نشرت صحيفة الوطن مقالاً لحسن أبوطالب بعنوان : ( إمبراطورية الإخوان الاقتصادية ) ، وجاء كالتالي :
قبل عامين وفى إحدى زيارات الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا للمشاركة فى أعمال القمة الأفريقية، حدث أن وقع عمل إرهابى فى سيناء، بما دفع الرئيس إلى المغادرة فى اليوم التالى لمتابعة الوضع الأمنى فى البلاد، وقبل مغادرته التقى سريعاً الوفد الإعلامى الذى سأل عن أبعاد العمل الإرهابى، وهنا قال الرئيس إن مصر تواجه تنظيماً إرهابياً خطيراً تغلغل فى المجتمع وإن المعركة معه شاقة وستأخذ بعض الوقت. وحين قرأت بيان لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان الإرهابية قبل أربعة أيام بشأن المزيد من قرارات التحفظ على أموال العديد من قيادات الجماعة الإرهابية وأبنائهم، يمكن بسهولة إدراك حجم الخطورة التى شكلتها هذه الجماعة على مصر وهويتها ومسارها.
فعلى مدار 46 شهراً منذ تشكيل اللجنة سبتمبر 2013 وحتى الآن، تم التحفظ على أموال 2400 شخص، وما زال هناك آخرون قيد الدراسة القانونية، و630 شركة متنوعة النشاط بينها 70 شركة صرافة لعبت دوراً سلبياً فى التأثير على قيمة العملة المصرية، و460 سيارة و328 فداناً و17 قيراطاً، و1200 جمعية أهلية بعضها كان فروعاً للجمعية الشرعية، و123 مدرسة فى معظم المحافظات، و130 مستشفى ومستوصفاً، و522 مقراً لحزب الحرية والعدالة، و54 مقراً لجماعة الإخوان، وتقدر القيمة الإجمالية لهذه الممتلكات بنحو 50 مليار جنيه، وتنتشر هذه المقرات والممتلكات فى فى كافة محافظات مصر، منها 16 محافظة شهدت التحفظ على أموال وممتلكات قيادات الإخوان، بما يعكس الدأب على التوسع والاحتكاك وبناء المصالح والشراكات مع عناصر من كافة فئات المجتمع، بما فى ذلك بعض الأقباط الذين تشاركوا بحسن نية رغبة فى الكسب، فى حين أن الجماعة كانت تستهدف تشكيل صورة مزيفة لدى الرأى العام بأنها تقبل بالآخر الدينى، وأن لا حساسية لديها فى مشاركتهم فى الأنشطة التجارية والاقتصادية، وبما يعنى -من وجهة نظرها- تأكيد تسامحها الدينى والتزامها عدم التمييز بين المصريين، ومن خلال مراجعة العديد من قرارات لجنة التحفظ يتضح أن الجماعة الإرهابية كانت تُعد نفسها بكل الوسائل الممكنة لاختراق المجتمع رأسياً وأفقياً، ولم تكن تعمل كجماعة سياسية أو دعوية وحسب، بل كمافيا اقتصادية تمارس كافة الأنشطة التجارية والصناعية والزراعية والعقارية والسياحية والإعلامية والتعليمية والإلكترونية والجمعيات الأهلية، وبحيث تشكل هذه الأنشطة ذراعاً اقتصادية ممزوجة ببعد اجتماعى، قوية تمكن الجماعة من الاستمرار فى العمل دون أن تُضار كتنظيم يطرح نفسه دعوياً ويعمل فى خدمة الدين والمجتمع، ويبحث عن مجتمع الفضيلة النقية دون أدنى تلوث، ووفقاً لما أثبته عمل لجنة التحفظ فإن مشاركة قيادات الجماعة لآخرين، ليسوا بالضرورة أعضاء فى الجماعة، وربما كانوا متعاطفين، أو كانوا مجرد طامحين فى الحصول على فرصة للكسب المادى، فلا يمكن التسامح معهم، لأنهم فى المحصلة الأخيرة دعموا الجماعة وساندوا أعمالها، ويسروا لها نوعاً من الانتشار الأفقى، وأعطوا لها صورة مزيفة لا تستحقها، ضللت آخرين، مما وضع البلاد فى مأزق خطير، والواضح أن هذه الإمبراطورية الاقتصادية للجماعة لم تكن تتشكل إلا عبر مساحة زمنية طويلة امتدت لسنوات عديدة فى حقبة الرئيس مبارك، والمعضلة المحيرة بالفعل هو أن زمن مبارك كان يرفع شعار المواجهة ضد الجماعة، ولكنه عملياً سمح بالكثير من الفرص لها لكى تتوسع وتنتشر وتشكل له وللدولة المصرية تهديداً خطيراً، وفى أحد التفسيرات أن نظام مبارك ظن بحسن نية أن هذه الجماعة يكفيها أن تحقق الأموال والمكاسب من خلال أنشطة اقتصادية واجتماعية وتعليمية متنوعة، وفى الوقت نفسه محاصرتها سياسياً، وأن هذا يكفى فى بقاء الجماعة كعنصر تحت السيطرة، يمكن به مواجهة ضغوط الغرب لكى يوقف مطالبه العديدة بتحولات سياسية رآها النظام أنها قد تطيح به، ومن جانب آخر اعتقد نظام مبارك أن هذه السياسة سوف تؤدى إلى أن يأمن شر الجماعة السياسى، وأعتقد أن الأحداث أثبتت أن هذا النوع من الاستراتيجيات يؤدى إلى المهالك المميتة بكل معنى الكلمة، فإعطاء فرصة النمو والانتشار فى رحم المجتمع لجماعات ذات طابع سرى وتوظف الدين لأهداف دنيوية وتشكيل صور ذهنية مضللة يؤدى إلى تصرفات غير عقلانية وغير منضبطة من فئات كثيرة لا تدرك حجم الخداع المحيط بها، وهو ما رأيناه بالفعل بعد 25 يناير.
الأنشطة الاقتصادية ومجموع ما تم التحفظ عليه بقيمة تفوق 50 مليار جنيه مصرى، تكشف كيف كانت الجماعة تتصرف باعتبارها تعيد بناء المجتمع المصرى أو جزء كبير منه من خلال الشراكات التجارية والمصلحية، وفضلاً عن المدارس التى تكفل تربية وتنشئة أجيال إن لم تكن أعضاء نشطة فى الجماعة فعلى الأقل تكون مؤهلة للتعاطف مع الجماعة ودورها فى العمل السياسى، وأذكر هنا أن عدداً من رجال الأعمال فى المستويات الوسيطة والصغرى، كانوا متأثرين بالدعاية السياسية الكاذبة التى أحيطت بالجماعة بعد 25 يناير والنظر إليهم من بعض الفئات الإعلامية والمثقفين باعتبارهم فصيلاً وطنياً يستحق فرصة الحكم تعويضاً له عن معاناته السابقة، هؤلاء تصادف وجودهم فى أحد الأنشطة النقابية قبل الانتخابات الرئاسية الأولى 2012 التى فاز بها تزويراً المرشح الإخوانى، حيث عبر الكثير منهم عن تأييده للمرشح الإخوانى لأنه سوف يطبق من وجهة نظرهم سياسة اقتصادية بلا قيود تكريساً لميراث الجماعة المنغمسة بقوة فى الأنشطة الاقتصادية، فيما عكس إلى أى مدى أن مشاركة الإخوان للعديد من رجال الأعمال الصغار أو متوسطى النشاط الذين لم يدركوا آنذاك خطورة الجماعة وأهدافها الحقيقية لعبت دوراً فى استقطاب فئات اجتماعية لتأييد الجماعة فى فترة الضبابية السياسية التى أحاطت بمصر بعد 25 يناير، وحين ظهرت الأهداف الحقيقية للجماعة فى السيطرة على مصر ومؤسساتها وتغيير هويتها، تحول هؤلاء إلى قوة رفض عاتية لحكم الإخوان.
هذه الإمبراطورية الاقتصادية التى باتت تحت سيطرة الدولة، والمرشحة لمزيد من الانكشاف ما دام عمل لجنة التحفظ قائماً ومُحاطاً بتأييد المجتمع ككل تثبت أن أى جماعة سياسية أياً كانت شعاراتها دينية أو مدنية تعمل فى الخفاء هى خطر حقيقى وداهم على كيان الدولة ومؤسساتها، وتؤكد على أن شفافية الكيانات العاملة فى المجال السياسى أو الدعوى والتزامها بالقانون هو شرط جوهرى غير قابل للتنازل.