أقلام حرة

الكاتب الصحفي كرم جبر يكتب مقال بعنوان ( صور من بغداد )

نشر موقع اليوم السابع مقال بعنوان ( صور من بغداد ) للكاتب كرم جبر جاء كالتالي :

للمرة الأولى تدوى أصوات المفرقعات فى شارع المنصور ببغداد، ولا ينزعج الناس ولا يفرون خوفاً، ولكن يرقصون ويهتفون على أنغام الفرق الموسيقية، احتفالاً بتحرير كامل التراب العراقى من داعش، وفجأة اندلع التصفيق والهتاف فى مقهى «جلاكسى»، بعد أن سجل محمد صلاح هدف ليفربول فى مرمى إيفرتون، إنهم يفخرون بنجم عربى يسطع فى سماء الموهبة.

محمد صلاح له شعبية كبيرة بين الشباب العراقى، أصبح نموذجاً وقدوة، والعراقيون يحبون صلاح، وأيضاً يحبون المصريين، وخلال تجوالنا فى كثير من المناطق العراقية، لم نجد سوى التحية والترحاب.. «سلمولنا على إسكندرية»، «اقرأوا الفاتحة للسيدة نفيسة»، ومشاعر طيبة عادت من جديد، بعد أوجاع المحن العربية التى جعلت الشعوب تحن للماضى الجميل، حين كان هناك عرب يعمل الجميع حسابهم.

بغداد ليلة الأحد الماضى تحولت إلى مهرجان شعبى كبير وملأت الأنوار البنايات، وتزينت السماء بالصواريخ النارية الملونة، واكتظ مول المنصور عن آخره بالزائرين، وكست الفرحة الوجوه.. ويا له من شعب صابر تحمل تضحيات لم تتحملها أمة أخرى، وخرج من حروب استمرت أكثر من ربع قرن صلباً قوياً محباً للحياة.

بغداد عادت للحياة بعد سنوات القتل والخوف والذعر، وامتلأت مساجدها وشوارعها ومقاهيها ومطاعمها بالرواد، مع وجود أمنى مكثف وقبضة حديدية لتحقيق الاستقرار، ومن أراد أن يعرف كيف بغداد الآن، عليه أن يزور منطقة الشورجة.. صورة طبق الأصل من العتبة، بالباعة الجائلين والحركة التى لا تهدأ، وبجوارها ساحة الوثبة وسوق الغزل الذى يبيع الحيوانات والطيور.. صورة طبق الأصل، أيضاً، من منطقة السيدة عائشة.

ومن لم يزر مساجد بغداد، كأنه لم ير العراق، مسجد الشيخ عبد القادر الجيلانى بمساحته الشاسعة وقبابه الملونة، ومسجد الإمام أبوحنيفة النعمان، وعلى الجانب الآخر من نهر دجلة مسجد الأعظمية، ويتوق العراقيون إلى لم الشمل، والعودة للحياة السلمية الهادئة بين أصحاب كل الديانات والمذاهب، فكفى ما فعلته داعش التى احتلت ثلث العراق، وكانت على أبواب بغداد.

العراقيون، مثل سائر الشعوب العربية يريدون أن يفرحوا، بعد أن أطبقت الأحزان على الشوارع والبيوت والبشر، وأصبحت الجنازات أكثر من العرس، شعب طيب أرهقته الحروب، وشباب وبنات يملئون الشوارع والمقاهى والمولات، يتطلعون إلى الحياة والمستقبل، كانوا وقوداً للحرب، وأصبحوا شعلة للمستقبل.

العراقيون انتصروا على داعش، ويخوضون معارك تطهير الجيوب.. ولعلها فاتحة خير لضرب شياطين الإرهاب فى كل البلاد العربية.

زر الذهاب إلى الأعلى