إسرائيل تشعل المنطقة.. حرب بالأردن واختراق في سوريا
يعيش العالم اليوم حالة من التخبط والتضارب، لكن هناك علاقات تاريخية تجاوزت الواقع وتطلبت وجود تعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، في مسعى لتحقيق أهداف جيوسياسية، غير معنية بالعواقب التي قد تتسبب بها.
ليس هناك شك أن نمو العلاقات بين الدول المتناقضة يعطي نموذجًا جيدًا للعلاقات الاستراتيجية القائمة على التعاون المشترك في مختلف المجالات، فمثلًا إسرائيل والأردن، تستندان إلى تاريخ حافل من المعاهدات الدولية رغم السرية التي تمنع المسؤولين في كلا الدولتين من التحدث عن علاقتهما علانية.
صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت عن حلفاء إسرائيل من العرب الذين لا يستطيعون التطرق إلى العلاقات المشتركة مع تل أبيب بشكل واضح.
حيث رأت أن هناك مستوى جديدا من الشراكة يحدث في منطقة الشرق الأوسط والخليج، وأن هناك قناعة بأن اتفاق السلام الإقليمي بين إسرائيل والعرب يجب أن يستمر رغم تحفظ بعض الدول.
من ناحية أخرى، اعتبر "نيري زيلبر" الصحفي المقيم في تل أبيب، وزميل مساعد لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن التعاون (الإسرائيلي الأردني) ليس جديدًا، حيث قامت إسرائيل بشحن مروحيات هجومية من طراز كوبرا إلى الأردن في عام 2015.
ليس هذا فحسب، بل كان لدى الحكومة الإسرائيلية سياسة يعود تاريخها إلى عام 1970 من أجل دعم استقرار الأردن، إضافة إلى وجود تحالفات قوية بقيادة الولايات المتحدة تنطلق من الأردن لدعم مجموعات من المعارضة السورية، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول دور إسرائيل في خوض حرب بالوكالة تنطلق من الأردن؟
المثير في الأمر أن الكاتب رأى تورط إسرائيل في الحروب العربية، التي شهدت ظاهرة الشرق الأوسط الجديد مثل ما حدث في سوريا، وكيفية إمداد تل أبيب بمعلومات استخباراتية حول تمركز داعش في سوريا وإبلاغ واشنطن بها، ما يؤكد ضلوع الدولة العبرية في كثير من مجريات الأحداث على الساحة.
وأوضح أن المخابرات العسكرية الإسرائيلية اقتحمت شبكات الكمبيوتر الخاصة بمعدي القنابل في تنظيم "داعش" في سوريا، وبعد ذلك كثفت من تعاونها الأمني والاستخباراتي مع الأردن في جنوب سوريا لتفادي المكاسب الإيرانية في المنطقة.
ولم تكتف بذلك، بل سعت إلى إنشاء منطقة عازلة صديقة في الجانب الآخر من مرتفعات الجولان، وقامت بدور المنسق لتقديم المساعدات المدنية والمواد الغذائية الأساسية، للمصابين السوريين، بمن فيهم المقاتلون المتمردون بالمستشفيات الإسرائيلية، وهو ما كانت تنفيه إسرائيل جملة وتفصيلًا عن دعم أي فصائل داخل الأراضي السورية.
إلا أن الرئيس السوري بشار الأسد، أكد مرارًا أن تل أبيب تقدم الدعم لجماعات المعارضة المسلحة في بلاده أمثال: جبهة النصرة والقاعدة بل وتأمين الحماية الجوية لهم أيضًا.
تصريحات الأسد كانت دافعًا لغضب إسرائيل، التي تمسكت بموقفها الرافض، لتعقبها بعد ذلك بأيام قليلة سلسلة ضربات جوية استهدفت مواقع عسكرية للجيش في دمشق ومحيطها دون رد سوري، وكذلك مواقع وقوافل أسلحة لحزب الله اللبناني في سوريا.
على جانب آخر، يعتبر "زيلبر" أن الصراع العربي الإسرائيلي هو العقبة أمام تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكنه يرى أن هناك علاقات أمنية حميمة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بدعم من الولايات المتحدة، وتطور بعد ذلك ليصبح دعامة للعلاقة الإسرائيلية الفلسطينية.
وأضاف أنه التقى مسؤولًا أمنيا فلسطينيا، الذي أبلغه بدوره أن المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين يناقشون يوميا التهديدات المشتركة للوضع الأمني المستقر على كلا الجانبين، مؤكدًا أن حماس أتت على رأس القائمة التي تشكل تهديدًا واضحًا لإسرائيل، وتشكل أيضا تهديدا داخليا كبيرًا للسلطة الفلسطينية.
وتطرق إلى إحباط المخابرات الإسرائيلية مؤامرة اغتيال أعدتها حماس في عام 2014 ضد الرئيس محمود عباس.
أما المفاجأة التي يغفل عنها الكثير فهي العلاقات الوثيقة مع دول الخليج العربي، مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يراها الكثيرون بأنها مرتبطة بمصالح مشتركة في مجالي الأمن والمخابرات ضد التهديد الإيراني المشترك.
"الكاتب الإسرائيلي" كشف عن تقارير ظهرت في السنوات الأخيرة، حول لقاءات سرية بين رؤساء المخابرات الإسرائيلية ونظرائهم الخليجيين، حيث زعم أن مائير داجان، رئيس الموساد السابق، سافر إلى المملكة العربية السعودية في عام 2010 لإجراء محادثات سرية حول البرنامج النووي الإيراني.
وأوضح أن "اللقاءات العامة مع المسؤولين السعوديين المتقاعدين هي الآن أمر شائع، سواء في واشنطن، وميونيخ أو حتى القدس، كما أن العلاقات التجارية تنمو أيضا، بما في ذلك بيع الزراعة الإسرائيلية وتكنولوجيا الإنترنت، والاستخبارات والأمن الداخلي إلى الخليج.
لذلك يجب التأكيد أنه لم يعد بالإمكان النظر إلى الأنشطة الإسرائيلية في سوريا والأردن والضفة الغربية والخليج بمعزل عن بعضها البعض، بل تشير إلى أن تل أبيب تشارك الآن في الحملات العسكرية للعالم العربي ضد كل من إيران ووكلائها، وكذلك ضد تنظيم "داعش".
الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل مجددًا.. هل تهدف تحركات إسرائيل في المنطقة لإعادة تنظيم استراتيجي مستمر؟
المؤشرات الأولية ومجريات الأحداث تؤكدان مما لا شك فيه أن العلاقات ستستمر لفترة زمنية، نظرًا لما يمر به العالم من أحداث، نظرًا لأن إسرائيل لا تعتبر المشكلة الرئيسية التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى ضرورة الاعتراف بالدور الحيوي لدولة إسرائيل في شؤون المنطقة.