ركن المرأة

أسبوع لندن لربيع وصيف 2018 ينسج خطوط المستقبل من خيوط الماضي

أسبوع لندن لربيع وصيف 2018 ينسج خطوط المستقبل من خيوط الماضي

A A

عندما تكون الأوضاع غير مستقرة والمستقبل مجهولا، فإن أول شيء يقوم به المصممون أنهم يلجأون إلى الماضي. يتعلقون بأهدابه وينسجون من ألوانه وخيوطه خطوطا عصرية تدخل السعادة والبهجة إلى النفوس. هذا ما حصل خلال أسبوع لندن لموضة ربيع وصيف 2018، فالمناقشات لا تزال جارية بين رئيسة الوزراء تيريزا ماي وفريقها وبين أعضاء الاتحاد الأوروبي. كل المؤشرات تقول بأنها أمام تحد كبير ربما لا تخرج منه غانمة. ومع ذلك فإن صناع الموضة يرفضون الاستسلام لليأس أو الخوف. صحيح أن نتائج هذه المفاوضات ستكون لها تأثيرات مباشرة على صناعتهم، بحكم أن نسبة عالية من العاملين في هذا المجال من الأجانب، بدءا من المصممين إلى الأيدي العاملة وغيرها، فإن جذوة الأمل المشتعلة بداخلهم تجسدت في أسبوع حافل بالإبداعات التي ستستنسخها محلات الموضة العالمية. عمدة لندن صادق خان الذي حضر يوم السبت الماضي عرض المصممة الشابة مولي غودارد أكد هذه النقطة بقوله إن «الموضة جزء لا يتجزأ من الجينات البريطانية. يجب أن نفتخر بأننا نُصدر أسماء كبيرة للعالم، نريد أن تنمو وتكبر مع الوقت». هذا الاعتزاز بكل ما هو بريطاني ترجمه الكثير من المصممين في اقتراحاتهم للعام المقبل بالعودة إلى إرثهم القديم واستنادهم على رموز بريطانية عريقة مثل النقشات المربعة التي تستحضر «التارتان» الاسكوتلندي. دار «بيربري» التي ربما تكون أكثر من يرتبط بهذه النقشات تاريخيا، عادت إليها بقوة بعد 15 عاما تقريبا من المجافاة. ففي السبعينات أثرت على الدار سلبا لارتباطها بحديثي النعمة ومشاغبي ملاعب كرة القدم. كان أول ما قام به مصممها الفني كريستوفر بايلي آنذاك أن تخلص منها على أمل أن يحمل الدار إلى المستقبل ويكسب ود زبائنها المخمليين. هذه المرة، كانت هناك رغبة واضحة في احتضان الهوية البريطانية والاحتفال بها من خلال من هذه النقشات التي تجسدت في معاطف و«كابات» وقبعات وتنورات وحقائب يد وغيرها.
واللافت في الأسبوع أن الأمر لم يقتصر على دار «بيربري» بل شمل بيوت أزياء أخرى بما فيها «تومي هيلفغر» التي استعملت هذه النقشات في قطع منفصلة ترقص على إيقاعات الروك آند رول، كذلك دوناتيلا فيرساتشي في خطها «فيرسيس». في نفس الإطار، قدم أغلب المصممين معاطف بخامات متنوعة تصب في نفس خانة التقاليد البريطانية وتذكرنا بأن بريطانيا تُمطر في كل المواسم، بما في ذلك الربيع والصيف. ماريا كاترانزو مثلا قدمت الكثير من معاطف «الماكنتوش» بدرجات ألوان قوية طُبع بعضها بالورود، وأنيا هينمارش تفننت في معاطف «أنوراك» أيضا مطبوعة بالورود ومعاطف شفافة بتطريزات ثلاثية الأبعاد، فيما قدم معظمهم معاطف من البلاستيك الشفاف غير آبهين أنها كانت في يوم من الأيام حكرا على عجوزات بريطانيا. لكن على ما يبدو كل شيء أصبح جائزا وقابلا للتجديد.
المصمم إيريدم، مثلا، عبر عن ولائه البريطاني بتشكيلة ظهرت فيها لمحات من الألوان المفضلة للملكة إليزابيث الثانية، إضافة إلى تلك التفاصيل التي تُزين بها أكتافها وقصات فساتينها وطبعا الكنزات الصوفية المفتوحة التي تعتمدها عندما تكون في قصر «بالمورال» باسكوتلندا.
أرماني ورغم أنه إيطالي قُح، أظهر تعاطفه البريطاني ووافق إيرديم الرأي بأن الملكة مُلهمة مميزة قائلا: «يمكن للملكة أن تلبس أي شيء.. لأن أسلوبها الواثق هو المهم». ترجمته كانت من خلال كنزات مفتوحة أضفى عليها حيوية من خلال قصات عصرية وتحديد عن الأكتاف جعلتها تبدو من بعيد وكأنها جاكيتات منسدلة.
المصممة سيمون روشا أخذت هذه التيمة إلى مستوى إبداعي لا يُعلى عليه. فقد استعملت التطريز التقليدي «برودري انغليز» بأسلوب جديد زاده جمالا. ما قامت به أنها استعملت تخريماته لخلق ورود ضخمة على تنورات أخذت هي الأخرى أشكال ورود، وفساتين بكشاكش كبيرة اكتسبت رومانسية تستحضر العهد الإليزابيثي الأول، لا سيما تلك التي تغطي الجسم من العنق إلى الكاحل.
هذه الكشاكش الرومانسية ظهرت أيضا في عروض كل من كريستوفر كاين وماركيز المايدة و«برين». طبعا لا يمكن الحديث عن الإرث البريطاني دون التطرق إلى الموضة المستقاة من ثقافة الشارع اللندني. فقد ظهرت في السبعينات من القرن الماضي واجتاحت العالم بأجمعه. كان واضحا أنها استعادت قوتها هذا الموسم من خلال تصاميم شبابية بلمسات «بانك» أو «سبور» تميل إلى الواقعية أكثر مما تثير الحلم لكن تحقق في أغلب الحالات المعادلة بين الفني والتجاري، وهو ما نال رضا المحلات والمشترين الذين حضروا الأسبوع. فقد أجمع معظمهم، إن لم نقل كلهم، أن الأسبوع كان ناجحا وممتعا بكل المقاييس، لأنه رقص على إيقاعات جمعت التنوع والابتكار مع رشات من الإبهار لم تُلغ شخصيته وفي الوقت ذاته لم تغط على واقعيته، سواء تعلق الأمر بالمصممين الشباب والمواهب الصاعدة أو بكبار المصممين وضيوف لندن. من «بيربري» و«جي.دبليو أندرسون» ومولي غودارد وهالبرن وروكساندا إلى «امبوريو أرماني» و«فيرسيس» و«تومي هيلفغر»، كان الإجماع على الإبداع والتفاؤل بمستقبل يتحكم فيه جيل صاعد من الشباب.
– لقطات من الأسبوع
> تأثير فن العمارة كان واضحاً في تشكيلة «روكساندا إلينشيك». فالمصممة صربية الأصل درست الهندسة المعمارية في بلدها قبل أن تنتقل إلى لندن لدراسة تصميم الأزياء في معهد «سانترال سانت مارتنز». لهذا لم يكن غريباً أن تطبعها كثير من الأشكال والأحجام الهندسية. الطريف أيضاً أنها أقامت عرضها في قاعة «السيربنتاين» التي تحتضن حالياً معرضاً للمهندس الأفريقي فرانسيس كيري، الذي تفضل وترك بعض أعمالها ظاهرة للعيان. تلاعبها على الأحجام ليس جديداً فهو يتكرر في كل موسم تقريباً، لكنها هذه المرة زادت من جرعة النعومة فيها الأمر الذي أكسبها انسيابية غير معهودة. من قمصان الساتان المعقودة إلى الأكمام البالونية والكشاكش التي طبعت الفساتين: كلها تلونت بأنوثة زادتها التطريزات رومانسية.
> المصممة البريطانية بام هوغ، التي تشتهر بتصاميمها المطبوعة بأسلوب «البانك» والألوان المعدنية، تنضم للبرنامج الرسمي للأسبوع ولأول مرة. وتجدر الإشارة إلى أنها اشتهرت في منتصف الثمانينات، وكانت كل من كايلي مينوغ وبيورك من أشد المعجبات بها، لكنها انسحبت من عالم الموضة في عام 1992 لكي تُركز على الموسيقى، حيث كانت مغنية روك أيضاً، لكنها عادت لتصميم الأزياء في نهاية التسعينات، ووجدت تصاميمها قبولاً من قبل لايدي غاغا وريهانا وكايت موس.
> من أهم العروض التي شهدها الأسبوع، عرض «آليس تامبرلي». أخذتنا فيه إلى أجواء الريفييرا، وراعت في تصاميمها أن المرأة، من بنات جيلها تحديداً، تريدها مريحة للنهار ومتألقة للمساء. وهذا ما لبته من خلال تنورات وفساتين تنساب على الجسم وتنسدل عليه برقة ونعومة، لتكتسب بريقاً في الليل بفضل التطريزات وأحجار الخرز والترتر والكريستال. تشكيلة كل ما فيها ينبض بالفرح والانطلاق، وتجعل صاحبتها تتمنى أن تطول إجازتها إلى الأبد.
> في كل عروض «جاسبر كونران»، تشعر كما لو أنك في حفل عائلي. فالوجوه من صديقات الدار المخمليات تتكرر في كل موسم، من جاسمين ودافني غينيس إلى المصممة شارلوت أوليمبيا وغيرهن. أسلوبها أيضاً لم يتغير، ربما لأنها قانعة بالوصفة التي توصل إليها. فقد نجحت حتى الآن في استقطاب زبونات مخلصات. لكن من الظلم القول إنه لم يدخل عليها أي تجديدات، فالألوان أصبحت شهية أكثر، كما أن كثيراً من القطع، إن لم نقل أغلبها، اكتسبت شخصية «سبور» بفضل استعمالها لخامات مثل البلاستيك والصوف والسحابات، وما شابه من أمور.
> بالنسبة للثنائي بيتر بيلوتو وكريستوف دي فوس مؤسسا دار «بيتر بيلوتو»، فإنه من الضروري وضع كل تشكيلة في سياقها الصحيح. السياق هذا الموسم كان أنها موجهة للربيع والصيف، فترة الإجازات والانطلاق والمغامرة في أماكن بعيدة. كل هذا ترجماه في ألوان فاتحة تتفتح بالورود والمناظر الطبيعية على أقمشة تتباين بالجيرسيه والساتان المعالج بتقنيات جديدة والدانتيل. ما يحسب لهذه التشكيلة أن سلسة من حيث خطوطها وتصاميمها، بحيث تناسب كل الأذواق والأعمار، بينما بقي التركيز على النقشات والرسمات الكبيرة التي طبعت أغلبها. المملكة المتحدة لمسات

زر الذهاب إلى الأعلى