استمراراً لمتابعة تدخل تركيا في سوريا عبر استغلالها الأزمة السورية وتردى الأوضاع الأمنية والسياسية هناك ، من خلال دعم التنظيمات المسلحة – مثل ( جبهة النصرة – جبهة تحرير الشام سابقاً – ) – عسكرياً وسياسياً ، والقيام بعمليات عسكرية في شمال سوريا بدعوى المخاوف الأمنية من التنظيمات الكردية وتوطين التنظيمات المسلحة في الشمال السوري .. وأيضاً التدخل التركي مؤخراً في مدينة إدلب السورية ، وإرسال تعزيزات عسكرية كبيرة قدرت بنحو ( 7600 جندي / 2850 مدرعة ) ، بالإضافة لإنشاء (46) نقطة أمنية في مدينة إدلب .
فقد وقعت خسائر بشرية كبيرة في الجيش التركي وصلت إلى مقتل أكثر من (63) جندي وإصابة (54) آخرين ، بعد تدخل تركيا بشكل مباشر لحماية القوات الموالية لها في شمال سوريا ، وذلك في ظل تكثيف الجيش السوري في الأشهر الماضية هجومه على مدينة ( إدلب ) – الحدودية مع تركيا – لتطهيرها من التنظيمات الإرهابية المدعومة من تركيا ، حيث أعلنت تركيا عن شن عملية عسكرية تحت أسم ( درع الربيع ) يوم (27) فبراير الماضي ، عقب استهداف المقاتلات السورية للقوات التركية في مدينة إدلب ، والذي أسفر عن مقتل نحو (34) جندي وإصابة (32) أخرين ، وقد أعلنت تركيا أن العملية العسكرية أسفرت حتى يوم (5) مارس عن مقتل أكثر من (3200) عنصر من القوات السورية وإسقاط ( 3 مقاتلات / 8 مروحيات / 3 طائرات بدون طيار ) وتدمير ( 151 دبابة / 52 راجمة صواريخ / 47 مدفعية / 8 منصات دفاع جوي ) .
وفي أعقاب ذلك .. شهدت العلاقات ( التركية – الروسية ) توتراً حاداً ، حيث قام الجانبان بتبادل الاتهام حول عدم الالتزام باتفاقيات ( سوتشي ) الموقعة عام 2017 والتي تنص على وقف إطلاق النار في مدينة إدلب ، من جانبها أعلنت تركيا أنها لا تريد أن تدخل في اشتباكات مع القوات الروسية .. وفي تطور لاحق للأحداث ، قام الرئيس التركي ” أردوجان ” بزيارة إلى روسيا يوم (5) مارس استغرقت يوماً واحداً ، تم خلالها التوصل إلى هدنة لوقف إطلاق النار في مدينة إدلب ، تشمل عدة نقاط لتسوية الأوضاع في إدلب السورية من بينها وقف إطلاق النار وإنشاء ممر آمن ، وتشمل الوثيقة عدة نقاط وهي :
- وقف كل الأعمال القتالية على خط التماس القائم في منطقة إدلب لخفض التصعيد اعتباراً من صباح يوم (6) مارس سعت ( 00:01 ) .
- إنشاء ممر آمن عرضه (6) كم شمالاً و(6) كم جنوباً من الطريق ( m4) ، ليتم تنسيق المعايير الدقيقة لعمل الممر الآمن عبر قنوات الاتصال بين وزارتي الدفاع ( الروسية / التركية ) في غضون (7) أيام .
- بدء الداوريات ( الروسية / التركية ) المشتركة يوم (15) مارس 2020 على طول الطريق ( m4) ، من بلدة ” ترنبة ” الواقعة على بُعد كيلومترين من مدينة سراقب .
وذلك على الرغم من توقيع الاتفاق على وقف إطلاق النار ، فقد وقعت اشتباكات بين ( القوات السورية / التنظيمات المسلحة ) بعد ساعات من سريان الاتفاق ، مما أسفر عن مقتل (15) شخصاً – وفقاً للمرصد السوري – .. كما أعلن المركز الروسي للمصالحة في سوريا أن التنظيمات المسلحة انتهكوا نظام وقف إطلاق النار في المنطقة (19) مرة .. في المقابل أكد وزير الدفاع التركي أن وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه لم يشهد أي انتهاكات .
(( النتائج المتوقعة من اتفاق وقف إطلاق النار ))
يعتبر المكسب الرئيسي من اتفاق وقف إطلاق النار لصالح تركيا ، حيث يكمن في عودة العلاقات ( التركية – الروسية ) إلى سابق عهدها عقب التوتر الحاد الذي شهدته الشهر الماضي بسبب الاشتباكات بين ( القوات السورية / القوات التركية ) .
و قدرة الرئيس التركي ” أردوجان ” على إقناع الرئيس الروسي ” بوتين ” بضرورة وقف هجمات النظام السوري في المنطقة ، على الرغم من المكاسب التي كان يحققها الجيش السوري على الأرض ، إلا أن ” أردوجان ” لم يستطيع إقناع ” بوتين ” بعودة القوات السورية إلى حدود اتفاقية ( سوتشي ) خلف نقاط المراقبة التركية ، حيث تمكن الجيش السوري من السيطرة على مساحة كبيرة من الأراضي بلغت نحو (200) كم من بينها طريق (m5) الذي يتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة .
3 – تعتبر الاتفاقية ليست خطوة قوية يمكن الاعتماد عليها من أجل تسوية الأزمة في إدلب ، حيث أنها لا تضمن عدم ظهور أزمات وتوترات جديدة بين ( روسيا / تركيا ) والأطراف المتنازعة الأخرى ، حيث تعتبر هدنة لوقف إطلاق النار فقط ، كما وصفتها صحف روسية بـ( الهشة ) ، ولا تعد أكثر من حصول ( أردوجان / بوتين ) على مزيد من الوقت ، حيث أن المخاطر التي كانت قبلها ما زالت قائمة .
(( الموقف الدولي تجاه الاتفاقية ))
تمثل الموقف الدولي في الترحيب بوقف إطلاق النار ، مع التأكيد على أهمية استمراره ،حيث رحبت الولايات المتحدة بالاتفاق ، معربة عن أمالها في أن يخفف الاتفاق من الأزمة الإنسانية بإدلب .
كما رحب مسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي ” جوزيب بوريل ” بوقف إطلاق النار ، موضحاً أن الاتحاد الأوروبي سيكثف الآن مساعدة المدنيين المتأثرين بالصراع .
و أبدى وزير الخارجية الألماني ” هايكو ماس ” تفاؤلاً حذراً عقب الاتفاق على وقف إطلاق النار في إدلب ، مضيفاً ( كلا الطرفين ليس لديه مصلحة في أن يصبح هذا النزاع نزاعاً بين تركيا وروسيا ) ، مؤكداً أنه من المهم الآن الالتزام بهذا الاتفاق .
كما أكد وزير الخارجية الهولندي ” ستيف بلوك ” أنه يجب تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار بإقامة منطقة حظر طيران لمنع تعرض أي مستشفيات للقصف مرة أخرى ، مضيفاً ( أي ترتيب لوقف إطلاق النار في إدلب ، ما لم يتضمن منطقة حظر طيران سيكون مصيره الفشل ) .