نشر موقع المصري اليوم الإخباري مقال للكاتب ” عبد اللطيف المناوي ” بعنوان الطريق إلى ٢٥ يناير.. «الفتنة» جاء على النحو الآتي :-
بعد مرور أقل من ساعة من صباح السبت 1 يناير 2011، فى تمام الساعة 12:20 عشية احتفالات رأس السنة الميلادية، شهدت مدينة الإسكندرية انفجارًا ضخمًا أمام كنيسة القديسين بمنطقة سيدى بشر بالإسكندرية، أسفر عن مقتل 21 شخصًا وإصابة 79 آخرين.
تلك الحادثة التى رأى البعض أن النظام استغلها للتغطية على فضيحة تزوير الانتخابات البرلمانية لصالح حزبه، لم تقف خسائرها عند حدود القتلى والجرحى، ولكنَّها تجاوزتْ ذلك فى إشعال فتيل الفتنة الطائفية فى مصر مرة أخرى، فللمرة الأولى منذ دخول الإسلام مصر على يد عمرو بن العاص سنة 641 ميلادية، يخرج الأقباط المصريون فى مظاهرات إلى الشوارع، ينددون فيها بما حدث، ويطالبون بالمساواة، وبما يعتقدونه حقوقًا ضائعة، ورغم أن الحادث لا يمكن اعتباره نتيجة مباشرة لاحتقان دينى، فإنه كان مناسبة للتعبير عن ذلك الاحتقان، وقد شهدتُ أنا نفسى- من خلال نوافذ مبنى التليفزيون المصرى- تلك المظاهرات، مما كان يهدد باندلاع أعمال عنف.
وما شاهدته كان الدافع بأن أبادر بالتحرك إلى الكاتدرائية، حيث مقر البابا شنودة الثالث رأس الكنيسة المصرية، التى كانت قد فتحت أبوابها فى تلك الليلة لتلقى العزاء، ذهبتُ أملًا فى أن أنجح فى إقناع البابا بالتدخل بتهدئة الأقباط ووقف التصعيد، رغم التحذير الذى تلقيتُه من أحد القيادات الأمنية الكبيرة بألا أذهب إلى هناك، لكننى أصررتُ على الذهاب بعد ما شاهدتُه من مقدمات لكارثة حقيقية.
وعندما وصلتُ وجدت البابا شنودة فى القاعة الرئيسة يستقبل المعزِّين، وكان معه عدد من الأساقفة، وكبار رجال الدين المسيحى، وعدد من الشخصيات العامة القبطية، من رجال أعمال ومسؤولين، وستة من وزراء الحكومة. وجدت الجميع صامتًا، فى مجلس العزاء بحق، وبدأت حوارًا مع البابا شنودة، الذى تربطنى به علاقة جيدة وقديمة، امتد هذا الحوار لأكثرَ من ساعة ونصف الساعة، نجحتُ خلالها فى إقناع البابا بأن يتحدَّث ليُهدئ الأقباط، وينزع فتيل الأزمة، وهو الأمر الذى تم يوم 3 يناير 2011.
ليست هذه هى المرة الأولى التى قمت فيها بمثل هذا الدور، فقبلها بعدة أشهر، عندما حدث تلاسن بين أحد قيادات الكنيسة، الأنبا بيشوى، الذى قال فى محاضرة كنسية: إن القرآن الكريم به آياتٌ محرَّفة، وقال فى حوار آخر: إن المسلمين ضيوف على مصر، أقنعت البابا وقتها بالحديث، معتذرا للمسلمين وداعيا إلى الهدوء، وهو الأمر الذى كان له أثرٌ إيجابىٌ فى ذلك الوقت.
فى كلتا المرتين تحركتُ بمبادرة شخصية، ولم تتم هذه المبادرات بناء على طلب أو تنسيق من أى جهة، وكان تعامل الدولة مع هذا الملف- تحديدًا- نموذجًا للتعامل الخاطئ، حيث اعتبرَتْه ملفا أمنيا، فأوكلته إلى أجهزة الأمن المختلفة، ولم تحاول أن تبحث فى جذور المشكلات، واكتفتْ لفترات طويلة بتقبيل اللحى بين رجال الدين الإسلامى والمسيحى، مع الاحتفاظ الدائم بالجمر الملتهب تحت الرماد.
وهكذا كانت دائما العلاقة بين المسلمين والأقباط فى مصر، إحدى أهم نقاط الضعف لدى الإدارة المصرية، ولم يكن الوعى مكتملًا بأهمية أو كيفية التعامل مع هذه القضية الحساسة.
* من كتاب «الأيام الأخيرة لمبارك»- صدر فى يناير 2012