حذر تقرير لمراسل صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، جيمس مارسون، من أن روسيا أرست موطئ قدم لها في مستقبل ليبيا من خلال التحالف مع طرفي النزاع. فبعد التدخل العسكري في سوريا، يصادق رجل الأعمال المدعوم من الكرملين ليف دينغوف حكومة طرابلس بينما تدعم موسكو خصمها القوي.
ويشير التقرير إلى أنه عندما رحبت روسيا بالمشير خليفة حفتر على متن حاملة الطائرات في العام الماضي، بدا الأمر كأن الكرملين يدعم منافس حكومة الوفاق الوطني في طرابلس المعترف بها دوليا والمدعومة من الأمم المتحدة في ليبيا، ولكن في ذلك الوقت كان رجل الأعمال الروسي (ليف دينغوف) قد أمضى عاماً في تنفيذ مهمة أكثر هدوءاً، بدعم من الكرملين أيضاً، تستهدف التودد إلى الإدارة الرسمية لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس.
موطىء قدم في ليبيا
وقد دحضت مساعي دينغوف التوقعات بأن موسكو سوف تدعم خليفه حفتر، قائد القوات المسلحة الليبية، بنفس النفوذ العسكري الحاسم الذي قلب الموازين في سوريا لصالح الرئيس السوري بشار الأسد. وبدلاً من ذلك، أرست روسيا، بحسب التقرير، موطئ قدم لها في مستقبل ليبيا من خلال زراعة الحلفاء لدى طرفي النزاع المتعارضين.
وينقل تقرير “وول ستريت جورنال” عن دينغوف، رجل الأعمال البالغ من العمر 34 عاماً والذي تولى قيادة استراتيجية الكرملين في ليبيا، قوله: “لم نراهن على لاعب واحد؛ وقد أصبح قادة حكومة طرابلس الآن يزورون روسيا بانتظام، كما تستكشف الشركات الروسية الفرص التجارية في ليبيا”.
وأسفرت جهود موسكو عن توسيع نطاق انتشارها من الشرق الأوسط إلى شمال أفريقيا، وباتت موسكو لاعباً مركزيا في البلد الغني بالموارد الطبيعية، وبينما تتنافس الولايات المتحدة مع روسيا على النفوذ في سوريا، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكد في شهر أبريل للعام 2017 أنه لا يرى دوراً للولايات المتحدة في ليبيا أبعد من محاربة داعش. ومنذ ذلك الوقت، دعمت الولايات المتحدة جهود الأمم المتحدة للسلام وركزت على مكافحة الإرهاب، بما في ذلك شن الضربات الجوية ضد الجماعات المسلحة.
نزاع الفصائل السياسية
ويشير التقرير إلى اتفاق قادة الفصائل السياسية المتحاربة في ليبيا، بما فيهم فايز السراج رئيس وزراء حكومة طرابلس والمشير حفتر الذي يسيطر على الكثير من شرق ليبيا، على مسار إجراء انتخابات في وقت لاحق من العام الجاري، وذلك خلال اجتماع جرى عقده يوم 29 مايو في باريس، وقالت موسكو أنها تدعم جهود الوساطة الدولية.
ولا تزال ليبيا المعبر الرئيسي لموجات المهاجرين غير الشرعيين المتجهين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وتُعد ملاذاً للجماعات المتطرفة بما في ذلك داعش؛ حيث تختبئ في المناطق الخارجة عن سيطرة القانون في جميع أنحاء ليبيا.
ويعتبر تقرير “وول ستريت جورنال” أن الدور الذي يلعبه دينغوف في ليبيا يكشف عن كيفية توجيه رجال الأعمال في بعض الأحيان لتعزيز سلطة الكرملين مع تحقيق مصالحهم الخاصة، إذ غالباً ما تكون الأهداف والغايات متشابكة.
الاتحاد السوفيتي والقذافي
وكان للاتحاد السوفيتي السابق علاقات وثيقة مع الديكتاتور الليبي معمر القذافي، وبالفعل سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إحياء هذه العلاقة من خلال زيارته إلى ليبيا في عام 2008، وجلب مليارات الدولارات من عقود الأسلحة والنفط والسكك الحديد. وخلال العام ذاته، بدأت زيارات دينغوف إلى ليبيا، ومن خلال المشاريع المختلفة توطدت علاقته مع المسؤولين في نظام القذافي الذين يعمل بعضهم الآن في حكومات متنافسة.
وخلال انتفاضة عام 2011 التي قادت إلى سقوط نظام القذافي، لم تعترض روسيا في البداية على الغارات الجوية لحلف الناتو ضد القذافي، ولكن بعد القبض على الأخير وقتله، اتهم بوتين الولايات المتحدة وحلفاءها بتجاوز مهمتهم الأساسية.
وكان حفتر، القائد السابق في جيش القذافي الذي تلقى تدريبه في الاتحاد السوفيتي، قد انشق عن نظام القذافي وقضى عقدين في المنفى بالولايات المتحدة قبل انضمامه إلى الانتفاضة عام 2011. وفي عام 2014، قاد حفتر حملة عسكرية لإنقاذ البلاد من الإرهابيين والسيطرة على جزء من شرق ليبيا، بما في ذلك معظم موانئ تصدير النفط الرئيسية في البلاد.
وبنهاية عام 2014، تولى دينغوف رئاسة مجموعة الاتصال الروسية الخاصة بالتسوية الليبية تحت إشراف وزارة الشؤون الخارجية الروسية ورمضان قديروف، رئيس جمهورية الشيشان ذات الأغلبية المسلمة في جنوب روسيا.
اللعب على كلا الجانبين
ويشدد تقرير الصحيفة الأمريكية على أن قديروف، حليف بوتين، يلعب دوراً مركزياً في جهود روسيا في الشرق الأوسط؛ حيث يتمتع بعلاقات واسعة جداً ونفوذ كبير. وفي أعقاب زيارة لروسيا في عام 2015، قام دينغوف بترتيبها لوفد بزعامة ابن المشير حفتر، بدأت موسكو في توفير الدعم لحفتر وتجاهلت معارضة حكومة طرابلس لذلك، وبالفعل طبعت روسيا العملة الليبية في عام 2016 للحكومة المتحالفة مع حفتر، وزار الأخير موسكو في عامي 2016 و2017.
واتهم أحد المسؤولين الأمريكيين روسيا بتزويد حفتر بالأسلحة والمستشارين العسكريين، ولكن روسيا نفت ذلك وأكدت أنها تلتزم بحظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة. وبحسب التقرير، تسعى الحكومة الروسية إلى بناء دعم دولي لحفتر، بما في ذلك إدارة ترامب، وفي الوقت نفسه يسعى دينغوف إلى الحفاظ على العلاقات مع حكومة طرابلس.
وتهدف روسيا إلى استثمار أي فرصة لكي تلعب دور الوسيط القوي، وبخاصة بعد نجاح دعم بوتين العسكري في إنقاذ نظام بشار الأسد، وتروج موسكو لتدخلها العسكري في سوريا بأنه يدعم الحكومة الشرعية.
ويقول دينغوف: “يبدو واضحا أن روسيا واثقة من الخطوات التي تتخذها، ويدرك الناس في ليبيا أن بوتين يستطيع اتخاذ قرارات مستقلة، ولا شك في أن روسيا مهتمة بإحياء الصفقات القديمة التي تمت في عهد القذافي والتي تشمل التنقيب عن النفط وبناء السكك الحديدية واستكشاف مجالات جديدة مثل الزراعة وتكنولوجيا المعلومات”.
ويخلص التقرير إلى أن روسيا تستخدم رجال الأعمال، مثل دينغوف، في توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية في ليبيا مع كل أطراف النزاع؛ بغية جلب الاستثمارات وتوسيع نفوذها في المنطقة.