“الكذاب الحقيقي ليس من يملك القدرة على الكذب.. بل هو الذي يميل إلى الكذب” تلك العبارة تعتبر الفكرة الرئيسية التي يدور حولها كتاب “تاريخ الكذب” للكاتب “جاك دريدا”، والتي يوضح من خلالها أن الكذاب الحقيقي هو الشخص الذي يختار أن يكذب، ويأتي به عن قصد ونجده يكذب إذا اضطر الأمر إلى الكذب أو في العموم، فهو اعتاد الكذب وأصبح جزءا من يومه وكلامه.
وعلى الرغم من أن الكذب كموضوع تم تناوله من قبل كتاب علميين مثل أرسطو، وأفلاطون، ونيتشه، إلا أن “جاك دريدا” يأتي بمنظور مختلف عنه فبداية من العنوان الذي يتناقض مع مضمونه، حيث إنه يؤكد في داخل الكتاب أنه من الصعب التأكيد أو الجزم على وجود تاريخ للكذب، أو حتى وجود نقطة انطلاق وبداية له، فهو موجود على مختلف الأصعدة وفي شتى المجالات فيصعب تحديد من أين وكيف بدأ.
تطرق أيضا دريدا إلى الكذب على الذات، ولكن من منطلق استحالة أن يكذب الإنسان على نفسه إلا أن يراها شخصا آخر بعيدا عنه، فتلك هي الحالة الوحيدة التي يستطيع الإنسان فيها أن يكذب على ذاته بسهولة، لأننا نستطيع أن نكذب على الآخرين بسهولة أما الذات فمن المستحيل محاولة الكذب على الذات.
كما تحدث عن الكذب في المجالات العملية وخصص السياسة بكونها مجالا خصبا للكذب، بل يرى أن اللجوء إلى الكذب في هذا المجال يعد من الوسائل المشروعة، ويقول أيضا إن تاريخ الكذب يجب أن يقسم إلى قسمين الأول عن تاريخ الكذب عامة والآخر عن تاريخ الكذب في السياسة وكلاهما ليس له بداية أو تاريخ واضح، فالكذب والسياسة أمران متزامنان بداية من الحكام إلى السياسيين الممارسين للمجال.
فالكتاب في المجمل تناول المنظور الكلاسيكي والأخلاقي والقانوني للكذب وكيف يدخلنا الكذب في تساؤلات كثيرة حوله وهل كل ما يقال من الكذب يعد كذبا ؟، وناقض وتعارض الكتاب مع الكثير من الكتاب لكي يضع بصمته الجديدة من خلال مفاهيم أخرى للكذب التي تتلخص في أن الكذب والكذاب أمران متغلغلان في مجتمعنا، ومتواجدان في شتى مظاهر حياتنا البشرية من الأسرة والمؤسسات السياسية والإعلامية بل وهي من الظواهر التي يهتم بها الإنسان ويطورها حتى إننا لم نعد نعرف لها بداية ولا نهاية.