في خطوة يقول مراقبون إن الهدف منها هو بعث رسالة طمأنة للشركاء الدوليين، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، أمس، أنه يسعى لإطلاق حوار وطني في غضون 30 يوما، أو ثلاثة أشهر على أقصى تقدير، بهدف صياغة جملة من الإصلاحات من بينها تعديل النظام السياسي وقانون الانتخابات.
وقال سعيّد، أثناء إشرافه مساء أمس على اجتماع مجلس الوزراء بقصر قرطاج، إنه يعتزم إجراء حوار وطني شعبي مخالف لحوارات قرطاج التي تمت في عهدة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.
محلل سياسي يكشف عن المستبعدين من الحوار الوطني الذي أعلن عنه الرئيس التونسي
وبيّن أن الحوار المرتقب سيشارك فيه الجميع باستثناء “الذين تخلدت بذممهم مبالغ.. ومن يذهبون إلى العواصم الغربية ومن يتسولون أمام السفارات على أعتاب بعض القوى الأجنبية”، مضيفا أن هذا الحوار سيناقش مسألة النظام السياسي والانتخابي الذين وضعا على المقاس، وفقا لقوله.
وأضاف أن “الحوار لا يكون إلا مع الشعب ويمكن إيجاد الحلول التقنية والطرق التي سيتم ضبطها في أمر رئاسي ويكون ذلك محددا بسقف زمني ثلاثة أشهر أو خمسة أشهر، وسيتم الاتفاق على السقف الزمني ليتم التأليف في إطار مؤتمر وطني يجمع الجميع.. الجميع باستثناء اللصوص ومن باع ذمته إلى الخارج”.
حوار مخالف لسابقيه
وأفاد القيادي في حركة الشعب (داعمة للرئيس) أسامة عويدات، في تصريح لـ”سبوتيك”، بأن هذا الحوار لن يكون كسابقيه من الحوارات التي كانت عبارة عن تقسيم لمواقع قبل أن تكون مبنية على برنامج يخرج تونس من أزماتها، وفقا لتعبيره.
وقال إن الحوار المستقبلي يجب أن يكون مبنيا على ما يهم الناس وما يمكن أن يخرج تونس من المأزق الاقتصادي والاجتماعي، وما يترجم تطلعات الشعب.
وحول الأطراف المشاركة في هذا الحوار، قال عويدات إن هذا الحوار لا يجب أن يشارك فيه الأشخاص الذين أضروا بمصلحة الشعب التونسي، قائلا: “من يجب أن يكون مشاركا في الحوار هم الناس الذين آمنوا بمسار 25 يوليو كمسار لتصحيح الثورة المغدورة”. ولفت إلى أن الحوار يجب أن يستثني الأطراف التي تآمرت وحرضت على تونس.
شرطة تونس
ملفات فساد كبرى تطيح بمسؤولين… هل بدأت تونس حربها الحقيقية على الفساد؟
وبشأن الإصلاحات السياسية، قال عويدات إن تعديل النظام السياسي سيكون من بين النقاط المحورية التي سيناقشها الحوار، معتبرا أن النظام شبه البرلماني الذي اعتمدته تونس بعد الثورة كرّس مجموعة من الأزمات التي جعلت تونس تدور في حلقة مفرغة من المشاكل والصعوبات عوضا عن خلق الحلول.
وبخصوص النظام الانتخابي، نبه عويدات إلى دعوة بعض الأطراف السياسية إلى التعجيل بإجراء انتخابات مبكرة قبل تعديل القانون الانتخابي، مضيفا: “هذه الدعوات التي تقودها أطراف كانت في السلطة هي دعوات خبيثة، الغاية منها هي إعادة إفراز نفس المشهد الحزبي”.
وساند عويدات مقترح رئيس الجمهورية في تعديل النظام الانتخابي والنظر في قانون الأحزاب والجمعيات والتدقيق في الجرائم الانتخابية المرتكبة ومراجعة القانون المنظم لمؤسسات سبر الآراء والقطع مع انتصابها الفوضوي.
وتابع: “بعض الأطراف السياسية غير موجودة على الساحة السياسية، ومع ذلك نجدها في ترتيب متقدم في سبر الآراء، على غرار حزب قلب تونس”.
لا للإقصاء
وفي تصريح قال القيادي في حزب قلب تونس، فؤاد ثامر، إن حزبه يدعم مسألة تنظيم حوار وطني للنظر في الملفات الاقتصادية الحارقة ومناقشة الملفات السياسية التي عطلت المسار الإصلاحي.
وأضاف: “كل مبادرة للحوار نشجعها ونباركها ونساهم في إنجاحها من أجل أن تكون مخرجاتها ملزمة للجميع”، وشدد على أن الشرط الأساسي لتنظيم هذا الحوار هو عدم الإقصاء حتى تكون نتائجه قابلة للتنفيذ وتحظى بإجماع وطني.
قيس سعيّد يؤكد لأبو الغيط رفضه الوصاية والتدخل في شؤون تونس الداخلية
واعتبر ثامر أن العنصر أو العناصر التي سيقع إقصاؤها ستكون معطلة لمخرجات الحوار، لذلك يجب أن يكون الحوار جامعا لكل الأطراف سواء المساندة أو المعارضة لتوجهات الرئيس.
ويرى ثامر أن مضامين الحوار الوطني يجب أن تشمل اصلاح النظام الانتخابي وتوضيح آليات إرساء المحكمة الدستورية، مضيفا أن الإصلاح الأول يجب أن يرتكز على تعديل مسألة العتبة الانتخابية بشكل يفرز أغلبية برلمانية وكتلا وازنة ويقطع مع المشهد البرلماني المشتت وغير المتجانس.
كما يرى ثامر أن مشروع النظام السياسي الذي يقترحه رئيس الجمهورية قيس سعيد والمتمثل في اعتماد اللجان الانتخابية الشعبية انطلاقا من القرة وصولا إلى المجالس النيابية هو مشروع صعب التنفيذ ولن تقبل به الأحزاب السياسية.
وقال إن هذه التجربة لم يتم اعتمادها في أي دولة باستثناء ليبيا في عهدة معمر القذافي وفشل في إخراج البلاد من أزماتها، مضيفا أن هذا المشروع لم يتبناه سوى الرئيس والبعض من توابعه. وقال إن النظام السياسي المستقبلي يجب أن يناقش بالأساس مسألة التنازع على الصلاحيات بين رئاستيْ الحكومة والجمهورية.
تشريك الشباب
ويرى المحلل السياسي باسل الترجمان، في حديثه أن رئيس الجمهورية قيس سعيد سيتفادى في هذا الحوار المرتقب الأخطاء التي أحاطت بحوار 2014، قائلا إن هذا الحوار سيجمع الأطراف التي لم يكن لها مسؤولية أو علاقة بما قادت إليه مخرجات الحوار السالف ذكره والكوارث التي انجرت عنه.
ولفت على أن هذا الحوار سيضمن بالأساس مشاركة الشباب الذي وقع تهميشه طيلة السنوات الفارطة وإقصاؤه من المشاركة السياسية، وبيّن أن هذه المشاركة ستكون عبر منصة الكترونية يقوم من خلالها كل شاب بالتعريف بنفسه وتقديم مقترحاتها، ثم تقوم مجموعة أخرى في مرحلة ثانية بتجميع هذه المعطيات.
تونس تستنجد بالسعودية والإمارات لدعم مواردها المالية… أي ثمن سياسي؟
وتابع: “لا أحد يعرف المشاكل التي تعيشها القرى الصغيرة والمناطق المهمشة سوى أبناؤها، وفشل منوال الاقتصادي السابق يعود إلى أن هناك هرم يقرر للقاعدة ما يراه مناسبا”.
وأشار الترجمان إلى أن القضية الأولى التي ستتم مناقشتها صلب الحوار الوطني هي لمن ستكون التمثيلية الحقيقية للشعب، مضيفا: “لن يكون هناك تغيير في القضايا الأساسية في الدستور على غرار الرئاسة لدورتين أو تكريس للحكم الفردي، ولن يكون هنالك مساس بالحريات الأساسية وبحقوق الإنسان، وإنما سيكون هناك تعزيز لهذه الحقوق عبر تكريس المساواة بين الجنسين”.
وبيّن الترجمان، أن النقطة الثانية التي سيتضمنها الحوار هي تغيير المنوال التنموي الذي كرس لغياب العدالة الاجتماعية، ودعم آليات مكافحة الفساد الذي نخر مفاصل الدولة التونسية.