«عقيدة الفرد المقاتل»، جملة سهلة التفسير، ولكن مضمونها عميق، فهي كلمة السر في النجاحات التي تحققها القوات المسلحة يوما بعد يوم، وفي مضمونها أيضا تفسيرات كبيرة جعلت العالم يقف كثيرا أمام قوة وجبروت الجندي المصري الذي لا يهاب الموت من أجل حماية بلده من أي خطر.
وتولي القوات المسلحة اهتماما كبيرا بعقيدة الفرد المقاتل، خاصة أن العقيدة القتالية هي الفيصل دائما في تحقيق النصر، وفرض السيطرة وليس التصنيفات وحدها التي تفرض نفسها، لإظهار قوة وصلابة الجيوش، ولكن العقيدة القتالية هي الحاسمة، ولا تقاس بأي طريقة حسابية، بل هي نابعة من علاقة وطيدة بين الجيش وشعبه وإيمان الشعب بقوة هذا الجيش الذي يتكون من أبناء الشعب المصري، وفصيل واحد لا يستطيع أحد أن يتدخل في هذه العلاقة.
وهذه العقيدة القوية للفرد المقاتل كانت حديث العالم بأسره، بعد أن عرض المتحدث العسكري للجيش المصري، فيديو تسجيليا لقوة وبسالة أحد الجنود المصريين داخل سيناء، الذي قام بالصعود بدبابته فوق إحدى السيارات الملغمة التي كانت تستهدف أحد الكمائن الثابتة بشمال سيناء، متعجبين من شجاعة الفرد المقاتل وقراره الجريء الذي اتخذه من أجل إنقاذ العشرات من المدنيين الذين كانوا متواجدين في مكان الحادث، وحماية الكمين الذي يعتبر جزءا منه، بمجرد أن اكتشف أنها ملغمة ولم يفكر للحظة في حياته، بل فكر في إنقاذ الجميع وحماية الأرض، بل قام بسحق هذه السيارة، في رسالة واضحة لكل من يسعى لتهديد استقرار الوطن.
تساؤلات عديدة فرضت نفسها على كل من رأى هذا المشهد الجريء الذي لا يستطيع أحد أن يؤديها إلا المقاتل المصري، وضعتها فيتو أمام الخبراء العسكريين للوقوف على الأسباب التي جعلت هذا المقاتل يفكر ويقرر في لحظة أن يضحي بنفسه لإنقاذ حياة الآخرين من المدنيين وحماية أرضه وعرضه.
اللواء أركان حرب أحمد يوسف عبد النبي، مدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا السابق لديه تفسير خاص للواقعة، حيث أكد أن الجندي المصري يتمتع بعقيدة ثابتة تزرع بداخله منذ أن يلتحق بالخدمة في القوات المسلحة بداية من تجنيده وحتى يلتحق بسلاحه، تتمثل في أن يقدم الفرد كل شيء من تضحيات بما فيها حياته في سبيل بلده وعرضه، مشيرا إلى أن مكونات العقيدة القتالية تزرع في المجند المستجد داخل مراكز التدريب، وأيضا الأسلحة التي يلتحق بها من خلال برامج تدريبية يتلقاها وتزرع بداخله هذا الأمر.
وأضاف عبد النبي أن المجند يلتحق داخل أسرة صغيرة بفصيلته أو سريته التي يقضى بها فترة تجنيده، ثم ينضم لأسرة أصغر على إحدى المعدات، ويعملون جميعا من أجل حماية كل ركن داخل الأسرة الأكبر وهي الدولة، ويضحون بكل غال ونفيس من أجله وهو ما فعله الجندي الذي كان ضمن طاقم الدبابة الذي قرر أن يصعد فوق السيارة التي كانت تحمل المواد المتفجرة، إنقاذا لأسرته الكبيرة والصغيرة، ولم يعتقد للحظة أنه سيبقى حيًا، ولكن العناية الإلهية كافأت الجندي والطاقم بأكمله، وكل ذلك نتيجة العقيدة القتالية التي يتمتع بها جميع أفراد القوات المسلحة.
ويرى اللواء محمد الشهاوي، المستشار العسكري بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، أن الجندي الذي قاد الدبابة لم يهب الموت، ولكنه فكر في إنقاذ الآخرين حوله وحماية أرضه، موضحا أن هذه الروح ليست وليدة الحدث، بل هي نابعة من عقيدة الجيش المصري، الذي يتصدر المركز العاشر بفضل استحداثه للمعدات، ولكن هذه العقيدة هي السبب الأكبر في كل هذا التقدم والتطور والإيمان بالحفاظ على الوطن والشعب المصري وعدم السماح لمن تسول له نفسه بتهديد أمنها القومي أو الاقتراب من شعبها.