بعد حرب إسرائيل ضد حزب الله فى لبنان يوليو 2006 غيرت إسرائيل الكثير من الاستراتيجيات فى سياستها لأنه حدث فى هذه الحرب ولأول مرة فى تاريخ الحروب العربية-الإسرائيلية، أن تعرض جيش الاحتلال لقصف يومى ومكثف بالصواريخ، ولم تتمكن القوات المعتدية من إنهاء القتال بسرعة، وإنما استمر 33 يوماً، ومن بعدها استخلصت القيادات الأمنية والسياسية أن العقيدة الأمنية، التى هى أساساً عقيدة هجومية، تفتقر إلى مكون الدفاع، وهذا ما كشفه تقرير ” العقيدة الأمنية الإسرائيلية وحروب إسرائيل فى العقد الأخير” الذى أصدرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية ببيروت بإشراف وتحرير الباحث فى المؤسسة أحمد خليفة وإعداد رندة حيدر.
وأكد التقرير أن العقيدة الأمنية أصبحت تقتضى أن يشمل ما يسمى بـ”الدفاع السلبى” والذى يقوم على توعية المواطنين فى أوقات الحرب واقتراب الصواريخ من أماكن وجودهم، وعلى تهيئة ملاجئ وغرف حصينة فى المنازل؛ و”الدفاع الفعال”، الذى يقوم على تملك وسائل اعتراض الصواريخ والقذائف الصاروخية.
والكتاب يأتى ضمن سلسلة تستند إلى ترجمة المصادر العبرية بصورة أساسية، وسبق أن صدر كتابان هما “المشروع النووى الإيرانى: الرؤية الإسرائيلية لأبعاده وأشكال مواجهته” و”الصناعات الأمنية الإسرائيلية: الوظيفة الاستراتيجية والاقتصادية”.
يتضمن الكتاب الثالث، دراسات ومقالات تعالج الشؤون الأمنية والاستراتيجية الإسرائيلية، بقلم جنرالات وباحثين إسرائيليين كبار وكتّاب مختصين بالشئون الأمنية، وعلى دراية واسعة بمجريات حروب إسرائيل ونتائجها فى العقد الأخير، وفى مقدمة الكتاب، التى أعدها أحمد خليفة، أشار إلى أن الدراسات والمقالات المنشورة فيه تعالج، بوجه خاص، ثلاثة موضوعات رئيسية متداخلة فيما بينها تداخلاً وثيقاً، وهى: العقيدة الأمنية الإسرائيلية؛ حروب الجيش الإسرائيلى ضد لبنان وغزة فى العقد الأخير؛ الأخطار والتحديات الراهنة التى تواجهها إسرائيل.
وير الكتاب أن العقيدة الأمنية الإسرائيلية إلى أوائل خمسينيات القرن العشرين، وكان أول من وضع أسسها رئيس أول حكومة إسرائيلية ووزير الدفاع فيها، دافيد بن- جوريون، وقامت على المرتكزات الأساسية الآتية، تعزيز قوة الردع، من خلال بناء قدرات عسكرية تردع أعداء إسرائيل عن المبادرة إلى شن حرب ضدها؛ الإنذار الاستراتيجي، بحيث تمتلك إسرائيل قدرة استخباراتية تعطى إنذاراً مبكراً عن نية العدو الإقدام على شن حرب؛ الحسم، عندما يفشل الردع وتندلع الحرب، يجب أن تكون إسرائيل قادرة على نقل الحرب إلى أرض الخصم باكراً،والسعى لحسم المعركة بأسرع ما يمكن.
بمرور الوقت تغيّرت المعطيات الجيو-سياسية، المحيطة بإسرائيل، تغيراً جذريا؛ فاحتلالات حرب 1967 منحتها العمق الاستراتيجى الذى كانت تفتقر إليه لدى قيامها، ثم أزالت معاهدتا السلام مع مصر والأردن الخطر من ناحيتهما. ومع ذلك، ظلت هذه العقيدة الأمنية من دون أى تغيير، ولم تفلح كل المحاولات التى جرت لتطويرها.
وفى مطلع سنة 2011، دخلت بالفعل الخدمة العملانية منظومة القبة الحديدية، المعدّة لاعتراض القذائف الصاروخية وقذائف المدفعية التى يصل مداها إلى 70 كيلومتراً، والتى من المتوقع أن تشترى إسرائيل منها ما مجموعه 13 بطارية، وقد أثبتت عملية “عمود السحاب” فى غزة (2012) فاعلية منظومة القبة الحديدية، التى حققت معدل نجاح بلغ نسبة 84 فى المائة، علماً بأن هذه المنظومة تبقى عاجزة عن إسقاط القذائف الصاروخية ذات المدى القصير جداً، كما أنها تشكو من ارتفاع تكلفتها، إذ تبلغ كلفة الصاروخ الاعتراضى الواحد ما بين 40000 و50000 دولار أميركى.