عانت الدول الناشئة بشكل كبير على مدار السنوات الأخيرة من التهميش أمام الدول الغنية، مما جعلهم يسعون لخوض العديد من التحديات لمواجهة الوضع العالمي الحالي، من خلال إنشاء تكتل مجموعة بريكس، لكبح هيمنة الدولار الأمريكي، وتعزيز الاقتصاد والتبادل التجاري بين دول المجموعة، واللجوء للتعامل بالعملات المحلية للدول الأعضاء.
من المنتظر أن يستغل تكتل “بريكس” الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، قمة الزعماء السنوية في جوهانسبرج غدا الثلاثاء، لإطلاق عملية إضافة مزيد من البلدان لعضويته لتقوية ثقله العالمي، في حملة يقودها بصفة أساسية الرئيس الصيني شي جين بينج، وتدعمها روسيا وجنوب أفريقيا.
تعزيز استخدام العملات المحلية في التجارة
ستنعقد هناك أيضًا محادثات حول سبل تسريع عملية التحول بعيدًا عن الدولار الأمريكي، وذلك بطريقة جزئية، بواسطة تعزيز استخدام العملات المحلية في التجارة الآخذة في التنامي بين الأعضاء، بحسب مسودة جدول أعمال اطلعت عليها بلومبرج.
تحويل تكتل بريكس قوته الاقتصادية إلى نفوذ سياسي
أخفق التكتل في تحويل قوته الاقتصادية المتنامية إلى نفوذ سياسي ضخم منذ أن بدأ بعقد قمم الزعماء قبل 15 سنة، لكن حالة التشرذم الراهنة في النظام العالمي، مع تفاقم الخلافات بين الولايات المتحدة والصين، والانقسامات حول الغزو الروسي لأوكرانيا، تعطيه فرصة جديدة ليصبح صوتا أعلى لمنطقة جنوب الكرة الأرضية، وربما ينافس الولايات المتحدة وحلفاءها.
ومن المقرر أن تشهد قمة الزعماء، أول توسع للتكتل منذ انضمام جنوب أفريقيا عام 2010، ويأتي في صدارة قائمة المرشحين المحتملين للانضمام: إندونيسيا والمملكة العربية السعودية، وكذلك الإمارات العربية المتحدة والجزائر ومصر، ولكن الهند تريد أن تسير هذه العملية بطريقة تدريجية.
سيشكل التكتل نصف الإنتاج العالمي بحلول 2040
كمجموعة أوسع، سيشكل التكتل نصف الإنتاج العالمي بحلول 2040، بحسب تقديرات “بلومبرج إيكونوميكس”، ما يعد ضعف حصة مجموعة السبع الصناعية الكبرى، ويقلب الموقف بالمقارنة مع مطلع القرن الحالي، وستضم مجموعة “بريكس” الموسعة نصف سكان العالم تقريبًا، مرتفعة من 42% بالوقت الحالي، بحسب أنيل سوكلال، سفير جنوب أفريقيا لدى التكتل.
وقالت كارين فاسكويز، الأستاذة المشاركة المتخصصة بالممارسات الدبلوماسية بجامعة “أو. بي. جيندال غلوبال” الهندية والمقيمة في شنغهاي: “حققت هذه البلدان نهضة اقتصادية، وطرحت مخاوفها، وهي حاليًا قادرة على توفير بدائل، إذا لم تسمع شكواها”.
حتى وقتنا هذا، قيدت الانقسامات الشديدة بين الأعضاء من قدرة التكتل، الذي تصدر قراراته بإجماع الآراء، على تعظيم نفوذه في مؤسسات على غرار “صندوق النقد الدولي” أو “البنك الدولي” أو “مجلس الأمن” التابع للأمم المتحدة.
أقرض بنك التنمية الذي أسسته دول “بريكس” 32.8 مليار دولار فقط خلال 8 أعوام من بدء عمله، ما يشكل جزءًا ضئيلًا بالنسبة للمبالغ التي يقدمها “صندوق النقد” و”البنك الدولي” خلال هذه المدة، لم تحرز مقترحات تدشين التكتل لعملة مشتركة أي تقدم.
صعوبات ضعف أداء الاقتصادات تواجه الدول
عانت اقتصادات البرازيل وجنوب أفريقيا وروسيا من ضعف الأداء، وبدأ النمو الصيني في التباطؤ، وصعد مقياس القيمة السوقية لأسهم بلدان الـ”بريكس” الخمس، 81% منذ 2009، بالمقارنة مع زيادة 379% لمؤشر “ستاندرد أند بوزر 500″، مع الوضع في الاعتبار، ضعف عملاتها خلال هذه المدة الزمنية وعائداتها المقومة بالدولار التي تبدو أسوأ بدرجة كبيرة.
يغيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قمة العام الحالي، بسبب صدور مذكرة توقيف ضده لاتهامه بارتكاب جرائم حرب مزعومة من قبل “المحكمة الجنائية الدولية”، التي تندرج جنوب أفريقيا المستضيفة للقمة تحت مظلتها، ومن المقرر أن يشارك عن بعد.
يوفر الاجتماع لبوتين فرصة أخرى لطرح روايته الخاصة عن غزو أوكرانيا على زعماء من نصف الكرة الأرضية الجنوبي بطريقة مباشرة، حيث تعاطف الكثير منهم مع رواياته في الماضي.
التزمت البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا الحذر إزاء الانحياز لروسيا بطريقة علنية على صعيد الحرب، لكنها لم تكن مستعدة أيضًا للتحالف مع الغرب في معارضته لموسكو.
أوضح مسؤول في الاتحاد الأوروبي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته لأنه غير مصرح له بالتعليق علانية: “بينما ينظر الاتحاد الأوروبي إلى مجموعة بريكس على أنها بالأساس منتدى خطابي بلا تأثير، يمكن أن يسفر توسعه عن إضعافه بدلًا من تقويته، فإن قدرة بوتين على استخدام المجموعة بوصفها منصة دولية، تمثل مصدرًا للقلق”.
إبراز ثقل المجموعة العالمي المتنامي
أشار جيم أونيل، كبير خبراء الاقتصاد السابق في مصرف “جولدمان ساكس”، والذي صاغ الاسم المختصر “بريكس” أو (BRIC) خلال 2001 لإبراز ثقل المجموعة العالمي المتنامي، إلى أن التكتل كان “مخيبًا للآمال للغاية”.
نادرًا ما تتفق الصين والهند على أي أمر، وهي مشكلة جوهرية. إذ يخوض البلدان الأكثر كثافة سكانية، نزاعًا حدوديًا منذ أعوام.
ووافق قادة جيشيهما الأسبوع الماضي على العمل سريعًا للتخفيف من حدة الخلافات، ما يمهد لإحراز تقدم في المفاوضات بين شي جين بينج ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
يساور الهند القلق من أن توسيع “بريكس” سيحول المجموعة إلى منصة للدفاع عن وجهة نظر الصين، بينما تشعر البرازيل بالقلق أيضًا إزاء حالة الاستعداء الغربي، بحسب مسؤولين مطلعين على المفاوضات الداخلية للتكتل، لكنهم أذعنوا لفكرة قبول أعضاء جدد، حتى مع سعيهم للتوصل لاتفاق حول القواعد والمعايير.
بينت كاثرين هادا، وهي دبلوماسية أميركية كبيرة سابقة، تترأس حاليًا دراسات السياسة الأميركية الهندية في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” في واشنطن، أنه “منذ تأسيس مجموعة بريكس، لم تعد الصين أكثر قوة على المستوى الإقليمي، أو حتى على طول الحدود مع الهند فقط، ولكنها أيضًا ترغب في تولي دفة القيادة بمنطقة جنوب الكرة الأرضية، وهو ما لا تريده الهند”.
أول قمة حضورية لمجموعة الـ”بريكس”
سيمثل الاجتماع الذي يستضيفه رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا أول قمة حضورية لمجموعة الـ”بريكس” منذ وباء كورونا الذي اجتاح العالم، حيث أكد لولا وشي ومودي حضورهم القمة.
سيجلس رؤساء حكومات من أكثر من 30 دولة أفريقية، بجانب آخرين من النصف الجنوبي للكرة الأرضية، بوصفهم مراقبين. وأبدت 20 دولة وأكثر رسميًا اهتمامها بالانضمام لعضوية التكتل.
زعماء دول التكتل الخمسة سيحددون من يمكنه الانضمام، وتوقيت ذلك، في ظل التوصل لتوافق كبير حول سياسة قبول العضوية، بحسب سوكلال سفير جنوب أفريقيا لدى التكتل.
أوضح روبرت شراير، أستاذ العلوم السياسية في جامعة “كيب تاون”: “تتمثل جاذبية بريكس بقيادتها لبلدان الجنوب، ومن ثم يُنظر لها باعتبارها وسيلة رمزية لرفض الزعامة الغربية. وهذه الرمزية، وليست أي مكاسب اقتصادية متوقعة، هي الدافع وراء رغبة أولئك الذين يودون الانضمام للتكتل”.