نشر موقع الشروق مقال للكاتب الصحفي “عماد الدين حسين” بعنوان ( ثلاثية غياب التمويل والإدارة والاستبداد فى إفريقيا ) جاء على النحو الآتي :-
ما الذى ينقص إفريقيا؟!
هى تحتاج إلى تمويل هائل، وحسن إدارة، وجرأة فى اتخاذ القرار لتحويل الموارد التى تتمتع بها إلى مشروعات مشتركة تسهم فى تنمية القارة بأكملها.
صاحب الإجابة السابقة هو الرئيس عبدالفتاح السيسى وقالها خلال المائدة المستديرة ظهر الأحد الماضى بعنوان: «وادى النيل ممر للتكامل الإفريقى والعربى» على هامش فعاليات اليوم الثانى لملتقى الشباب العربى والإفريقى فى أسوان.
الكلام صحيح تماما، وأضيف عليه من عندى أن إحدى أهم مشاكل القارة التى تعيق التنمية هى التعليم الردىء والفساد المتغلغل فى الحكومات والإدارات المحلية، خصوصا غسيل الأموال، ثم الاستبداد السياسى فى غالبية البلدان بما يصيب المجتمعات باليأس من حدوث أى إصلاح.
التمويل الهائل غير متاح بالفعل، لكن إتاحته ليست بالأمر المستحيل، والسبب أن القارة ما تزال تصدر المواد الخام للدول الكبرى، مقابل دولارات زهيدة. نشكو من هذا الأمر منذ سنوات طويلة. لكن من الواضح أن هناك نخبا إفريقية متنفذة تلعب دورا فى إدامة هذا الوضع المأساوى. وتقارير مؤسسات التمويل الدولية تتحدث عن عمليات فساد هائلة تتم بين بعض المسئولين الأفارقة وأصحاب الشركات الدولية الكبرى فى الغرب، حتى تستمر عملية النهب المنظم.
التعليم السيئ غير المتطور يلعب دورا مهما أيضا فى الأوضاع الصعبة التى تعيشها غالبية المجتمعات الإفريقية، وينتج عن هذا العامل قلة الكوادر الفنية والإدارية المؤهلة القادرة على قيادة عملية التنمية، وبالتالى تستمر المأساة.
العامل الثالث الذى أشار إليه الرئيس السيسى هو غياب الجرأة فى اتخاذ القرار، واعتقد أنه مرتبط إلى حد كبير بالعوامل السابقة مجتمعة. لكن هناك سببا جوهريا يسبب غياب الجرأة. وهو المركزية المتغلغلة فى معظم الحكومات والإدارات الإفريقية. هذا السبب هو غياب الديمقراطية، أو قلة المشاركة السياسية، وانفراد نخب قليلة بالقرار فى معظم هذه البلدان. هذا الأمر يحول البلدان إلى مناطق طاردة للشباب، ويجعلهم يخاطرون بحياتهم فى مراكب متهالكة يغرق بعضها فى عرض البحر المتوسط.
فى غياب توافر الحد الأدنى من المشاركة السياسية فإن فرص التنمية الاقتصادية الشاملة تكون دائما عرضة لأى تغيرات أو تطورات مفاجئة، وبالتالى فإن الاتفاقيات والمعاهدات لا يمكن التعويل عليها بصورة كاملة. ناهيك عن سبب جوهرى يتعلق بالحروب والصراعات الأهلية المنتشرة فى العديد من بلدان القارة.
هل يعنى الكلام السابق أن نضع أيدينا على خدودنا، ونتوقف عن أى محاولات للإصلاح حتى يتوقف الفساد والاستبداد والجهل والمرض فى هذه القارة المنكوبة؟!
الإجابة هى لا، بل إن هذه المحاولات التى تبذلها مصر فى الفترة الاخيرة، ربما تكون سببا فى محاولة التغلب على التحديات الصعبة جدا التى تعانى منها القاهرة.
للموضوعية، ليست الصورة قاتمة تماما فى إفريقيا. هناك بؤر ضوء ساطعة جدا، وتستحق الإشادة، وتعطى أملا بأن الغد يمكن أن يكون أفضل. المؤتمرات واللقاءات الشعبية والشبابية التى ترعاها مصر سواء فى شرم الشيخ أو أسوان فرصة مهمة جدا لتوثيق العلاقات العربية الإفريقية. من المهم جدا أن يكون هناك تواصل أولا ثم تفاهم ثانيا ثم تعاون وأخيرا أن تكون هناك مشروعات محددة، يشعر بها المصريون والأفارقة حتى لا تتبخر هذه اللقاءات من دون أى أثر ملموس.
نحتاج إلى آلية دائمة لاستمرار هذا التعاون، ونحتاج إلى مبادرات إنسانية مثل تلك التى تم الإعلان عنها فى ختام مؤتمر أسوان بعلاج الافارقة المقيمين فى مصر من فيروس سى.
مثل هذه المبادرات هى التى تدوم لأنها تمس حياة الناس.