أخبار فنية و ثقافية

تعرف على مذكرات نوبار باشا.. أول رئيس وزراء بمصر

“كم من الحكام احتلوها! كم من الشعوب دهست بأقدامها أرض مصر، بدءا من ملوك الرعاة إلى آخر المماليك، جميعهم تركوا آثار أقدامهم وبصماتهم العظيمة على أرض مصر من أهرامات وتماثيل ضخمة ومعابد ومآذن ومنارات وعجائب كلها سحر ورونق، كلهم استغلوا وتجاوزوا الحدود فى استغلال هذا الشعب الذى عمل بجد وعرق وشيد لهم هذه الروائع والآثار التى نعجب بها دون أن نفكر فى الألم الذى عانى منه الشعب، فى حين أن لا أحد من هؤلاء الحكام، استطاع التغلغل فى أعماق هذا الشعب الذى ظل ساكنا مثل المحيط” هكذا قال نوبار باشا فى مذكراته دفعا عن المصريين.

مذكرات نوبار باشا استغرق فى كتابتها 3 سنوات، وجاء بالمذكرات سرد تفصيلى عن الفترة من 1842 إلى 1979 أى 37 سنة من تاريخ مصر، والكتاب يتكون من 724.

والكتاب مكون من 41 فصل، خصص ست فصول تروى عن محمد على وإبراهيم باشا، وأربعة فصول لعباس باشا، وست فصول لسعيد باشا، وخصص 25 للخديوى إسماعيل ويتكلم فيها عن تحديث مصر.

وجاء فى بداية المذكرات نبذة عن نشأته حيث ولد نوبار باشا فى ازمير يوم 4 فبراير 1825 من نسل عائلة عريقة ترجع اصولها إلى “أعالى أرمينيا”، وبعد أن أتم دراسته الابتدائية فى جينيف التحق مع اخيه أراكيل بمدرسة سوريز بالقرب من تولوز حيث أمضيا فيها أربعة أعوام من سنة 1836 إلى سنة 1840.

وبدأ فى الصعود لشغل المناصب عندما كان فى السابعة عشرة من عمرة عندما تم استدعاؤه إلى القاهرة من قبل خاله بوغوص بك يوسفيان الذى كان يشغل منصب وزير التجارة والمور الإفرنجية لوالى مصر محمد على باشا، وبعد أن عمل نوبار سكرتيرا فى مكتب خاله، الذى توفى عام 1844، وأصبح نوبار باشا سكرتيرا لمحمد على ومترجما له، حيث كان يجيد اللغة الفرنسية والتركية والإنجليزية ثم التحق بخدمة إبراهيم باشا وكان معه فى كل رحلته حتى وفاته 1848، كما إنه تقلد رئاسة مجلس الوزراء 3 مرات فى عهد الخديوى إسماعيل وتوفيق وعباس حلمى الثانى، وخدم فى عصر محمد على، وإبراهيم باشا وعباس حلمى الأول، ثم سعيد إسماعيل باشا ثم توفيق ثم عباس حلمى الثانى، بمعنى إنه يعتبر شاهد عيان على تلك الحقبة من التاريخ أو الفترة من التاريخ ولكنة مكث مع الخديوى إسماعيل أطول فترة وهى 16 عاما.

وذكر نوبار باشا فى مذكراته وصف كامل لكل ما شاهدة من أول ما نزل من على السفينة التى أتت به إلى الإسكندرية، الطريق إلى منزل خاله باغوص بك، وهو يصف المصريين وشكل ملابسهم والشوارع، حتى وصل إلى منزل باغوص بك وزير التجارة ويصف المنزل والخدم وملابسهم، ثم يذهب إلى قصر محمد على ويصف من فى القصر والحوائط والديكورات.

لنوبار باشا شارع فى الإسكندرية يحمل اسمه وفى القاهرة وترعة النوبارية، وذلك لأنه كان يمتلك كمية أراض لا حصر لها فى هذه المنطقة، وكتب مذكرته 1890 وانتهت 1894 واستمرت ثلاث سنوات وكان عمرة 65، وبالإضافة إلى هذه المذكرات تم الرجوع إلى الخطابات التى كان يرسلها إلى زوجته وهى 1500 خطاب يحكى فيها عما يحدث فى مصر فى تلك الفترة.

كما حكى نوبار باشا فى مذكرته كيف تولى محمد على حكم مصر بفرمان من السلطان عبد المجيد، فى حق الحكم بالوراثة فى أسرته، ولكن يظل الحكم جزء من الإمبراطورية العثمانية وجميع المعاهدات السياسية والاقتصادية التى وقعها الباب العالى واجبة للتنفيذ فى مصر، ولا يزيد تعداد الجيش عن 18 ألف جندى ويحق لحاكم مصر أن يمنع الرتب حتى قائمقام، أما الرتب العليا فهى منحة السلطان من الباب العالى وكانت الضرائب تجمع باسم السلطان العثمانى ويحول كل عام 300 ألف جنيه استرلينى إلى الخزانة العثمانية كجزية ولا يتم إنجاز أى مشروع إلا بعد عرضه على الباب العالى.

وحول انجازات نوبار باشا حسب ما جاءت فى مذكراته أنه سعى إلى القضاء المختلط التى تعرف بالمحاكم المختلطة للفصل فى القضايا المدنية والتجارية بين المصريين والأجانب، وبين الأجانب وبعضهم على مختلف جنسيتهم، وهذا أدى إلى استقلال القضاء عن الدولة وإرساء قواعد التشريعات الغربية باختصار شديد هو تحديث للقضاء والمحاكم المختلطة، ونجحت فى الحد من فوضى القضاء القنصلى الذى اتهمت القيادة المصرية، وكان نوبار باشا من أشد المتعاطفين مع الفلاح المصرى وكان ضد السخرة والضرائب.

ذكر نوبار باشا فى مذكراته أنه فى أواخر عام 1847 سافر إبراهيم باشا إلى إيطاليا، وهناك كان دائم السؤال عن أخبار والده الذى كان يعانى هو الآخر من تدهور فى صحته، وبعد عودة إبراهيم من إيطاليا أصيب أبوه الوالى الكبير محمد على باضطراب عقلى، وأصبح يخفى عجزه عن تجميع أفكاره عن طريق التزام الصمت لفترات طويلة، غير أنه يظل يحتفظ بمظهرة السامى ويتخذ جلسته المعهودة متربعا على أريكته فى قصره بشبرا، وحين سافر محمد على إلى نابولى ودخل الحجر الصحى عام 1848 قرر إبراهيم باشا السفر إلى تركيا كى يحصل على فرمان بتوليه الحكم بعدما حدث لأبيه.

كما أوضح نوبار باشا فى مذكراته أن السلطان العثمانى كان يتردد فى منحة الولاية حيث أنه كان يخشى أن يثير إبراهيم متاعب جديدة للإمبراطورية العثمانية، وأن والده لا يزال على قيد الحياة، لذلك هناك من اقترحوا على إبراهيم تولى القيادة العسكرية لمصر فرفض، وبعد التشاور عرف السلطان العثمانى أن إبراهيم سيموت بعد 6 أشهر فقط فوافق على توليه الحكم طبقا للفرمان عام 1841، وتقرر الاستغناء عن الحفل التقليدى فى مثل هذه الأحوال!

كما هاجم نوبار باشا الضرائب التى كانت تفرض على المصريين بكل أدواتها، وذكر فى مذكراته أنه حارب من أجل إلغاء السخرة التى افتخر كرومر بأنه صاحب الفضل فى تلك الخطوة، ومن خلال كتاباته يشير إلى علاقاته اتسعت حيث كان متواصل مع صناع القرار فى العواصم الخارجية.

ويعتبر نوبار باشا أول رجل دولة فى مصر فى القرن 19 ينادى بمبادئ الإنسانية والعدالة الاجتماعية فى وقت كان الرأى ينبع من مجتمع الصفوة، استقال فى ثالث فترة لتولية الوزارة بسبب المرض، وانسحب من الحياة العامة وذهب إلى باريس حيث توفى 14 يناير 1899 ولكنه دفن بالإسكندرية.

زر الذهاب إلى الأعلى