تستعد أوزبكستان لاستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي في أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس مصري لهذه الدولة الصديقة التي تقع في آسيا الوسطى، وتشمل مباحثاته المرتقبة في طشقند مع الرئيس الأوزبكستاني شوكت ميرزاييف دعم التعاون المشترك في مجالات متعددة من بينها الثقافة.
وقرر الرئيس ميرزاييف إقامة مركز للثقافة الإسلامية في طشقند تحت شعار “المعرفة ضد الجهل” وبغرض تقديم المضمون الحقيقي للدين الحنيف على أن يعرض هذا المركز نماذج من التراث المضيء لعلماء وأئمه من أبناء الأرض الأوزبكية.
وبعد انتخاب شوكت ميرزاييف رئيسا لأوزبكستان وتوليه منصبه الرئاسي في الرابع عشر من ديسمبر عام 2016 رأى محللون من المتخصصين في شئون آسيا الوسطى مثل المحلل الباكستاني الشهير أحمد رشيد أن “فجرا جديدا يطل على أوزبكستان التي كسرت جدار عزلتها”.
وقال رشيد في طرح بمجلة “نيويورك ريفيو” ذات المستوى الثقافي الرفيع أن “أوزبكستان بقيادة الرئيس ميرزاييف قد أمسكت لأول مرة بزمام القيادة لصنع السلام في المنطقة” لافتا للجهود الأوزبكية لإحلال السلام في أفغانستان.
ووصف أحمد رشيد الرئيس الأوزبكستاني شوكت ميرزاييف “بالرئيس غير العادي” مشيدا بإصلاحاته الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع التسامح ومد جسور الصداقة مع العالم الخارجي مع التصدي بقوة للتطرف ومخاطر الإرهاب لتكون بلاده نموذجا يحتذى من جانب بقية دول آسيا الوسطى.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي أعلنت أوزبكستان استقلالها في الأول من شهر سبتمبر عام 1991 فيما حققت نموا اقتصاديا بمعدل تجاوز الـ7 في المائة خلال العقد الأخير وتعد عاصمتها طشقند المركز الثقافي والاقتصادي الرئيس في آسيا الوسطى.
ويتبنى الرئيس شوكت ميرزاييف توجهات إصلاحية وداعمة لانفتاح أوزبكستان على العالم وخاصة دول الجوار في آسيا الوسطى أي كازاخستان وتركمانستان وقيرغيزستان وطاجيكستان فضلا عن دول العالم الإسلامي ككل ومصر في القلب منها.
وحسب بيانات منشورة فإن الصندوق المصري للتعاون مع دول الكومنولث والتابع لوزارة الخارجية قدم نحو 170 منحة تعليمية لطلاب ودارسين من أوزبكستان فيما تشارك مصر بانتظام في مهرجان سمرقند الدولي للموسيقى الشرقية وتتبادل الدولتان الصديقتان زيارات الفرق الفنية والمعارض.
ومنذ عام 1992 تم التوقيع على اتفاقيات للتعاون بين معهد طشقند العالي للدراسات الشرقية وجامعات القاهرة والزقازيق وأسيوط فضلا عن جامعة الأزهر.
وإذ تستضيف العاصمة الأوزبكية طشقند أول منتدى للأعمال بين مصر وأوزبكستان اعتبارا من غد “الثلاثاء” وحتى السابع من شهر سبتمبر الجاري فان الدولتين الصديقتين تتطلعان لمزيد من التعاون المشترك بما يتناسب مع الطموحات المأمولة في مجالات التجارة والاستثمار والزراعة والعلوم والتقنية والسياحة ناهيك عن الثقافة بعطر التاريخ ومجد الحضارة وبريق وشائج خالدة على مر العصور.
ومع هذه الزيارة غير المسبوقة تتجه الأنظار لأوزبكستان بثقافتها الثرية وإسهاماتها المهمة في التراث الحضاري للعالم الإسلامي وأسماء مدن وأعلام وعلماء أنجبتهم هذه الأرض ليكتبوا صفحات مضيئة في التاريخ الثقافي العالمي وتبقى تلك الأسماء حاضرة في الذاكرة الإنسانية.
وتعد أوزبكستان أكبر دول آسيا الوسطى من حيث عدد السكان الذي تجاوز الـ 30 مليون نسمة وتحظى بمناطق ومدن ذات أهمية في التاريخ والتراث الثقافي العالمي والحضارة الإاسلامية كمدينة سمرقند فضلا عن بخاري وخوارزم وترمذ كما تقترن في عقل العالم وذاكرته الثقافية بأسماء علماء وائمة كالبخاري والخوارزمي والزمشخري والترمذي والنسائي والبيروني والعلامة أبو المعين النسفي الذي يعد من أشهر واهم علماء “الطريقة الماتريدية”.
وإذا كان “يوم المعلم” في أوزبكستان الذي يوافق الأول من أكتوبر يدخل ضمن الأعياد والعطلات الرسمية في هذه الدولة فان مدرسة “مير عرب” التاريخية وهي أقدم وأكبر صرح علمي في مدينة بخاري باتت موضع اهتمام الرئيس شوكت ميرزاييف الذي أعرب عن أمله في استعادة دور هذه المدرسة التي تخرج منها عشرات العلماء والأئمة لإثراء الثقافة في العالم الإسلامي على مر العصور.
وشعب أوزبكستان الذي يتحدث باللغة الأوزبكية غالبيته من المسلمين ويحظى بتنوع عرقي ويعلي من قيم التسامح والوئام فيما يتبنى الرئيس شوكت ميرزاييف توجها “للبناء على تاريخ الأوزبك في الحضارة الإسلامية” معيدا للأذهان أن هذه الأرض أنجبت أسماء خالدة في التاريخ الحضاري الإسلامي مثل الفارابي وابن سينا والنقشبندي والفرغاني.
والموروث الثقافي الإسلامي الثري للأوزبكيين حاضر بوضوح في أوجه الحياة المعاصرة ما بين العادات والتقاليد والطعام والأزياء والعمارة والأدب والموسيقى والأغاني فيما يعد “غفور غلام” رائد الشعر الأوزبكي الحديث ويزدان سجل الأدب الأوزبكي المعاصر بأسماء مبدعين مثل كامل ياشن واسعد مختار وشرف رشيدوف.
وحتى القرن العاشر الميلادي كانت اللغة العربية هي لغة الأدب والتجارة ودوائر الحكم في أوزبكستان أو “بلاد ما وراء النهر” في آسيا الوسطى التي اهتدت للإسلام منذ القرن الثامن الميلادي فيما أضحت “بخاري” واحدة من أهم المراكز الثقافية في العالم الإسلامي جنبا إلى جنب مع القاهرة وبغداد وقرطبة.