تفرضها الصين على القطاع الخاص تزيد من مخاوف المستثمرين سواء كانوا صينيين أو من الخارج، منوهة بأن المستمرين الأجانب باعوا أسهما بقيمة 1.3 مليار دولار في يوم واحد من البورصات الصينية، بسبب تخوف المستثمرين من استمرارهم في السوق الصينية، نتيجة القيود المفروضة على القطاع الخاص هناك.
وأوضحت أن الرئيس الصيني ينتهج سياسة السعي إلى تقليل الاندماج الصيني في الاقتصاد العالمي، وهو توجه يمثل “ردة” في السياسة الاقتصادية التي كانت تتبعها الصين سابقا، والتي كانت قائمة على الانفتاح.
ونبهت إلى أن الصين تواجه كذلك ركودا في سوق العقارات، الأمر الذي أدى بدوره إلى انخفاض الطلب على عدد من الصناعات الاستراتيحية، وأهمها صناعة الحديد والصلب، والسلع الاستهلاكية.
وأكدت أن الصين تواجه تحديا آخر، يتمثل في التغيرات المناخية، لافتة إلى أن الصين واجهت موجة حارة وجفاف، في شهر أغسطس الماضي، تعد الأعنف في تاريخها الحديث، الأمر الذي أدى إلى انقطاع الكهرباء لفترات طويلة في الصين، ما أثر على الكثير من المصانع هناك، والتي أصبحت غير قادرة على توفير الكهرباء لعمليات الإنتاج، كما تعاني من الشيخوخة وارتفاع متوسط الأعمار مع قلة الإنجاب.
من ناحيته.. قال رئيس وحدة التسلح بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أحمد عليبة، إن الجيش الصيني كان قوة تقليدية قبل 20 عاما، مقارنة بالقوى الدولية، ولكن الرئيس الصيني عمل على إعادة بناء القوة العسكرية لبلاده من خلال انتهاج سياسة تسليح جديدة تماما تعتمد على التسلح الاستراتيجي.
وأضاف عليبة أن الصين عرفت نموا عسكريا كبيرا، فالصين أصبحت قادرة على صناعة تنمية دفاعية مثل التنمية الاقتصادية، منوها إلى أنه على الرغم من ذلك فإن القطاع المدني والخاص هما من سيقودان قاطرة التنمية الدفاعية الصينية.
ولفت إلى دخول الصين في المجلات المتعلقة بالتنمية الدفاعية مثل تسلح الفضاء، مشيرا إلى أن الصين تمتلك تخطيطا واضحا فيما يتعلق بالتنمية الدفاعية.
وحول العلاقات العربية الصينية.. أكد المستشار الأكاديمي بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية الدكتور محمد مجاهد الزيات، أن علاقات الصين مع الدول العربية قوية على المستوى التجاري، فهو القطاع الذي تولي له الصين أهمية كبيرة في علاقاتها الخارجية مع الدول.
وقال الدكتور محمد مجاهد الزيات إن الصين تركز على الداخل والتنمية الداخلية في مقابل العلاقات الخارجية للدولة، مشيرا إلى أن القمة العربية الصينية ستبرز اهتمام الصين بالمنطقة العربية.
ولفت إلى أن التطور في العلاقات الصينية العرية مرتبط بتطورات البيئة الدولية والحصار الذي تحاول أمريكا والغرب فرضه على الصين، لذلك الصين تسعى إلى التمدد في المناطق التي شهدت فراغا في النفوذ السياسي الغربي مثل الشرق الأوسط.
من جانبه.. قال سفير مصر السابق في بكين مجدي عامر، إن التطور الذي تشهده العلاقات الصينية العربية بدأ خلال العقدين الأخيرين، فالعلاقات العربية الصينية قائمة على الاقتصاد والتجارة وقليل من السياسة والأمن، وذلك في إطار خطة الصين للتنمية السلمية.
وأضاف سفير مصر السابق في بكين أن الصين تنأى بنفسها عن الدخول كطرف في المشكلات الدولية، مؤكدا أن مصر والسعودية هما الدولتان اللتان ساعدتا على تنمية وتطوير وتقوية العلاقات العربية الصينية.
بدوره.. قال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور حسن أبوطالب إن اختيارات أعضاء اللجنة الدائمة للحزب الشيوعي الصيني تشير إلى المدى الذي بدت عليه التغيرات التي يريد أن يجريها الرئيس الصيني في نظام الحكم ليصبح نهج الحزب أكثر مركزية في حكم الصين.
وأكد أنه خلال العامين الماضيين، تم دمج فلسفة الرئيس الصيني حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، لكن يرى البعض أن نهج “شي” يبدو مختلفا في ظل وجود تغييرات عميقة في النظام الدولي تخلق تهديدات وفرصا استراتيجية لصعود الصين.
ولفت إلى أن بعض التعيينات الجديدة للجنة المركزية عكست الرغبة في التعامل مع القضايا المهمة للدولة مثل الركود الاقتصادي أو التغييرات في استراتيجية (صفر- كوفيد) المشددة، وتعكس أيضًا الولاء الكامل لـ”شي جين بينج”.
وذكر أن تعزيز “شي” لسلطته خلال السنوات العشر الماضية ساهم في القضاء على أية معارضة فئوية لحكمه، وهو ما جعل له السيطرة الكاملة على مسألة التعيينات الرئيسية للحزب والتوجيهات السياسية في المؤتمر الأخير، كما قاد حملة لمكافحة الفساد أدت لتفريق الفصائل الحزبية وإضعاف المنافسين المحتملين.