قبل انتهاء العام الأول من ولاية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذي دخل البيت الأبيض خلفا لرئيس السابق باراك أوباما في 20 يناير 2016، حرص على إيفاء وعده الانتخابي للصهاينة بمنحهم القدس عاصمة لدولة الاحتلال.
وفى 6 ديمسبر الجاري حرص ترامب على إخراج مشهد سينمائى أثناء توقيعه على قراره بنقل سفارة واشنطن لدى تل أبيب إلى القدس المحتلة اعترافا بالمدينة بشقيها الغربى والشرقى عاصمة لكيان مغتصب ولد من عدم على يد الانجليز عندما منح بلفور أرض فلسطين التي لا يملكها لمن لا يستحقها.
منذ حينها ولم تهدأ عاصفة غضب الشعوب والحكومات، وسقط بسببه الشهداء واعتقلت الأطفال والنساء على يد المحتل الصهيونى.
وتحركت مصر أمام مجلس الأمن لإجهاض “وعد ترامب”، لكن مع استمرار الغطرسة استخدمت أمريكا حق “الفيتو” لنقض مشروع القرار المصري وتعطيله يوم الإثنين الماضى، في جلسة سوف يقف التاريخ أمامها كثيرا.
عقب إجهاض القرار المصري في مجلس الأمن، تحرك العالم الإسلامى وتقدمت تركيا واليمن بمشروع قرار مناهض للاعتراف الأمريكى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي انعقدت مساء الخميس 21 ديسمبر 2018، ليفاجئ العالم الولايات المتحدة برفضه السير في ركبها وتعبيره عن امتعاضه من التحالف الأمريكى الإسرائيلى المستفز.
وجاءت نتيجة التصويت بتأييد أغلبية ساحقة لمشروع القرار، حيث أيد القرار 128 دولة، وعارضته 9 دول ليست ذات قيمة، في حين اختارت 35 دولة الامتناع عن التصويت.. ليبعث العالم بعدة رسائل لـ”ترامب” تستدعى دخولها خلوة سياسية لمراجعة سياستها الخارجية التي جلبت له ولبلاده حالة من الغبن والعداء.
أولا، لغة التجار التي استخدمه ترامب في تهديد العالم بمنع المساعدات المالية في حال التصويت ضد قراره، أثبتت فشلها مع شعوب وحكومات رفضت بيع ضميرها وهتكت عرض غطرسة لغة الأموال التي تتبعها واشنطن منذ وصول الرئيس الجمهوري صاحب صالات القمار إلى سدة الحكم.
ثانيا، امتناع 35 دولة عن التصويت رسالة أخرى مفادها عدم قناعة العالم بسياسة الولايات المتحدة والعربدة التي تمارسها على الجميع، وحتى وإن كانت هذه الدول فضلت إمساك العصا من المنتصف مجرد امتناعها مكسب للعرب والقضية الفلسطينية ودليل على فشل واشنطن بإقناعهم للسير في رفض القرار.
ثالثا، الرسالة الأهم تتمثل في توحد العرب والمسلمين خلف قضية فلسطين وعدم التخلى أو التنازل عنها، وخيبة أمل الإدارة الأمريكية في التعويل على الأزمات التي تمر بها أنظمة الحكم العربية والإسلامية سياسيا واقتصاديا وتعانى ويلات من مكافحة الإرهاب.
رابعا، قرار الأمم المتحدة ضمانة مستقبلية لحماية القدس من قرارات متعلقة بنقل سفارات دول أخرى خصوصا الغربية التي ساندت عواصمها القرار وصوتت ضدها لقناعتها بخطورة الخطوة على السلام الإقليمى والدولى.
خامسا، الموافقة الساحقة على قرار القدس أنقذ صورة الأمم المتحدة المهتزة في نظر العالم، لانحياز المنظمة الدائم لصالح الكبار على حساب الدول النامية والصغيرة وكشف عورة حق “الفيتو” في مجلس الأمن.
سادسا، أسماء الدول التي صوتت ضد القرار أثبت مدي كراهية العالم لإسرائيل، وفشله مساعيها الدائمة في تقديم نفسها كحليف وصديق، وأعاد ملف التطبيع الذي خططت له مع دول الجوار على مدار الأعوام الماضية إلى النقطة صفر، وتأكدت أنها ضيف إقليمى ثقيل غير مرغوب فيه تفرضه الظروف.