كشف الأرشيف الإسرائيلي عن الحرب في 1973، حالة كبيرة من التخبط لدى صناع القرار في دولة الاحتلال قبل أيام من بدء الهجوم المصري.
ونشرت إسرائيل آلاف الوثائق والصور عن اللحظات الأخيرة قبل الحرب، بينها صورة لجنود إسرائيليين يحملون قاربا، يقل زميلهم وفتاة، للاحتفال بزواجهما قبل لحظات من بدء الهجوم المصري.
لم يختلف الأمر كثيرا داخل الأروقة المغلقة في دولة الاحتلال، بعدما كشف الأرشيف عن الاختلاف والتخبط بين الاستخبارات الإسرائيلية والقادة السياسيين حول حجم وطبيعة الهجوم المحتمل لمصر وسوريا.
وأقرت إسرائيل، وفقا للأرشيف الذي نشرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أجزاء منه، أنها “أسائت التقدير” فيما يتعلق بحجم الضرر الذي يمكن أن تلحقه مصر وسوريا في هجومهما خلال السادس من أكتوبر 1973.
فشل إسرائيلي
قبل شهر واحد من الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر، التي تسمى في إسرائيل حرب يوم الغفران، جرى نشر الأرشيف الخاص بالحرب، والذي يضم مجموعة شاملة من آلاف الوثائق والصور والتسجيلات ومقاطع الفيديو.
وفر الأرشيف، وفقا لتايمز أوف إسرائيل، نظرة متعمقة على الطريقة التي تم بها التعامل مع الحرب و”الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي الذي سبقه”.
وأشارت تايمز أوف إسرائيل، إلى أنه في حين تم رفع السرية عن العديد من البروتوكولات والوثائق المتعلقة باتخاذ القرار قبل وأثناء حرب عام 1973 على مر السنين، فإنه تم حاليا نشر معظم الأرشيف للجمهور، باستثناء عدد قليل من الملفات التي لا تزال مغلقة.
وخصصت إسرائيل حاليا موقع إلكتروني، باللغة العبرية فقط، لنشر حوالي 3500 ملف أرشيف يحتوي على مئات الآلاف من الصفحات، و1400 وثيقة ورقية أصلية، و1000 صورة، و750 تسجيلاً، و150 دقيقة من المداولات الحكومية، وثمانية مقاطع فيديو.
واستغرق تحميل المادة على الموقع نحو عامين ونصف من العمل.
وقال مسؤول أرشيف الدولة روتي أبراموفيتش، إن الأرشيف الذي تم نشره يمثل رؤية 360 درجة لقصة الحرب، التي أثرت على جميع مناحي الحياة في إسرائيل.
الساعات الأخيرة
توفر بعض الوثائق سجلات للمداولات التي جرت بين رئيسة الوزراء آنذاك جولدا مئير، وقادة الأمن في الأيام والساعات التي سبقت شن مصر وسوريا الحرب في 6 أكتوبر 1973، بينما كانت إسرائيل تحتفل بيوم الغفران.
لم تتوقع إسرائيل تنفيذ الهجوم، معتقدة أنه بعد هزيمة مصر قبل ست سنوات في 1967، فإن القاهرة لن تهاجم إلا إذا اكتسبت أولاً القدرة على شل سلاح الجو الإسرائيلي.
وقبل يوم واحد من بدء الحرب، أخبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية إيلي زيرا، رئيسة الوزراء مائير أن التقييم السائد هو أن “مصر ليست على وشك الهجوم، ولا يوجد دليل على استعدادها لشن هجوما. وإذا كانوا على وشك الهجوم، فسنحصل على مؤشرات أفضل”.
لم تمر سوى ساعات، حتى كرر زيرا ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي ديفيد اليعازر، موقفهما القائل بأن سوريا ومصر من المرجح أن تخططا لهجوم محدود أو حتى مجرد نشر قوات دفاعية.
وقال اليعازر: “يجب أن أقول إنه ليس لدينا دليل كاف على أنهم لا يعتزمون الهجوم. ليس لدينا مؤشرات قاطعة على أنهم يريدون الهجوم، لكن لا أستطيع أن أقول بناءً على المعرفة أنهم لا يستعدون للهجوم”.
في صباح السادس من أكتوبر 1973، الساعة 7:30، قرأ السكرتير العسكري برقية ليلية من رئيس الموساد تسفي زمير، يشير فيها إلى أن الحرب كانت مسألة ساعات.
وركزت المناقشة على ما إذا كان ينبغي شن ضربة استباقية ضد مصر.
خطة فاسدة
اقترح وزير الدفاع الإسرائيلي حينها، موشيه ديان أنه لا يمكن شن ضربة استباقية ضد مصر وسوريا، ننظرا لقيود دبلوماسية.
واتفقت مائير مع ديان، زاعمة أن توجيه “ضربة استباقية أمر مغر للغاية، ولكن العالم لن يصدقنا هذه المرة”.
أكد مسؤولون أمنيون إسرائيليون، أن الحل الأمثل هو تسريب المعلومات حول الهجوم المصري المحتمل للأوساط الإعلامية والدبلوماسية والسياسية.
ودعا الوزير يجال ألون إلى تسريب المعلومات عن خطة الهجوم إلى وسائل الإعلام قبل جلسة مجلس الوزراء المقرر عقدها ظهر يوم السادس من أكتوبر.
ولم تؤيد مائير سوى تسريب المعلومات إلى الدبلوماسيين الأجانب، لتحيط السفير الأمريكي كينيث كيتنج، بتطورات الوضع.
طلبت مائير من كيتنج خلال لقائهما نقل رسالة إلى مصر: “ليس لدينا شك في أننا سننتصر، ولكننا نريد أن نعلن… أننا لا نخطط لهجوم، ولكننا بالطبع مستعدون لصد هجومهم”.
تقييم خطأ
بعد يوم واحد من نجاح الهجوم المصري الساحق، وهو ما فاجأ إسرائيل لأنه حدث في وقت أبكر مما كان متوقعا، اعترف ديان لمائير وألون بأن تقييماته قد ثبت خطأها.
وأشار ديان إلى أن إسرائيل كان لديها تقييم يستند إلى الحرب السابقة، ولكنه غير صحيح.
ولم تمر سوى أيام، حتى بدأت واشنطن بتوفير الأسلحة إلى حليفتها في الشرق الأوسط إسرائيل.
وقالت مائير إن “هناك قرار من حيث المبدأ من قبل [الرئيس الأمريكي ريتشارد] نيكسون بشأن [الطائرات الحربية] الفانتوم.. ويبحث [وزير الخارجية الأمريكي هنري] كيسنجر عن طريقة لنقلهم جواً”.
وانتهت حرب 1973 بوقف نهائي لإطلاق النار في 24 أكتوبر. وقُتل أكثر من 2500 جندي إسرائيلي وجُرح آلاف آخرون في القتال.