نشر موقع الشروق الإخباري مقال للكاتب “خالد سيد أحمد” بعنوان “مقاول إنقاذ!” جاء على النحو الآتي :-
يستطيع أى نظام سياسى فى العالم، وليس فى مصر فقط، أن يشعر براحة البال وينام قرير العين.. مطمئنا غير قلق من مقبل الأيام، حينما يعرف أن شخصية مثل محمد على، المقاول والممثل المغمور، هى من تتصدر المشهد ضده، وتعمل على تقديم ما يسميه مشروعا لتوحيد القوى الوطنية وطرح بديل له على الشعب.
مبعث هذا الاطمئنان أن هذا الشخص لا يمكن أن يكون مؤهلا لجمع القوى الوطنية الحقيقية، التى تضع نصب أعينها المصلحة العليا للبلاد.. فتاريخه لا يسمح له بذلك، وإمكانياته وقدراته محدودة، وخبراته وتجاربه السياسية تكاد تكون معدومة، وإذا حدث وتمكن من تحقيق ذلك، فهذا يعنى أن هناك كارثة حقيقية وخللا واضحا فى التفكير والتحرك والتوجه لدى معارضى النظام، وتطبيقا عمليا حقيقيا لمقولة «هزل فى موضع الجد».
ندرك تماما أن هذا المقاول، يتم استخدامه حاليا من قبل جماعة الإخوان، التى فقدت القدرة على الحشد والتأثير منذ زمن طويل، ولم تعد تحظى بمصداقية لدى أغلبية المواطنين، الذين يرونها عاملا معرقلا لأى مشروع وطنى تجمع عليه الأمة، لاسيما وأنها كانت السبب الرئيسى، وراء فشل الفرصة الوحيدة التى لاحت فى تاريخ مصر، لإحداث عملية تحول ديمقراطى حقيقى فى البلاد، بعد ثورة ٢٥ يناير 2011.
هذه الجماعة ترى فى محمد على أداة جديدة أو «كارت» غير محروق، لإحداث صداع للسلطة فى مصر، وبدأت تضع على لسانه ــ كما ظهر خلال مؤتمره الصحفى الذى عقده فى لندن الأسبوع الماضى ــ مفردات ومقولات وأطروحات ظلت ترددها منذ 2013، ولم تفلح فى تنفيذها على الأرض ولو لمرة واحدة، خصوصا ما يتعلق ببناء جبهة وطنية معارضة للنظام الحالى، بعدما لفظتها جميع القوى السياسية التى تأكد لها عدم مصداقيتها ورغبتها فى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهو ما يرفضه أغلبية الشعب.
إذن محمد على ليس سوى «مقاول إنقاذ» للجماعة من عثراتها الكثيرة، ووسيلة للضغط على السلطة من أجل تخفيف الضغوط التى تمارسها عليها، والحصول على بعض المكاسب التى تعيد لها بعض ما فقدت منذ أن ثار عليها الشعب فى 2013.
فى المقابل، فإن هذا الانتشار الواسع للمقاول والممثل المغمور على منصات التواصل الاجتماعى، ليس سوى تعبير عن غياب السياسة فى مصر، وهى الحالة التى تعمقت كثيرا منذ ثورة 30 يونيو، نتيجة التضييق المتواصل على القوى السياسية الوطنية، وغلق المجال العام، وتدجين الإعلام وجعله يتحدث بلغة ومفردات واحدة، وتطويق المجتمع المدنى ومحاصرة قواه الحية.
هذا الغياب للسياسة، دائما ما يفرز ظواهر غير طبيعية، مثل ظاهرة المقاول والممثل المغمور، التى يصعب ضبط حركاتها أو التنبؤ بخطواتها، الأمر الذى ينعكس بالسلب على استقرار الأوضاع فى البلاد، مثلما حدث بشكل مفاجئ فى أحداث 20 سبتمبر الماضى.
حضور السياسة إلى المشهد، وفتح المجال العام، ليس ترفا أو رفاهية لا تحتاجها البلاد، لكنها ضرورة من ضرورات الاستقرار، وتحصين للمجتمع من الهزات العنيفة التى يمكن أن تحرق الأخضر واليابس من دون سابق إنذار، وبالتالى يكون الثمن الذى يتوجب على الجميع دفعه باهظا للغاية، والتداعيات السلبية الكثيرة التى تنتج عن ذلك يصعب معالجتها فى وقت قصير.
أغلب الظن أن ظاهرة المقاول والممثل المغمور، لن تستمر طويلا على السطح، بل ستختفى كما اختفت من قبلها ظواهر كثيرة، لكن هذا لا يعنى أن ظواهر أخرى مشابهة لن تظهر فى المستقبل، بل على العكس ستحدث، وربما بشكل أشد تطرفا وعنفا وشذوذا، طالما استمر غياب السياسة فى مصر، وحضر النهج الأمنى فقط فى التعامل مع المشكلات والتحديات التى تواجهنا وهى لا تحصى ولا تعد.