ركن المرأة

التغيرات التي تشهدها المملكة تدفع بالإبداع إلى الأمام

التغيرات التي تشهدها المملكة تدفع بالإبداع إلى الأمام

لا تتوقف المصممات السعوديات عن التألق والتأكيد على أنهن مُبدعات بالمعنى الحقيقي؛ فالجيل الشاب منهن على الخصوص لا يتوقف عن مفاجأتنا بمدى ما يختزنه من خيال لا يضاهيه سوى رغبتهن في ترسيخ مكانتهن بين الكبار. ورغم كل الأحلام والخيال، فإن أقدامهن تبقى راسخة في أرضهن وبيئتهن يستوحين منها دائما. من هؤلاء المصممات الأميرة نورة الفيصل صاحبة علامة «نون»، (Nuun) للجواهر التي تحقق نجاحا تجاريا وفنيا محليا وعالميا.
نشأت نورة الفيصل في السعودية ودرست في جامعة الملك سعود بالرياض، ومنها حصلت على درجة الليسانس في الأدب الإنجليزي. ولأنها كبرت في وسط عائلي يعشق الفن بكل أشكاله، داعبها بعد التخرج حلمها القديم في تصميم الجواهر، فما كان منها إلا أن توجهت إلى لندن لتنخرط في دورات متعددة في هذا المجال، قبل أن تتوجه إلى باريس التي أنهت فيها دورة تدريبية في إحدى الورشات الواقعة في «بلاس فاندوم».
في عام 2014 أطلقت «نون» في العاصمة الفرنسية؛ حيث يوجد لها متجر في شارع دو فوبورغ سان أونوريه. معها كانت هذه الدردشة وهذه الحصيلة:
– اعتبر نفسي جد محظوظة لأنني أنتمي إلى جيل يعيش فترة جد مهمة حاليا. فالتغييرات التي تشهدها المملكة تدفع بالمُبدعين إلى الأمام لبناء المستقبل. ولا أخفي أن هذا يزيد من إحساسي بالمسؤولية وضرورة أن أؤدي دوري على أحسن وجه بالمساهمة في هذا التغيير بشكل إيجابي.
– عشقي للتصميم يعود إلى فترة الطفولة، لكن أولى خطواتي الفعلية بدأت في مشغل بباريس. هناك تعلمت معنى الحرفية، وكيف أتحكم في الجودة وإدارة فريق من الحرفيين حتى تأتي القطعة بمستوى رفيع. فحتى قبل أن أؤسس «نون» وحين كانت تطلب مني صديقاتي وقريباتي تصميم قطع خاصة بهن، كنت أشعر بكثير من المسؤولية، وكنت أصوغها لهن بكامل الحب والاحترام حتى تنال رضاهن. فالتصميم بالنسبة لي يتعدى مجرد الابتكار؛ إنه التميز بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
– الفترة التي قضيتها في باريس شكلت كثيرا من ثقافتي ومبادئي في العمل. مع الوقت بدأت فكرة إطلاق علامتي تلح عليّ. كنت أحتاج إلى متنفس أغذي من خلاله رغبتي في التصميم والإبداع، فكانت ولادة «نون» التي أخذت اسمها ببساطة من أول حرف من اسمي.
– في العادة تحلم الفتيات في مرحلة الطفولة بتصميم الأزياء، لكن الفكرة لم تخطر على بالي يوما ربما لأنني لم أكن طفلة تميل إلى اللعب بالدمى. لو أهديتني دمية في تلك الفترة، لكان أول ما يخطر على بالي كيف أصنعها لا كيف أو ماذا ألبسها. كنت مدمنة القراءة في المقابل، حيث كنت أنغمس في قصص الأميرات والأساطير بكل جوارحي وأنسى العالم من حولي. وما زلت أدين بكثير لهذه القصص في إغناء خيالي.
– أنا محظوظة لأني أنتمي إلى عائلة مسكونة بحب الفن؛ فقد تنفسته في بيت العائلة وفي بيوت أخوالي وأعمامي، مما يدفعني إلى القول إن الإبداع يولد مع الإنسان، ودورنا هو صقله وتطويره. وغني عن القول إنه ينتعش أكثر عندما تكون البيئة المحيطة مناسبة.
– بينما يتعامل بعض المصممين مع تصاميمهم على أنها قطع فنية، أتعامل معها كقطع مرنة يجب تطويعها واستعمالها في كل المناسبات. فأنا أريد من المرأة أن تستمتع بها في كل الأوقات وأن تتعامل معها بحب، لأن شراءها غالبا ما يتم عن حب، وهذا يعني أن هناك علاقة حميمة تربطها بجواهرها.
– أعتقد أن فن التصميم وسيلة قوية ومؤثرة للتقريب بين الحضارات. فهو لغة دبلوماسية من النوع الرفيع. خذي مثلا تصاميمي، فهي سعودية تحمل مفهوم «صنع في السعودية» كونها مصممة في الرياض، لكنها تباع في باريس وعواصم أخرى، وهو ما يُشكل فرصة لكي تُمثل ثقافتنا وتعرف بها. هذه القدرة على التفاعل مع الآخر وفتح حوارات فكرية وجدلية لا يستهان بها أبدا.
– أنا سعيدة جدا بما يجري في بلدي حاليا. هناك حيوية في كل المجالات؛ بما في ذلك المجال الفني الإبداعي. فنحن لم نفتقد يوما مبدعين وحرفيين مهرة ممن كانوا يحتاجون فقط إلى من يؤمن بهم ويدعمهم، وهو ما نعيشه حاليا في هذه الفترة التي تُؤسس الأرضية لصناعات جديدة وتستهدف فتح الأبواب على أسواق بعيدة.
– يُسعدني كثيرا أن المرأة العربية باتت تفهم الموضة وتقدرها جيدا. فهي ليست تابعة كما يتصور أو يُروج البعض، وغالبا ما تقتني جواهرها من منظور شخصي، وتريد أن تعرف عنها كل شيء. كما لا تقبل بها إن كانت عادية لا تُشبع خيالها أو تُحرك عواطفها. فهي تبحث عن قطع تعبر عن ذوقها من جهة، وتعكس قيمتها من ناحية حرفيتها وأدق تفاصيلها من جهة ثانية، بغض النظر عن اسم مصممها. قابلت شخصيا كثيرا من النساء اللاتي يُشجعن المنتجات العربية بكل أشكالها، ولا يخفين أنهن لا يُردن الاقتصار على الماركات العالمية وحدها، وأن ما يحمل الهوية العربية ويتضمن أفكارا جديدة ومبتكرة يشدهن في الوقت الحالي أكثر.
– النظرة إلى الترف تغيرت في كل أنحاء العالم وليس في مجتمعاتنا العربية فحسب. لم يعد هناك مكان للعادي، فالكل أصبح يريد تصاميم مميزة وفريدة من نوعها، وإذا كانت تحمل هوية واضحة وقوية، فهذا عز الطلب. فما لا يخفى على أحد أن العالم صار مفتوحا على مصراعيه بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، إلى حد أنه بإمكان المرأة الاطلاع على كل ما يطرحه المصممون واختيار ما يروقها منه وهي في عُقر دارها.
– قطعتي المفضلة دائما هي تلك التي لم أصممها بعد وما زلت أفكر فيها. بعد أن يتبلور التصميم في خيالي، أبدأ في دراسته من كل الزوايا والجوانب مع فريق العمل للتأكد من أنه سيجد صدى إيجابيا لدى المرأة والسوق على حد سواء، من دون أن نتجاهل أهمية دراسة تكاليفه. بعدها تبدأ عملية الإنتاج وإحداث التغييرات التي تتطلبها الدراسة، من الناحيتين الفنية والمادية؛ فهذان وجهان لعملة واحدة، ليبقى التحدي في أن أتوصل إلى المعادلة الصعبة بين ما هو فني يغذي رغبتي في التفرد، وما سيجد طريقه إلى قلب المرأة وخزانتها.
– أتمنى أن تكبر «نون» بطريقة عضوية، وأن نستمر في تعزيز مفهوم «صنع في السعودية»، فنحن نعمل حاليا على افتتاح محل جديد في الرياض. «نون» بالنسبة لي ليست مجرد ماركة جواهر تحمل اسمي، بل هي مولودي الذي أتعلم منه الكثير؛ بدءا من تطوير التصاميم، إلى إدارة الأعمال. أما الفضل في نجاحي، فأعيده إلى تلك الرغبة المحمومة في أن أبتكر قطعا لا تتقيد بالمتعارف عليه ولا بالتقاليد أو إملاءات السوق. ترفي كان ولا يزال دائما أن تكون أعمالي متنفسا إبداعيا حرا ومستقلا تتفاعل معه المرأة من هذا المنظور أيضا. السعودية المرأة السعودية

زر الذهاب إلى الأعلى