بعيداً عن غليان الشارع… تفاهمات شيعية ـ كردية تمهّد لتشكيل «الكتلة الأكبر»
مظاهرات في بغداد تخللتها اشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن (إ ب أ) لم تتوقف المشاورات والتفاهمات بشأن تشكيل «الكتلة الأكبر»، بخلاف رغبة زعيم التيار الصدري وراعي تحالف «سائرون»، مقتدى الصدر، الذي طالب الأسبوع الماضي في تغريدة له على «تويتر» القوى السياسية بإيقاف مباحثاتها بشأن الكتلة الأكبر إلى حين تنفيذ مطالب المتظاهرين.
رأي الصدر المعلن لم يدعمه أحد من قادة أو زعامات الكتل السياسية أو القوائم الفائزة بالانتخابات، في وقت لم يتمكن أحد من ركوب موجة المظاهرات التي بدت عصيّة على الجميع هذه المرة بخلاف كل المرات السابقة. وبينما أبلغ مصدر مطلع «الشرق الأوسط» باستمرار «التفاهمات بين الشيعة والكرد بالدرجة الأساس من أجل تشكيل الكتلة الأكبر»، فإن سياسياً شيعياً أكد من جانبه أن «هناك رغبة لدى جميع الأطراف الشيعية التي تمثل الكتل الخمس الفائزة بالانتخابات (سائرون والفتح والنصر ودولة القانون والحكمة) بأن الحكومة المقبلة لا بد أن تضم الكتل الشيعية والكردية والسُّنية حتى لا يكون تهميش لطرف دون آخر مع التأكيد داخل البيت الشيعي ألا تتشكل الحكومة دون أن تكون (سائرون) طرفاً فيها». ويعزز ما أكده المصدر من تفاهمات إجرائية بين الوفود الشيعية والكردية، سواء تلك التي ذهبت إلى إقليم كردستان والتقت قيادات كردية بارزة في المقدمة منها زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني أو الوفود الكردية التي جاءت إلى بغداد والتقت بدورها الزعامات الشيعية البارزة، ما ذهب إليه السياسي الشيعي على صعيد بلورة رؤى مشتركة يمكن أن تصل إلى حد إحياء ما كان يسمى «التحالف التاريخي الشيعي – الكردي» الذي كان قد تعرض لأكثر من انتكاسة خلال الحكومتين السابقة برئاسة نوري المالكي خصوصاً ولايته الثانية (2010 – 2014) سواء على صعيد المناطق المتنازع عليها أو الموازنة أو البيشمركة، أو في السنة الأخيرة من حكومة حيدر العبادي لا سيما بعد الاستفتاء الذي أدى إلى تراجع كبير في العلاقة سواء بين المركز والإقليم أو بين العبادي وبارزاني الذي يشعر بأن بغداد عاقبتْه بأكثر مما يستحق كزعيم كردي سليل عائلة لها تاريخ عريق. وأفاد المصدر المطلع بأن «بارزاني يسعى اليوم وطبقاً للانطباعات التي خرج بها أعضاء الوفود الشيعية في أثناء لقاءاتهم معه إلى إعادة ترميم تلك العلاقة، متمنياً أن يعود التحالف الشيعي – الكردي إلى سابق عهده».
لكن يبدو أن صيغة التفاهمات سوف تأخذ سياقاً آخر «قد لا تكون بين كل الكرد ولا كل الشيعة» مثلما يرى المصدر، لأن «بارزاني لديه موقف سلبي من العبادي بعد أحداث كركوك بينما يحتفظ بمواقف إيجابية من زعيم تحالف الفتح، هادي العامري، حتى في أثناء مجريات القتال في كركوك بين الجيش العراقي وجزء من البيشمركة».
وفي تفاصيل تشكيل الكتلة الأكبر فإن السياسي الشيعي كشف أن «كتلة الفتح لا (سائرون) هي التي أصبحت الآن الكتلة الأكبر خصوصاً بعد التحاق العديد من الكتل والنواب بها، بحيث أصبح لها اليوم 60 مقعداً بينما لا تزال (سائرون) تحتفظ بـ45 مقعداً». ويضيف أن «(دولة القانون) مع (الفتح) في إطار التفاهمات الحالية، وكذلك الكرد طبقاً للتفاهمات التي جرت معهم ونسعى لضم (سائرون) حيث لا بد أن تكون موجودة ضمن تركيبة الكتلة الأكبر والسنة خصوصاً أطراف منهم جرت تفاهمات معمقة معهم». وحول التفاهم مع كتلة «النصر» التي يتزعمها رئيس الوزراء حيدر العبادي أوضح السياسي الشيعي أن «هناك تفاهمات مع العبادي للانضمام إلى هذا التحالف ويكون أحد المرشحين لرئاسة الوزراء بالإضافة إلى المرشح الآخر هادي العامري وربما مرشحين آخرين يجري التفاهم حولهم لكنه ليس المرشح الوحيد»، كاشفاً أنه «في حال رفض العبادي الانضمام إلى التحالف فإن كتلته مهددة بالانقسام حيث من المتوقع خروج ما لا يقل عن 28 نائباً منه لينضموا إلى التحالف الأكبر».
ورغم أن الموقف الكردي المعلن يذهب حتى الآن باتجاه بلورة رؤية موحدة حيال بغداد تتضمن شروطاً صعبة للقبول بأي تحالف مستقبلي أهمه المادة 140 وغيرها من النقاط الخلافية فإنه وطبقاً للمصدر المطلع فإن «الكرد مضطرون في النهاية إلى الدخول في التشكيلة لأنهم لا يفضلون المعارضة ولكنهم يريدون من هذه المراهنة تعزيز تحالفهم (التاريخي) مع الشيعة على أمل الحصول على تنازلات من الشيعة لتحقيق ولو جزء من مطالبهم». في مقابل ذلك فإن الطرف السني وإن لم يكن غائباً عن المعادلة، مثلما يرى كل من محمد الكربولي الأمين العام لحزب الحل وعضو البرلمان العراقي، وأثيل النجيفي القيادي في تحالف القرار الذي يتزعمه شقيقه أسامة النجيفي، في تصريحين منفصلين لـ«الشرق الأوسط»، فإن «التفاهمات الشيعية – الكردية تأتي دائماً على حساب الطرف السني» مثلما يرى السياسي العراقي المستقل والأكاديمي المعروف الدكتور نديم الجابري في حديثه لـ«الشرق الأوسط». الكربولي يقول إن «العرب السنة لديهم تفاهمات جيدة مع الكرد، وقد أبلغنا القيادات الشيعية بها»، مؤكداً أن «السنة هم مع الطرف الذي يدخل الكرد في المعادلة». وحول ما إذا كانت المصادقة على نتائج الانتخابات سوف تتأخر بما يؤثر على التفاهمات الجارية، يقول الكربولي إن «كل شيء سوف ينتهي في غضون شهرين».
من جهته، فإن النجيفي يقول إن «السنة ذاهبون مع التحالف الشيعي الأكبر»، مبيناً «إننا لا نريد العودة إلى التخندق الطائفي مرة أخرى ونعتقد أن القرار الشيعي الأكبر هو الذي سيحدد رئيس الوزراء ونحن بالانتظار». وبشأن العلاقات السنية – الكردية يقول النجيفي إن «هذه العلاقة واضحة الحدود، والخلافات داخلها قليلة وقابلة للحل».
بدوره، يطرح السياسي المستقل نديم الجابري رؤية مختلفة بشأن التحالف الشيعي – الكردي حيث يقول إن «التحالف الشيعي – الكردي منذ عام 2003 وإلى اليوم لم يكن وضعه إيجابياً على الدولة والمجتمع، حيث إنه أدى إلى تراجع الدور السني في المعادلة السياسية». ويضيف الجابري أن «هذا التحالف مبنيّ على خلفية تاريخية قوامها المظلومية الشيعية – الكردية المشتركة لكنه بقي في الواقع تحالفاً هشاً ولم يؤدِّ إلى بناء تفاهمات حقيقية، واليوم لم يعد ذا جدوى». ويرى الجابري أن «استمرار التحرك بهذا الاتجاه سيلحق ضرراً لأن هذه الطريقة ليست ناضجة وسبق أن فشلت وسوف تفشل أيضاً». العراق أخبار العراق