محافظات

آخرهم الطفل ياسين.. حكايات الإهمال في «حضّانات الموت»

محليات

آخرهم الطفل ياسين.. حكايات الإهمال في «حضّانات الموت»

كتب: كارم الديسطي – محمد الزهراوي – عوض سليم – هيثم بطاح – هدير عصام – عبد الرحمن أبو رية- محمد حفيظ – إسلام عبد الخالق – عمرو الشامي

لم تكن واقعة موت الطفل "ياسين" في مستشفى 6 أكتوبر العام، آخر جريمة ترتكب في حضانة مستشفى، سواء حكومي أو خاص، ولا تجد ما يعبر عن هذه الكارثة، أكثر من كلمات أم الرضيع: "ابني مات غدر".

"التحرير" تلقي في التقرير التالي الضوء على ملف حضانات الأطفال في المحافظات، للكشف عن وقائع الإهمال به.

الدقهلية

فيما يعاني أهالي الدقهلية من نقص حضانات الأطفال بالمستشفيات الحكومية، تزداد أعداد الحضانات الخاصة، التي يبدأ سعر الليلة فيها من 1000 جنيه، وحسب حالة الطفل والخدمات والأدوية المقدمة.

ووفقا لتصريحات المحافظ حسام الدين إمام، فإن عدد الحضانات تراجع من 497 حضّانة في ديسمبر 2014 بمستشفيات التأمين الصحي والمستشفيات العامة، إلى 348 في يناير الماضي، ثم إلى 331 حضانة، منها 85 فقط مجهزة بوحدات تنفس صناعي؛ ليترك الأهالي نهبًا لأصحاب الحضانات الخاصة.

سمر محمد، ربة منزل، قالت إن الحضانات تحولت إلى "سبوبة" مع غياب الرقيب والشعور بـ"المسئولية" لدى القائمين عليها، متابعة: "أنجبت طفلا منذ أشهر في إحدى العيادات الخاصة، وكان الطفل يعاني من مشاكل في التنفس، ولا بد من عمل أشعة سريعة على الرئة، ويجب وضعه في حضانة، وعلى الفور توجهنا إلى مستشفى بلقاس العام فلم نجد أماكن، وبالمثل كان الحال في مستشفيات طلخا وشربين العام والأطفال الجامعي، فاضطرينا للجوء إلى إحدى الحضانات الخاصة بتكلفة 1000 جنيه لليوم الواحد".

كفرالشيخ

الوضع في كفر الشيخ لم يختلف كثيرًا، حيث صرح مصدر بمديرية الصحة بالمحافظة، بأن نسبة الوفيات داخل أقسام الأطفال، ووحدات رعاية المبتسرين والعناية المركزة للأطفال بمستشفيات المحافظة، أعلى من المعدل العالمي؛ بسبب نقص الإمكانات في الأجهزة الطبية والكوادر المدربة، إذ يصل معدل الوفيات إلى 7% داخل هذه الأقسام.

وكان مستشفى جامعة المنصورة شاهدا على وفاة طفل رضيع، بعد فشل محاولات إنقاذه، حيث تم تركيب "كانيولا" خطأ في الشريان بدلًا من الوريد، في حضانة مستشفى الدلتا الخاص في "كفر الشيخ".

الشرقية

«مفيش مكان يا مدام.. الحضانات كلها مليانة».. جُملة صادمة سمعتها «نجلاء مختار» ربة منزل، والتي حضرت إلى قسم الولادة بمستشفى الزقازيق الجامعي، لتضع مولودها الأول، وبدأت في البحث عن «واسطة» لإدخاله حضانة حكومي وإنقاذ حياته.
وقالت «نجلاء» لـ«التحرير» إنها أخذت تبحث عن أي حضانة، من خلال عدد من معارفها وأهل الخير؛ لأن حالتها المعيشية بسيطة للغاية، ولا تتحمل تكاليف الحضانات الخاصة، إلا أن القدر كان أسرع من أن ينتظر تحقيق آمالها في نجاة الطفل، وصعدت روحه إلى بارئها.

أما النائب خالد مشهور، عضو مجلس النواب عن مدينة منيا القمح بالمجلس، فقد تقدم ببيان عاجل إلى وزير الصحة والسكان، بشأن تردي الخدمات الصحية بمستشفى منيا القمح المركزي، مشيرًا إلى أن حضانات المستشفى متوقفة عن العمل، دون إبداء أسباب لذلك.

من جانبه، يقول الدكتور عصام فرحات، مدير الرعاية الصحية العاجلة والحرجة بمديرية الشئون الصحية، إن هناك 299 حضانة جاهزة لاستقبال الأطفال المُبتسرين في أي وقت، مشيرًا إلى أن كل مستشفى يضم حضانات أطفال، تحتوي على حضانتين جاهزتين للدخول إلى العمل إذا ما تعطلت إحدى الحضانات.

سوهاج

وفي سوهاج تعالت الأصوات التي تطالب بإنشاء مركز متخصص في رعاية الأطفال المبتسرين، لمواجهة عجز المستشفيات الحكومية، التي يتوفر بها 140 حضانة فقط، لا تكفي احتياجات الأهالي، في الوقت الذي تصل فيه الليلة الواحدة بالحضانات الخاصة إلى 1300 جنيهًا.

تقول رضية عبد العال ربة منزل، "رزقت بطفلة وأخبرتني الدكتورة أنها تحتاج إلى وضعها داخل حضانة رعاية لمدة أسبوعين، فذهبت لعدد من المستشفيات الحكومية بالمحافظة، ووجدتها ممتلئة، ودوري في الانتظار يومين، ما دفعني للجوء إلى حضانة خاصة، حتى انقضاء اليومين، ثم نقلها إلى المستشفى المركزي بالبلينا".

بني سويف

لا توجد في مستشفيات بني سويف الحكومية سوى 156 حضانة، كما شهدت المحافظة واقعة إصابة طفلة حديثة الولادة بحروق شديدة بأنحاء متفرقة من الجسم داخل حضانة بمستشفى خاص، وتم نقلها وإيداعها دخل قسم الحروق بمستشفى بني سويف العام.

وتبين من المعاينة الأولية، التي أجرتها لجنة العلاج الحر بالمديرية، أن الحضانة المشار إليها، ليس بها طبيب، والممرضة غير مؤهلة، وتم رصد مخالفات عديدة فيما يخص مكافحة العدوى وعدم وجود طفايات حريق.

من جانبه قال الدكتور عبد الناصر حميدة وكيل وزارة صحة بني سويف، إن إدارة العلاج الحر بالمديرية تفاجئ الحضانات الخاصة يومياً بالمرور عليها لمتابعة الإجراءات بداخلها ومنها ما يتم رصد المخالفات الطبية الجسيمة بها وسلبيات في تطبيق مكافحة العدوي ما يشكل خطرا على صحة الأطفال المحتجزين بداخلها، ومنها ما يعمل دون ترخيص ويتم استصدار قرار بغلق تلك المنشآت وتنفيذها بواسطة إدارة العلاج الحر لفرض الانضباط ومنع الإهمال الطبي في المنشآت الطبية الخاصة.

المنيا

رغم أن حضانات المستشفيات العامة مخصصة بشكل أكبر للبسطاء، فالوضع في محافظة المنيا، كما يقول "م.ع"، أحد الفنيين داخل مستشفى المنيا العام، الذي يتلقى، حسب حديثه لـ"التحرير"، اتصالات هاتفية من كبار المسؤولين؛ لحجز أماكن داخل الحضانة المتواجدة داخل المستشفى، لأطفال من يتواصلون معهم.

الأمر نفسه أكده "حمادة ع"، أحد العاملين داخل مستشفى النساء والتوليد بمستشفى المنيا الجامعي، والمعروف باسم "سوزان مبارك للولادة والأطفال"، الذي أكد أن حضانة المستشفى تم تخصيصها لمن يأتون من خلال واسطة من قيادات الجامعة، وكبار الأطباء، حسب قوله.

من جانبها، أكدت الدكتور أمنية رجب وكيل وزارة الصحة في محافظة المنيا، توافر الحضانات داخل المستشفيات العامة؛ لاستقبال جميع أطفال المحافظة دون تفرقة، أو النظر إلى هويتهم، مؤكدة أنه في حالة إثبات رفض أية حالات رغم توافر أسرة داخل الحضانات يتم توقيع الجزاء المناسب على المسؤول على تلك الحضانات.

أسوان
ويستمر مسلسل العجز في حضانات الحكومة، وهذه المرة في أسوان، مقابل الأسعار الباهظة لـ"الخاصة"، كما يقول مصطفى يسري، موظف، الذي ذكر أن أسعار الليلة فيها تبدأ من 450 إلى 750 جنيها.

وتابع يسري، لـ"التحرير" أنه عاش مأساة استمرت لمدة شهر مع الحضانات الخاصة، تكبد خلالها 17 ألف جنيه، إضافة إلى تكاليف علاج لطفله، أوصى بها الطبيب، بعد أن فشل في إيجاد حضّانة بمستشفى أسوان الجامعي، الذي يحتوي على 4 حضانات فقط، ومستشفى التأمين الصحي، الذي يحوي 8 حضانات، لا تعمل في بعض الأحيان لعدم وجود متخصصين لتشغيلها.

وبالمثل، روى "محمد ع"، موظف، حكايته مع "الحضانة"، فيقول: "رزقنى الله بمولود ذكر، في فبراير الماضي، وأصيب بمرض الصفراء، واحتاج إيداعه في حضانة خاصة لمدة أسبوع"، وكان اليوم الواحد يكلفنى قرابة 450 جنيها، إلى جانب تحميلي بعض المستلزمات الطبية الأخرى".

من جانبه، دشن ضياء الحاج، عضو مجلس محلى محافظة أسوان سابقا، حملة إعلامية تحت شعار "انقذوا أطفال أسوان" لمناشدة مسئولى الصحة ورجال الأعمال التبرع لتوفير حضانات للأطفال المبتسرين وحديثى الولادة بالمستشفيات فى ظل معاناة الأسر الأسوانية المستمر بسبب هذه المشكلة.

وذكر أن أبناء أسوان يعانون من قلة أعداد الحضانات، في المقابل تجد أن أسعار الحضانات بالمراكز الخاصة مرتفعة جدا، الأمر الذى يضعهم فريسة للموت، كاشفا فى الوقت ذاته أن هناك مستشفيات حكومية قائمة بالفعل وتتواجد فيها حضانات للمبتسرين لكن يعجز مسئولو المستشفيات عن تشغيلها لعدم وجود فنيين أو متخصيين.

القليوبية

"لدينا 215 حضانة في المستشفيات الحكومية ونحو 50 جهاز تنفس".. يقول الدكتور حمدى الطباخ، وكيل وزارة الصحة بالقليوبية، مؤكدًا أن المحافظة بها عجز، وتحتاج إلى أجهزة وحضانات أخرى تحسبا لأي طوارئ، لافتا إلى أن السر وراء الأزمة هو سوء التنسيق بين المستشفيات، وإصرار الأهالى على بقاء الأم والجنين في مستشفى.

وجاء إعلان اللواء محمود عشماوي محافظ القليوبية بإطلاق مشروع جديد لتشجيع الشباب على المشروعات الصغيرة بقرى المحافظة يتضمن إنشاء حضانات متميزة للأطفال، على أن تقدم المحافظة كافة التسهيلات المطلوبة لإنجاح هذه المشروعات.

الإسكندرية

الإسكندرية ليست بمنأى عن المشكلة، فهي تواجه أزمة حقيقية فيما يتعلق بنقص الحضانات بالمستشفيات العامة والجامعية، حسب الأهالي، وهو ما يرد عليه أحمد سعد، مدير مستشفى الشاطبي الجامعي، مؤكدًا أن المستشفيات الجامعية ليس لديها عجز في الحضانات، حيث تمتلك مستشفى الشاطبي 75 حضانة، بينما تمتلك مستشفى سموحة 38 حضانة، معتبرا أن هذا العدد كافٍ لتغطية المحافظة.

وأضاف سعد، لـ"التحرير" أن المستشفى يعاني حقيقة من عجز كبير في التمريض، الذي بدوره يؤثر سلبيا على العمل واستقبال الاطفال داخل الحصانات، منوهًا بأن المستشفى لم يشهد خلال السنوات الأخيرة أي حالات وفاة أو خطف ﻷطفال داخل الحصانات.

من جانبه قال الدكتور هشام عبد الحميد المتحدث باسم مديرية الشئون الصحية بالإسكندرية إن هناك بالفعل عجز في عدد الحضانات، لا يستطيع تحديد نسبتها، وأن الحضانات الموجودة أقل بكثير من العدد المطلوب.

وأضاف "عبد الحميد" أن هناك حريقا وقع في 5 حضانات في أحد المستشفيات الخاصة مؤخرا، بينما آخر حريق في مستشفى حكومة كان من ١٠ سنين في مستشفى الشاطبي.

الأقصر

وفي الأقصر وفرة في أعداد الحضانات الخاصة، مقابل ندرة في "الحكومية"، كما يقول بدوي أحمد، أحد أهالي مدينة القرنة، ذاكرًا إن حضانات المستشفى المركزي للمدينة بها 7 أسرة فقط، إضافة إلى افتقارها للتجهيزات الكافية، ما يجعل المواطنين يلجأون إلى الحضانات الخاصة، التي يبلغ ثمن اليوم الواحد فيها أكثر من 700 جنيه.

ورغم إنشاء مديرية الصحة في المحافظة، مركزًا للحضانات بمدينة الأقصر في منتصف العام الماضي، بالجهود الذاتية، فإن هذا الجهد لم يفلح في تخفيف وطأة الأزمة على الأهالي، بسبب بُعد المركز عن باقي مناطق المحافظة، كما شهدت مدينة البياضية، توقف 14 حضانة، بسبب أعطال، دون وجود بدائل، مما يجعل غالبية المواطنين يلجئون إلى الحضانات الخاصة.

ولم يختلف الأمر في العديد من المراكز بمحافظة الأقصر، في حضانات الأطفال التي تعاني من نقص شديد، الأمر الذي أدى إلى قيام مديرية الصحة بإنشاء ولكن بعد المسافة عن المراكز الأخرى يجعل الأهالي في حالة سخط شديدة من عدم توافرها في المستشفيات وخاصة في المناطق النائية.

زر الذهاب إلى الأعلى