الصدمة العاطفية.. فوضى هرمونية
كما الكل بات يعرف الحب يمكن إدمانه نفسياً وبيولوجياً والأمر خارج عن سيطرتك بشكل كلي. عقلك وحين تكون في حالة من الحب يفرز وبمستويات كبيرة هرمونات السعادة، والتي تجعلك تشعر بالرضا والراحة والسكينة. الدوبامين، الأوكسيتوسين، الأدرينالين، وفاسوبريسين هي بعض الهرمونات التي تجعل عقلك يضيء كشجرة ميلاد في كل مرة تكون فيها مع من تحب. بطبيعة الحال عند الانفصال هذه الهرمونات المرتبطة بمركز المكافأة لن تكون بالمستويات نفسها، وهكذا لن تشعر بالألم «الفعلي» فحسب، بل دماغك سيحاول ما بوسعه العودة إلى ما كان عليه، الدماغ يكره التغييرات المفاجئة وبالتالي سيطالبك بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه والعودة إليها مجدداً. في المقابل الأدرينالين تزيد نسبته في الدم مع انخفاض مستويات هرمونات السعادة؛ ما يجعلك تشعر بألم فعلي، نفسي وجسدي. وعليه فإن عقلك سيحاول خداعك من أجل استعادة النمط المريح الذي كان هو المهيمن سابقاً.. فكرة العودة إليها مجدداً ستبدو أفضل فكرة خطرت لك منذ مدة طويلة.
الفرص الثانية.. من وجهة نظرة كيميائية
الحب يؤدي إلى خلق الروابط على الصعيد العاطفي والاجتماعي مع الآخر، والتي يمكن ترجمتها على شكل معادلة كيميائية في الدماغ. كما قلنا الحب يؤدي إلى زيادة في هرمونات السعادة، وبالتالي الدماغ يربط بين هذا الشخص أي الشريكة وبين الشعور بشكل جيد. وحين تختفي هي من المعادلة يصبح الدماغ في حالة من الارتباك، ومن هنا تبدأ مرحلة التشكيك بقرار الانفصال، وبالتالي إقناع النفس بأن الآخر قد يكون تغير بالفعل، وبالتالي ندخل مرحلة منح الآخر فرصة ثانية وثالثة. يضاف إلى ذلك الاعتياد على الآخر ما يعني أن الشخص داخل دائرة الراحة الخاصة به مع ذلك الشخص والعقل حين يعتاد على شيء ما فهو لا يريد أن يستبدله بشيء آخر، التغيير خطوة كبيرة جداً بشكل عام؛ لأن المجهول يدخل الشخص في حالة من الرعب والخوف، وبالتالي المكان الآمن هو العودة إلى ما هو مألوف.
الانفصال والعودة.. مبدأ سيتكرر حتى لو تزوجت بها
في إحدى الدراسات تم دراسة مبدأ الانفصال والعودة على مجموعة من الأشخاص. وتبين أن بعض الذين يقومون بهذا الأمر خلال مرحلة الحب قاموا بذلك أيضاً خلال مرحلة الزواج. أي أن الثنائي انفصل ثم عاد ومنح العلاقة فرصاً جديدة حتى انتهى الأمر بهم إلى الزواج. ولكن الزواج لم يكن بر الأمان الذي يمنون النفس به؛ إذ إن الذين انفصلوا وعادوا مجدداً قاموا بذلك أيضاً بعد الزواج سواء من خلال «فترة راحة» قصيرة أو حتى الطلاق لفترة قصيرة ثم الزواج مجدداً. أي شخص ينفصل عن الشريك خلال مرحلة المواعدة، ثم ما ينفك يعود مرة تلو الأخرى سيقوم بالأمر نفسه خلال مرحلة الزواج. ولكن المشكلة أنه حين يحدث ذلك خلال الزواج فالعواقب وخيمة والضرر أكبر.
ما الذي يقوله العلم عن نسبة نجاح العلاقات هذه؟
في دراسة أجرتها جامعة كانساس عام ٢٠١٣ تبين أن الذين يقررون العودة مجدداً يقومون بذلك لمجموعة من الأسباب منها ترتبط بما تحدثنا عنه سابقاً. من الأسباب التي ذكرتها الدراسة هي أن كل واحد من طرفي العلاقة «يفترض» أن الشريك تغير نحو الأفضل خلال مرحلة الانفصال، كما أن هناك قناعة كبرى بأن التواصل بينهما بالتأكيد أصبح أفضل وصحياً. ولكن دراسة حديثة نشرت في «سوشيل سيكولوجي أند بيرسونالتي ساينس» وأجرتها جامعتي يوتا وتورنتو تبين أن هذه الأسباب ركيكة للغاية. في هذه الدراسة يبرز التفاؤل كسبب أول وهذا التفاؤل هو أن كل شيء سيصبح أفضل وذلك بسبب الخوف من فقدان الحميمية التي تربط الطرفين.
ولكن المشكلة هي أن الغالبية تنفصل لسبب وجيه وهي إما بسبب الجفاء العاطفي، فقدان الثقة بالآخر، عدم التوافق، الخيانة وحتى المشاجرات بشكل دائم. هو وهم لا أكثر، وهم بأن الحياة ستكون أفضل. ولكن تبين أن الواقع هو النقيض ووفق الدراسة أي ثنائي «افترض» الأفضل كان في الواقع يعاني من المشاكل التالية:
– التواصل مع الشريك كان أسوأ من أي وقت مضى.
– حجم الرضا عن العلاقة كان في أدنى مراحله.
– معدل اتخاذ القرارات السيئة ارتفع وبشكل كبير؛ ما أثر سلباً على العلاقة.
– تعاظم مشاعر انعدام اليقين حول مستقبل العلاقة وإمكانية صمودها على المدى البعيد.
– تدني مستويات الثقة بالنفس عند الطرفين.
الصورة لا تبشر بالخير بطبيعة الحال، ولكن هناك حالات تنجح فيها العلاقات بعد الانفصال والعودة، والسبب هو أن الثنائي يبذل كل ما بوسعه من أجل إنجاحها، ولأنه لا يكون هناك افتراضات منذ البداية، بل تقبل للآخر والعمل على مكامن الخلل.