نشر موقع ” الشروق الإخباري ” مقال للكاتب “خالد سيد أحمد ” بعنوان ” تركيا.. صديق أم عدو؟ ” جاءت على النحو الآتي :-
يُصاب الكثيرون بالحيرة كلما تابعوا التصريحات التركية المتعلقة بمصر، نظرا لما تحمله من تناقض وتضارب كبيرين.. ففى أحيان تُشعرك أنقرة بأنها «ودودة جدا» مع القاهرة.. وفى أحيان أخرى تُلمح فى مواقفها عدائية شديدة، إلى الدرجة التى تجعل البعض يتساءل.. هل تركيا صديق أم عدو؟
الأسبوع الفائت كانت هناك تصريحات لافتة لياسين أقطاى، مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية التركى، قال فيها إن التواصل بين تركيا ومصر ضرورى رغم الخلافات بين رئيسى البلدين، وواصفا فيها الجيش المصرى بـ«جيش أشقائنا»، وزاعما أن لتركيا «الحق الأكبر فى الدفاع عن العرب كونها تستقبل اللاجئين السوريين»!.
هذه التصريحات تحمل مغالطات كبيرة، ولا تتماشى مع الممارسات والسياسات التى تتخذها تركيا على أرض الواقع، ومواقفها العدائية المعلنة ضد النظام فى مصر، وتهديدها المستمر للمصالح والأمن القومى المصرى فى جميع مجالاته الحيوية والاستراتيجية.
كيف يمكن تصور وجود رغبة تركية حقيقية فى التواصل والتقارب مع مصر، وهى تفتح أراضيها للقنوات الإخوانية التى تحرض ليل نهار على العنف والفتنة وتضرب الاستقرار فى مصر، وتتبنى الدعوات المشبوهة للنزول إلى الشوارع والاصطدام مع قوات الأمن المصرية؟
كيف نصدق كلام مستشار الرئيس التركى عن رغبة بلاده فى التقارب مع مصر، وأردوغان يرفض الاعتراف بشرعية النظام فى مصر، ويصر على وصفه بـ«النظام الانقلابى»، متجاهلا قرار وإرادة ورغبة ملايين المصريين الذين نزلوا إلى الشوارع والميادين لإسقاط حكم جماعة الإخوان فى عام ٢٠١٣؟
هل فعلا تؤمن تركيا بأن الجيش المصرى «جيش عظيم.. لأنه جيش أشقائنا» كما يقول مستشار أردوغان؟ إذن لماذا ترسل بلاده المرتزقة إلى ليبيا؟ ولماذا ترسل سفنها الحربية لتجرى مناورات عسكرية قرب مناطق الغاز والثروة المصرية فى شرق المتوسط؟ أليست هذه محاولات صريحة لاستدراج الجيش المصرى لمواجهات تستنزف قواه وتشتت اهتمامه عن أمور أهم تهدد الاستقرار والأمن القومى لبلاده؟
أخيرا من أعطى تركيا الحق فى الدفاع عن العرب، كما يقول مستشار أردوغان؟ وهل استضافة بلاده للاجئين يمنحها هذا الحق المزعوم؟.. بالتأكيد استضافة أى دولة للاجئين لا يمنحها الحق فى اعتبار نفسها وصية على شئون بلادهم، كما أنه ليس صحيحا ادعاء تركيا امتلاك حق الدفاع عن العرب، لأن الدول العربية أحق بالدفاع عن نفسها، كما أنها لم تطلب من أحد التدخل للدفاع عنها خصوصا من الأتراك، الذين يعتبر وجودهم العسكرى على الأراضى السورية والعراقية والليبية، انتهاكا واضحا لسيادتها واحتلالا صريحا يجب مواجهته عسكريا حتى يرحل.
هناك بالفعل بون شاسع بين التصريحات التركية المتعلقة بمصر، وبين المواقف والسياسات التى تنفذها على الأرض، وهذه الحالة لا يمكن أن تقود إلى علاقات طبيعية بين البلدين، لأن القضية هنا لا تتعلق باختلاف فى الرؤى بين الدولتين، وهو أمر وارد دائما فى العلاقات بين الدول، وإنما بإصرار طرف على إيذاء وتهديد استقرار الطرف الآخر.
عودة إلى السؤال.. هل تركيا صديق أم عدو؟ هناك مقولة شائعة لرئيس الوزراء البريطانى الشهير وينستون تشيرتشل وهى: «ليس هناك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة بين الدول.. بل هناك مصالح دائمة».. هذه المقولة صحيحة إلى حد كبير، بدليل أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر وتركيا لم تتأثر بالخلافات والتوترات بين البلدين، بحسب الكثير من التقارير والإحصاءات، لكن من الناحية السياسية، فإن تركيا ستبقى فى «دائرة العدو» الذى ينبغى مواجهته بكل السبل والوسائل للحفاظ على أمن واستقرار هذا البلد، ما لم تغير أنقرة بشكل جذرى مواقفها وسياساتها تجاه مصر، ومحاولاتها المستمرة لتهديد مصالحها الخارجية واستقرارها الداخلى، والاقتناع باستحالة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء أو إحياء ماضٍ انتهى فى مصر والمنطقة العربية.