يجيب الشيخ حسن مأمون – مفتى الجمهورية الأسبق – :
الذي يقتضيه النظر الدقيق في قواعد الشريعة الإسلامية وروحها أنه إذا كانت هناك مصلحة راجحة في تشريح الجثة جاز تشريحها، ولا يتنافى هذا مع ما جاء في الحديث الشريف من قوله عليه الصلاة والسلام: ((كسر عظم الميت ككسره حيا)). فإن الظاهر أن معنى
الحديث أن للميت حرمة كحرمة الحي، فلا يتعدى عليه بكسر عظم أو شق أو غير ذلك لغير مصلحة راجحة أو حاجة ماسة. ونظرا لأن التشريح من الحاجات التي تمس إليها المصلحة العامة للناس؛ إحياء لنفوسهم، وعلاجا لأمراضهم، ولمعرفة أسباب الحوادث التي تقع عليهم، فإننا نقول بجوازه رعاية لهذه المصلحة. ونظرا لأن التشريح يتوقف على الحصول على بعض جثث المتوفين ومنهم من لا أهل لهم فإننا نقول بجواز الحصول على ما تقضي إليه الحاجة من تلك الجثث، يؤيد ذلك أن من القواعد الأصولية: أن الشارع إذا أوجب شيئا يتضمن ذلك إيجاب ما يتوقف عليه ذلك الشيء. والضرر الذي يلحق بالعامة إذا لم يحصل الأطباء على الجثث لتشريحها أشد من الضرر الذي يلحق بالمتوفى الذي يستولى على جثته لتشريحها.
وقواعد الدين الإسلامي القويم مبنية على رعاية المصالح الراجحة وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة تفويتها أشد من هذا الضرر.
ومن هذا يعلم الجواب على السؤال وأنه يجوز شرعا الحصول على جثث بعض المتوفين ممن لا أهل لهم للإفادة العلمية من تشريحهم مراعاة للمصلحة العامة على أن يقتصر ذلك على ما تقضي به الضرورة القصوى مع المحافظة على الجثة بعد تشريحها بحيث تجمع أجزاؤها وتدفن في المقابر كما تدفن الجثث قبل التشريح.