أبطال من العالم الافتراضي في مهمة لتغيير واقع اللاجئين السوريين بلبنان
لم يتردد لبنان يوماً، عبر مراحل تاريخه الحديث، في استقبال عدد كبير من اللاجئين، ليس لموقعه الجغرافي المتمركز في جوار البلدان التي أصابتها أزمات وحروب فحسب، بل أيضاً لوجود نقاط جذب أخرى ترتبط بخصائص موقعه، ونظامه السياسي، والحرية الفردية فيه، إضافة إلى تركيبته الديموغرافية المتنوّعة. وقد بدأت دفعات اللاجئين بالدخول إلى لبنان منذ الحرب العالمية الأولى، ولا تزال شوارعه حتى اليوم، تعج بحركة اللجوء الواسعة.
صدرت اتفاقية اللاجئين العالمية في عام 1951، وأعقبها بروتوكول عام 1967 التابع لها، والجدير بالذكر أن لبنان لم يوقّع على هاتين الوثيقتين المتعلّقتين باللاجئين وحقوقهم في بلد اللجوء، وبالتالي فإنه متحرّر من أي التزامات تجاههم كلاجئين، إلا أن ذلك لا يحرّره من التزامه القانون الدولي والإنساني، وعدم مخالفة التشريعات والأعراف الدولية التي تحمي الإنسان وتفرض تأمين الحد الأدنى من المستوى الحياتي له من قبل أي سلطة قائمة.
«يطلّ علينا شهر رمضان الكريم هذا العام في ظل استمرار الأزمات والمآسي في المنطقة، مفرزة أعداداً هائلة من اللاجئين والنازحين. بصدقتك اليوم تستطيع أن تحدث فرقاً في حياة اللاجئين في هذا الشهر الفضيل. معاناتهم ومآسيهم جعلتهم يندرجون تحت خانة الفقراء والمساكين والغارمين وعابري السبيل»، بهذه الكلمات تستهلّ مفوضية اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، إعلانها عن حملتها الهادفة لجمع أكبر رقم من التبرعات للاجئين السوريين في لبنان.
مفوضية اللاجئين هي المنظمة الوحيدة المكلفة بالعمل كشبكة أمان لحماية اللاجئين والنازحين داخلياً حول العالم، حيث تعمل على مدار الساعة لتوفير الحماية والمأوى والمياه النظيفة وخدمات الرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الاحتياجات الأساسية لملايين العائلات من سوريا واليمن والعراق إلى القرن الأفريقي.
* سنبلة الخير
«في رمضان هذا العام، كن حبة من #سنبلة_الخير وأنفق من مالك صدقة لمساعدة اللاجئين للحصول على المساعدات الأساسية المنقذة للحياة، ثم شارك صفحة التبرع هذه مع سبعة أشخاص ليكون لإحسانك #أثر_سنبلة»، وتأتي هذه التغريدة لتطلق الحملة التي تبناها رواد مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان والعالم العربي. ولهذا الهدف، وصل عدد كبير من أبرز نجوم موقع «تويتر» إلى لبنان يوم أمس، لزيارة مراكز تجمع اللاجئين السوريين والاطلاع على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.
* أبرز سنابل الخير
بدأت المهندسة الكويتية نهى نبيل، التي تصف نفسها بأنها مؤثرة رائدة في عالم التواصل الاجتماعي، حملتها لمساعدة اللاجئين في لبنان. فلبست السترة الزرقاء التابعة لمفوضية اللاجئين، وراحت تجول مع زملائها في الحملة على العائلات السورية في بعض المخيمات. وتنشر نهى كل تحركاتها على «تويتر»، وبعض تغريداتها:
«مع_اللاجئين نجمع التبرعات لحملتنا الرمضانية لدعم إخواننا اللاجئين السوريين لا تنسوهم في هذا الشهر الفضيل».
«لتبرعاتكم #مع_اللاجئين رابط للدفع أون لاين يمكنك من مساعدة إخواننا وأخواتنا اللاجئين: http: / / donate.unhcr.org / gu – ar / ramadan /»
«بعثة من مؤثري التواصل الاجتماعي يزورون اللاجئين في #لبنان للاطلاع على ظروفهم في #رمضان #بصمة_أمل #مع_اللاجئين #سنبلة_الخير @UNHCR_Arabic».
«#مع_اللاجئين مخيمات اللاجئين السوريين شوفوا رمضانهم شلون الله ينصرهم ويرزقهم والله يفرج همومهم».
ومن أشهر المشاركين في هذه الحملة، والداعين لها، الصحافية ريما مكتبي.
ترتدي ريما حذاء رياضي وتحمل بيدها جوّالها لتوثق كل دقيقة مع اللاجئين عبر حسابها على موقع «سناب شات». تظهر ريما وهي تلعب كرة القدم مع فريق من اللاجئين، وتحاول بكل روح معطاءة رسم البسمة على أوجه افتقدت طعم السعادة في ظل سيطرة أجواء الألم والتشرد.
تغرد ريما في تعليقات على صورها قائلة: «يوم كامل #مع_اللاجئين السوريين في #لبنان. ساعدوهم، مليون لاجئ في بلد بالكاد يُؤْمِن معيشة كريمة لأبنائه. تبرعوا @UNHCR_Arabic».
«ألعبُ كرة #مع_اللاجئين #لبنان، لكن إسعادهم يكون بالتبرع. ساعدوا #السوريين وساعدوا #لبنان ليحتمل هذا التحدي الضخم عبر زيارة الموقع التالي: http: / / donate.unhcr.org / ramadan».
«أنا #مع_اللاجئين في #لبنان. يحتاجون المساعدات وتذهب كاملة للاجئين #السوريين وبدون أي استقطاعات. أدناه الرابط للزكاة http: / / Zakat.unhcr.org».
وتشدد ريما على ضرورة الوقوف إلى جانب هذا الشعب العربي «الذي تعرض للظلم والقهر، وواجب كل مواطن عربي التبرع لدعمهم ولمساعدة لبنان على الخروج من هذا المأزق الاقتصادي».
https://t.co/IwIbylgu3phttps://t.co/XtJpBHGSiK
كونوا #مع_اللاجئين ساعدوهم pic.twitter.com/EtMfbQh8by— Rima Maktabi (@rimamaktabi) May 30, 2017
«الحذاء نعمة لا يملكها أطفال #سوريا في المخيمات #مع_اللاجئين @UNHCR_Arabic»، هكذا تصف ريما وضع اللاجئين، واضعة صور لأطفال أنهكتهم الحرب، وحرمتهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، مثل أن يمشوا على هذه الأرض «بكرامة».
«وقبلهم طفل مكبل بالتساؤل… متى سنعود؟ متى ستطيب جراح بلادي؟»، هذه العبارة هي أول ما يلفت نظرك عندما تتصفح حساب الناشط على مواقع التواصل، «أمير الطبقة الكادحة»، كما يصف نفسه، عز بن فهد.
وصل عز، الذي يملك أكثر من 140 ألف متابع على «تويتر»، إلى بيروت، ووجهته تتطابق مع وجهة ريما ونهى، ألا وهي مخيمات ومراكز تجمع اللاجئين السوريين.
غادر عز المملكة العربية السعودية في أول أيام شهر رمضان المبارك، ليشارك فرحة العيد مع الأطفال في لبنان. ويقول: «يومنا مع اللاجئين السوريين في لبنان يظهر أن هؤلاء الأطفال اضطروا على العيش خارج أوطانهم مُكرهين! فنطلب المساعدة من كل صاحب نخوة»، ينشغل عز في تصوير الأطفال وهم يلعبون ويضحكون، ومن ثم يطلب منهم أن يغنوا أغنية لعلها تصل إلى آذان كل العالم الصامت عن الظلم: «عطونا الطفولة، عطونا السلام». ويضيف عز: «اللهم ردهم لوطنهم في عز وكرامة!».
وكما كل المغردين والمشاركين في الحملة، ينشر عز رقم الحساب التابع لمفوضية اللاجئين، ويأمل أن تحرك هذه الخطوة من قبل مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، الحس الإنساني داخل كل فرد قادر على التبرع والمساعدة.
* أزمة اللجوء
تعرضت حياة ملايين اللاجئين والنازحين السوريين للخراب بسبب الحرب المدمّرة القائمة في سوريا التي دخلت في عامها السابع.
أدت إلى لجوء نحو 4.9 مليون سوري إلى الدول المجاورة، فضلاً عن 6.3 مليون نازح داخل سوريا، يعتمدون على المساعدات الإنسانية للعيش، ويبحثون عن بارقة أمل في خضمّ كل هذا الانتظار، بحسب الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة.
*وضع اللاجئين المأساوي
تشرح مفوضية اللاجئين الوضع قائلة: «نحن في مفوضية اللاجئين موجودون على الأرض لنقدم كل المساعدة والحماية لكل ضحايا هذه المأساة السورية، إلا أن تفاقم الاحتياجات وتراكمها عبر السنوات تُبقينا، للأسف، في حالة من النقص في التمويل».
أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تقرير أن «اللاجئين السوريين في لبنان لا يزالون شديدي التأثر بالصدمات وشديدي الاعتماد على المساعدات، بحسب وكالات الأمم المتحدة».
وجاء في التقرير الآتي: «يظهر التقييم السنوي أن أكثر من 70 في المائة من اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأنهم يتبعون نهجاً مثيراً للقلق فيما يتعلق بالاستهلاك الغذائي ونوعية الأغذية المستهلكة. كما أن جرعات الأكسجين التي تمنحها إياهم المساعدات الخارجية هي التي حالت دون المزيد من التدهور».
ويوضح التقرير أن حالة الفقر التي يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان لا تزال تتفاقم وتتدهور، علماً بأن هذا التدهور لم يكن حادّاً كما في العام الماضي، وذلك بفضل المساعدات الإضافية التي تم تقديمها. هذا ما أظهرته النتائج الأولية لعملية مسح أجريت خلال نهاية عام 2016 من قبل وكالات رائدة في الأمم المتحدة. وقد تبين أن هؤلاء اللاجئين لا يزالون شديدي التأثر من جراء الصدمات الخارجية، كما أنهم شديدو الاعتماد على المساعدات الإنسانية من أجل ضمان بقائهم.
اضطرتهم الحرب القاسية والظروف الصعبة إلى مغادرة بلدهم، سوريا، باتجاه دول عربية شقيقة مثل لبنان والأردن ومصر، لكنهم واجهوا شقاء ومعاناة جراء قوانين وإجراءات حرمتهم من حقوق أساسية. ومع كل ما يشهده الوضع السوري من تأزم وتعقيد، على المستوى السياسي والاجتماعي، تستمر وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الشريكة في توفير الدعم الإنساني للعائلات الأكثر عرضة للخطر والأكثر حاجة إليه، غير أنه لا بد من توفير دعم مستدام ومستمر لضمان عدم إغفال لاجئ بحاجة إلى المساعدة. ومن المثير «للأمل» أن نجد حملات العالم الافتراضي تترجم على أرض الواقع، خصوصاً في لبنان، حيث البيانات والخطابات السياسية الرنانة أثبتت فشلها في حل الأزمة، أو على الأقل التخفيف من وطأتها.