ربما لأول مرة تسمع عما يسمى بوظيفة “قرصان اقتصاد” لكنها فى الحقيقة موجودة ومؤثرة وتتسبب فى صناعة الكثير من الكوارث ومن ذلك ما يحكيه “جون بيركنز” فى اعترافاته حيث كان دوره أن يقنع العالم الثالث بقبول القروض الهائلة من أجل تحسين البنية التحتية، قروض أكبر بكثير مما تتطلبه الأمور، وبمجرد ما تنوء هذه البلاد بديون هائلة، حينئذ تستطيع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ووكالات المنح الأجنبية المتحالفة معها أن تسيطر على اقتصاد تلك البلاد وتضمن ان البترول وغيره من المصادر الطبيعية تسير فى طريقها لخدمة أغراض بناء الإمبراطورية الأمرييكية، هذا ما نراه فى كتاب “الاغتيال الاقتصادى للأمم.. اعترافات قرصان اقتصادى من تأليف جون بيركيز ترجمة مصطفى الطنانى وعاطف معتمد وصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
فى هذا الكتاب يحكى بيركنز مذكراته عن دول تم نهبها وشعوب أتمت إبادتها وحكومات دفعت ثمن استقرارها، حيث عمل هو خبيرا اقتصاديا دوليا لأكثر من خمسة وعشرين عاما، وكل ما حدث وما حكاه الكتاب توكيد واضح على المؤامرة الأمريكية على شعوب العالم الثالث المستضعف الذى تريد أن تطويه الإمبراطورية الأمريكية تحت جناحها.
ورغم أن بيركينز يعود فى آخر الكتاب ليقول بأن الأمر ليس مؤامرة سهلة ومباشرة، لكنه يفسرها بطريقته التى تفضى فى نهاية المطاف إلى السوء ذاته، لا على العالم الثالث وحده، بل على الولايات المتحدة أيضا.
جوهر الكتاب شرح لأسلوب الولايات المتحدة الحديث فى بناء إمبراطوريتها، وإخضاع العالم لها. وهو يختلف عن الأسلوب الإمبريالى القديم فى أنه لا يلجأ للقوة العسكرية إلا بعد استنفادِ وسيلتين يسهب الكاتب فى شرحهما، باعتبار أنه كان واحدا من “القتلة الاقتصاديين”، وهو تعبير كان متبعًا رسميا حين تم تدريبه على وظيفته، وقد لخّص الكاتبُ مهمته بقوله: كانت وظيفتى “أن أُشجِّعَ زعماء العالم على الوقوع فى شرك قروض تؤمن ولاءهم، وبهذا يمكننا ابتزازهم متى شئنا لتأمين حاجاتِنا السياسية والاقتصادية والعسكرية.
كشف بركنز فى الكتاب عن أحد جوانب هدم الدول عن طريق هذه القروض، وهو جانب غير مرئى يتمثل فى تكوين مجموعة من العائلات الثرية لتصبح ذات نفوذ اقتصادى وسياسى داخل الدولة المقترضة، تعتنق أفكار ومبادئ وأهداف النخبة الأمريكية، وتصير امتدادا لها فى هذه الدول، بحيث ترتبط سعادة ورفاهية الأثرياء الجدد بالتبعية طويلة المدى للولايات المتحدة، وذلك رغم أن عبء القروض سيحرم الفقراء من الخدمات الاجتماعية لعقود قادمة.
وتعتمد الامبراطورية العالمية على كون الدولار يلعب دور العملة القياسية الدولية، فأمريكا هى التى يحق لها طبع الدولار فتقوم بفرض الديون والمساعدات المشروطة للدول مع علمها أن تلك الدول غير قادرة على سداد الديون، ولكن ذلك هو السبيل لتحقيق أهدافها للهيمنة على تلك الدول سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
ان النخبة الأمريكية التى تدير الامبراطورية الاقتصادية فى العالم تتشكل من مجموعة من العائلات الثرية ذات النفوذ الاقتصادى والسياسى عبر اعتناق نفس أفكار وقيم ومبادئ تلك النخبة، بحيث ترتبط سعادة ورفاهية تلك العائلات بالتبعية طويلة المدى للولايات المتحدة.