أول مرة
ولكن عندما انتفض العرب خلال “الربيع العربي”، تحول اللبنانيون إلى متفرج. ليس لأنهم لم يعانوا من نفس المشاكل الاجتماعية والاقتصادي ، ولكن لأنهم كانوا خائفين من إصلاح نظامهم السياسي الهش في وقت ساد خطر كبير في المنطقة عندما كان داعش يتقدم بسرعة. لقد اكتفوا بالمطالبة بالإصلاح بدلاً من الثورة.
ولكن الباحث يلفت إلى أن تلك الإصلاحات التي وعد بها السياسيون مراراً وتكراراً، لم تأت قط. لذلك خرج الناس يوم الخميس، ولأول مرة في تاريخ لبنان، من جميع مناحي الحياة إلى الشوارع مطالبين بتغيير سياسي أساسي ومساءلة. وأطلوا على شاشات التلفزيون غير خائفين، وسخروا من قادة طوائفهم، بمن فيهم الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وألقوا باللوم عليهم في مصائبهم، في سابقة لم تحصل من قبل.
بطالة وافتقار إلى الخدمات
ورأى أن القول إن خروج التظاهرات بسبب قرار مشكوك فيه قانونًا من جانب الحكومة لفرض ضريبة على مكالمات WhatsApp أمر غير ذي صلة على الإطلاق. فالمسألة لا تتعلق بتطبيق للرسائل، وإنما بكون نصف الناس في لبنان فقط يحصلون على إمدادات المياه ، وأقلية صغيرة تحصل على تغطية كاملة بالكهرباء، وبكون أكثر من ثلث شباب البلاد عاطلين عن العمل، وأغلبهم يفتقرون إلى الرعاية الصحية الكافية والتعليم العام اللائق.
إلى ذلك، يقول إن سيادة القانون غير موجودة والجرائم التي يرتكبها الأثرياء وذوو الحماية السياسية تمر دون عقاب. والعملة اللبنانية في حالة سقوط حر ورأس المال يغادر البلاد بشكل أسرع من القطار الأسرع من الصوت.
ويشكل اللاجئون السوريون ما يقارب من ربع سكان لبنان – وهو أعلى معدل للفرد في العالم – من دون احتساب اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين في المخيمات في جميع أنحاء البلاد والذين يشكلون حوالي عشرة في المئة من السكان اللبنانيين.
ضرائب على الفقراء
وفي المقابل، يلفت إلى أن خطة النخبة الحاكمة اللبنانية للانتعاش الاقتصادي تكمن هي فرض المزيد من الضرائب على الفقراء والاقتراض أكثر، والبقاء في السلطة.
واضطرت التعبئة الشعبية والغضب اللذين يبدو أنهما يتزايدان كل دقيقة، على الوقف الفوري لجميع الإجراءات “التصحيحية” ، ولكن الحكومة لا تبدو مهتمة بالاستقالة. على الأقل هذا ما قاله جبران باسيل، وزير خارجية لبنان المتهور الذي يقل اهتمامه بالشؤون الخارجية ومما هو بالرئاسة التي يتولاها والد زوجته، ولكن اعتباره أن الخيار بين الصيغة الحاكمة الحالية ، والتي تتمتع بإجماع سياسي أو الفوضى الكاملة هو خيار خاطئ.
وأضاف صعب انه من غير الواضح حجم القوة السياسية التي يمكن للمتظاهرين توليدها لتحقيق مطالبهم التي تركز على ثلاثة أشياء: استقالة الحكومة وإلغاء الضرائب منذ 2017 والانتخابات الوطنية المبكرة.
أمراء الحرب
وعلى الرغم من اتساع الاحتجاجات، فهناك كثيرون ممن سيتوجهون أيضًا إلى الشوارع لحماية أمراء الحرب ويصطدمون في النهاية مع المتظاهرين السلميين. حدث هذا باستمرار عبر التاريخ: في خضم الانتفاضة، هناك دائمًا أولئك الذين يرغبون في قلب الوضع الراهن وأولئك الذين يرغبون في الحفاظ عليه. وفي لبنان، يميل ميزان القوى إلى صالح الفريق الأخير لأنه كان دائماً يمتلك السلاح وسيطرة الدولة.
ومع ذلك، لا يمكن لهذه المجموعة نفسها أن تعيش بدون دعم خارجي. ويمكن لإيران إرسال المزيد من الأسلحة إلى حزب الله، حليفها، لكن ذلك لن يلغي بشكل سحري الدين العام الفلكي للبنان. ويمكن لروسيا أن تعد باستثمارات، لكن تلك الاستثمارات لا يمكن أن تضاهي ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة وفرنسا في ما يتعلق بالحماية الدبلوماسية والدعم المالي. وأوضحت دول الخليج العربية الغنية أنها ليست لديها مصلحة في إنقاذ لبنان الذي تعتبره دولة تدور في فلك إيران.
إما إنقاذ النخب أو…
لذلك، يبقى الأمر مرهوناً بما قرر الأمريكيون والفرنسيون فعله: إما إنقاذ النخب الطائفية في لبنان من خلال توفير حزمة اقتصادية دولية تمنع الانهيار التام، أو الوقوف إلى جانب المحتجين، علماً أن الخيار الأول اختبر مرارًا وتكرارًا على مدى عقود ولم يؤد سوى إلى الفشل السياسي والكارثة الاقتصادية.
وخلص الباحث إلى أنه هذا هو الوقت لبداية جديدة في لبنان، مناشداً الزعماء في واشنطن وباريس سحب هذه الطبقة السياسية الفاسدة وغير المؤهلة، ودعم تشكيل حكومة طوارئ من التكنوقراط مع جدول زمني واضح وتفويض، وتوجيه رسالة واضحة إلى القوات المسلحة اللبنانية بعدم اتخاذ إجراءات صارمة ضد النشاط السلمي والسماح للبنانيين الأحرار على الأقل بالحصول عل فرصة للحكم.