«الأسطورة» الملعون.. تفاصيل رحلة الطفل علاء مع التعذيب حتى الموت (صور)
بعد منتصف الليل بساعة تسلل الطفل "علاء" من الشقة التي يقطن بها، بخطوات مرتعدة خوفا، طرق عدة طرقات بأصابعه النحيلة، فتحت له سيدة الباب، تعرفه جيدًا، فهو صديق ابنها "عبد الرحمن"، لم تلبث جارته أن تفحصت وجهه، فوجدته مُنتفخًا، علاوة على علامات زرقاء تدل على الضرب المُبرح الذي تلقاه الطفل، قطع "علاء" حيرتها، بقوله: "أنا جعان.. وعاوز آكل.. وأخويا الكبير محمد ضربني وكان هيموتني"، فتحت له أم عبد الرحمن باب بيتها واستضافته، وما لبث أن جاء ابنها حتى جلس معه ليعرف ما حدث لصديقه.
منذ عامين قدمت "عواطف" لاستئجار شقة عقب انفصالها عن زوجها الثاني الذي رُزقت منه بـ4 أبناء، إضافة إلى اثنين آخرين من زوجها الأول، وحصلت بموجب بحث اجتماعي بعدها على شقة تمليك مكثت فيها رفقة أطفالها الأربعة "عمر، وعلاء، وعمار، وعمرو".
طوال عامين، عُرفت صاحبة الـ40 عاما بدماثة الخلق، فهي محل تقدير واحترام الجميع، تخرج من منزلها في السادسة صباح كل يوم تاركة أطفالها بمفردهم بحثا عن لقمة العيش لعدم وجود عائل للأسرة غيرها، وتعود في الرابعة عصرا بما قدره الله لها من رزق.
منذ 3 أشهر تغيرت الأمور، فوجئت الأم بقدوم ابنها الأكبر "محمد"، 17 عاما، وفرحت بتلك الخطوة ظنا أنها وجدت ضالتها بوجود "راجل" يكون بمثابة درع واقية للأسرة، وراحت تزف الخبر للجيران "ابني الكبير هيقعد معايا وياخد باله من إخواته"، لكن سرعان ما تبددت فرحتها لسوء سلوكياته.
"الأسطورة" لقب ناله "محمد" سريعا بمنطقة تضم أرباب السوابق، عُرف باختلاقه المشكلات بصفة يومية ما بين إلقاء القمامة من شرفة الشقة بالطابق السادس على الجيران، ومعاكسة جارته في حضور زوجهان "ده كان رمى أخوه من فوق السطح قبل كده"، يقول الطفل عبد الرحمن.
قبيل 25 يوما، جلس "عبد الله" وأصدقاؤه على مقهى صغير مجاور للعقار سكنهم، الصمت يخيم على المكان، الساعة تشير إلى الخامسة فجرا، يقطعه صراخ "عواطف"، يسرع الجميع لاكتشاف الأمر، "لقينا محمد زانق أمه وإخواته في أوضة ونازل فيهم ضرب"، يشير أحد قاطني المنطقة إلى أنهم أنقذوا الأم وأطفالها من قبضة "الأسطورة".
يوما تلو الآخر، ازدادت حدة ممارسات الابن الخاطئة مع أشقائه مع ترحيب الأم بكل هذا، باعتباره "راجل البيت"، مكتفية بتدخل خاله أحيانا الذي يطالبه بحسن معاملة الأطفال الصغار، وأن يكف عن ضربهم، خاصة مع هرب اثنين منهم للإقامة رفقة والدهما، لكن "الأسطورة" لم يول أي اهتمام، وأذاقهم من وصلات الضرب ألوانا شتى، "العيال الصغيرة كانوا بيناموا في الشارع من الخوف"، يؤكد مالك مقهى أنه كان يفاجأ بهم في ساعة متأخرة من الليل: "عاوزين ننام هنا يا عمو.. محمد بيضربنا فوق".
حاول الجيران التدخل لحماية الأطفال من "نار" شقيقهم الأكبر، خاصة أن آثار الضرب بدت واضحة للجميع، لكن جهودهم باءت بالفشل مع إصرار "الأسطورة" على تقمص دور "رب الأسرة"، رغم أنه بات عاطلا يقضي ساعات اليوم ما بين المنزل والمقهى عقب تركه ورشة لإصلاح الإطارات بأكتوبر.
لا تزال تفاصيل ما دار منذ 10 أيام بشقة "أم محمد" عالقة في أذهان سكان العقار رقم 297، عندما تعدى "محمد" بالضرب المبرح على شقيقه الأصغر "علاء"، 5 سنوات، مستغلا عدم وجود والدته بالمنزل، ولم يستطع الأهالي إنقاذ الطفل الذي لم يتجاوز الـ5 سنوات في ظل تهديد شقيقه لهم "ماحدش له دعوة.. أنا باعلمه الأدب".
صباح اليوم التالي، فوجئ قاطنو المنطقة بـ"علاء" مصابا بكدمات وسحجات بالجسم: "محمد ضربني في كل حتة"، مما أثار غضبهم: "كنا هنخلص عليه لولا خاله جه وقال هاعقله"، يؤكد أحد سكان العقار أن "محمد" تحول لـ"خميرة عكننة" للمنطقة بأكملها، إضافة إلى أن الطفل علاء كان يحظى بحب الجميع "طفل بتاع ربنا لسانه تقيل في الكلام".
مسلسل تعدي "الأسطورة" على أشقائه، خاصة "علاء" لم يتوقف طوال 10 أيام، عانى خلالها الأخير، ولاحظ الجيران تدهور حالته الصحية: "لون عينيه كان زي أكياس الدم".
"في إيه يا أم محمد.. رايحة فين بالواد؟"، لم يحصل "عبد الله" على إجابة في أثناء قيادته دراجته النارية عائدا إلى منزله: "كانت شايلة علاء ولفاه في ملاية"، فكرر السؤال على الجيران، فجاء الرد: "علاء تعب وراحت بي على المستشفى".
أسرع "عبد الله" وصديقاه إلى المستشفى للوقوف بجانب جارتهما: "مالهاش حد غيرنا"، ليخبرهما الطبيب: "البقاء لله.. علاء مات"، لم تتحمل الأم الصدمة، سقطت مغشيا عليها. وبينما يعكف طاقم التمريض بالمستشفى على إفاقتها، حرص "عبد الله" على معرفة سبب الوفاة، فأخبره الطبيب "ده واخد علقة موت"، وذكر تقرير مفتش الصحة أن جثة الضحية بها آثار سحجات بالظهر، حروق سجائر بالقدمين والصدر، جروح بالعضو الذكري، وكدمة بالعين اليسرى، "لو ماكنش ارتكب جريمة كان هيبقى هو المجني عليه.. كنا هنقتله"، يؤكد "محسن محمود"، أحد السكان.
وأمام رجال المباحث، قررت والدة الطفل "علاء" أن نجلها عمر عصام، 15 عاما، طالب، تعدى على شقيقه بالضرب منذ أيام، وأحدث ما به من إصابات، إلا أن تحريات المقدم علي عبد الكريم، وكيل فرقة مباحث أكتوبر، كشفت كذبها، وأن مرتكب الواقعة شقيق المتوفى من الأم "محمد.ر"، 17 عاما، وشهرته "الأسطورة".
وتمكن الرائد أحمد السويركي، معاون مباحث قسم ثالث أكتوبر، من ضبط المتهم، واعترف بتعديه على الضحية محدثا إصابته التي أودت بحياته؛ لمنعه من اللهو في الشارع.
بعد دقات منتصف الليل، كعادته كل يوم، يجلس عبد الرحمن داخل غرفته، وكله آذان مصغية، ينتظر طرقات الباب، فهو يعرفها جيدًا، إلا أنه ما يلبث أن يتذكر روح صديقه التي فاضت، وجسده الذي وُورى الثرى.