قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، إن الهجرة النبوية مليئة بالدروس والعبر، التي يمكن أن تستخرج من خلال النظر إليها من زوايا مختلفة، مبينًا أن المدينة في وقت الهجرة كانت تشهد صراعًا بين الأوس والخزرج بالتزامن مع ظهور الإسلام، حتى كان “يوم بعاث” وهي معركة فاصلة قتل فيها كثير من سادة الأوس والخزرج وكانت سنة 5 من البعثة النبوية، فأصبح الأنصار يتمنون أن يأتي إليهم من ينهي الصراع الدائر بينهم، وكانت هذه تهيئة عجيبة من الله للمدينة لاستقبال الإسلام كحلٍّ، وهذا يسَّر للنبي – ﷺ وسلم وأصحابه الهجرة إلى المدينة، وهذا إعجاز، فلولا هذا الصراع ربما كان من الصعب أن يستمع حجاج المدينة إلى النبي ﷺ.
وأوضح فضيلته في حديثه اليوم على الفضائية المصرية، أن المعجز الذي نتوقف أمامه هو أن تكون الهجرة في حد ذاتها بداية لنشأة دين جديد يسود المنطقة في 8 سنين، وهذه ظاهرة لا يعرف التاريخ لها مثيلًا، فمن الفترة المكية التي لم يكن للمسلمين فيها أي شكل من أشكال المقاومة، واضطرار المسلمين إلى الهجرة بسبب الظلم، بعد أن تركوا أموالهم وأولادهم، إلى الإذن بالقتال في السنة الثانية من الهجرة، ولم تمر 8 سنوات حتى عاد النبي ﷺ إلى مكة على رأس جيش، وهي فترة قصيرة جدًا في عمر الدول، وعندما دخل مكة رغم أنه كان منتصرًا إلا أنه دخلها مطأطئ الرأس تواضعًا لله وشكرًا له، ويردد تهليله المعروف: “لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده”.
وأضاف الإمام الأكبر، أن ما حدث من نصر في هذه الفترة لا يمكن قياسه بالمقاييس البشرية، فبعد أن خرج الإسلام مضطرا من مكة عاد إليها منتصرًا فاتحًا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمن كانوا قادة وزعماء، ما تظنون أني فاعل بكم، فيقولون: أخ كريم وابن أخ كريم، فيقول ﷺ: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، ولكي يعلن التوحيد أمر بلالًا أن يصعد على ظهر الكعبة ويؤذن، ليعلن بذلك شهادة الوفاة لأديانهم وعقائدهم، وحطم النبي ﷺ 300 صنم حول الكعبة.
وأكد فضيلته أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تمكن خلال 8 سنوات فقط من إقامة دولة بهذا الانتشار، عمل خلالها على وضع التشريعات الأسرية والاجتماعية، ومعاهدات السلام والحرب والبيع والشراء، فكانت دولة مكتملة ومنظمة سواء بالنصوص القرآنية والنبوية، أو التفسيرات التي كان يوضحها سلوك النبي عليه الصلاة والسلام.
وما نستخلصه هو أن النتائج العظيمة لا تأتي إلا بالصبر والمعاناة، فالنبي ﷺ صبر على الجوع والإيذاء والاضطهاد، وقدم لنا نموذجًا عمليًّا قابلًا للتطبيق في إطار الأسباب والمسببات الحسية، حيث كان يقوم بحسابات دقيقة لكل شيء ثم يعتمد على الله أولًا وأخيرًا.