نشر موقع الشروق الإخباري مقال للكاتب “عماد الدين حسين” بعنوان “الحد الفاصل بين الصحافة والبروباجندا” جاء على النحو الآتي :-
ذلك كان عنوان الجلسة الختامية لمنتدى إعلام مصر فى يومه الثانى والأخير عصر الإثنين الماضى.
كنت متحدثا فى هذه الجلسة، بجانب الصديقين ضياء رشوان نقيب الصحفيين ورئيس هيئة الاستعلامات والكاتب الصحفى جمال فهمى.
عنوان الجلسة مغرى ومقلق، خصوصا ان غالبية جمهور القاعة بدا متحفزا، ويريد عناوين وشعارات ساخنة، كما أن أسئلة مديرة الجلسة الإعلامية نوران سلام من البى بى سى، كانت سريعة، واكثر سخونة.
لم أعد من المغرمين بالحصول على تصفيق الجماهير، وبت أعتقد أن بعض هذا التصفيق قد يرضى جمهور الترسو أحيانا، لكنه لا يحل أى مشكلة، بل يزيدها تفاقما. وانطلاقا من هذا المبدأ، وحينما حل دورى فى الكلام وردا على أسئلة نوران سلام قلت بوضوح: لو كنتم تسألون هل هناك تضييق على الإعلام فالإجابة هى نعم قولا واحدا، والإعلام يمر بواحدة من أسوأ فتراته.. لكن ليس ذلك هو السبب الوحيد فى المشكلة.
صار عندى اعتقاد ايضا أن جزءا من الجمهور يريد كلاما سهلا وبسيطا وإنشائيا، حتى يريح نفسه، على طريقة الخناقات بين جماهير الكرة المتعصبة.
غالبية الحاضرين فى القاعة لا يحبون هذه النوعية من الكلام، لانهم يريدون شعارات فى اتجاه واحد، وحينما وجهوا السؤال عن حرية الصحافة للنقيب ضياء رشوان لم يتهرب وقال لهم بشجاعة أكثر من مرة، وبأكثر من طريقة، إن هناك مشكلة كبيرة، وعلينا أن نتكاتف جميعا للتغلب عليها.
قلت فى هذه الجلسة، التى حضرها أصدقاء وزملاء اعتز بهم كثيرا، إن الإعلام المصرى يعانى من أربع مشكلات كبرى. الأولى هى تراجع مستوى الحريات، والثانية الارتفاع المتوالى فى أسعار مستلزمات الإعلام خصوصا ورق الصحف. والثالثة التراجع الكبير فى حصيلة الإعلانات.
والرابعة هى التراجع المخيف فى المستوى المهنى للعديد من الإعلاميين، علما بأن الصحفى المتمكن من أدواته قادر على إيصال رسالته إلى حد كبير، مقارنة بغير المؤهل.
قلت للحاضرين أيضا إن أسهل شىء أن تلقى بالمشكلة فقط على الحكومة وغياب الحريات، وهو اتهام حقيقى لكنه ليس الوحيد.. صحيح التضييق الحكومى مشكلة كبرى واساسية، ويؤدى لتحويل الصحف والفضائيات إلى نسخة واحدة، لكن صار لدينا مشكلة وجودية خطيرة هى أن ارتفاع تكاليف الصناعة وقلة الإعلانات جعلت غالبية وسائل الإعلام تقوم بعمليات تقشف متوالية، أدى بعضها إلى إنهاء خدمات مئات وربما آلاف الصحفيين والإعلاميين، بل إن فضائيات بكاملها أغلقت أبوابها بسبب هذا التقشف. هل هناك علاقة بين نقص الحريات و المشكلة الاقتصادية؟!. لا أعلم وإن كنت أعتقد أن شيوع الحريات وتنوع المحتوى وجاذبيته، يمكن أن يحدث انفراجة حقيقية، ويؤدى إلى استعادة الإعلام المصرى لدوره الريادى على مستوى المنطقة، بدلا من توجه الجمهور إلى منصات خارجية بعضها معادٍ وبعضها مضلل وبعضها جاهل.
ولا يمكن أن نلوم هذه المنصات فقط قبل أن نلوم أنفسنا، لأننا حينما تراجع مستوى إعلامنا، فقد أعطينا فرصة للخارج بأن يجذب جانبا كبيرا من الجمهور.
ما قلته على منصة «منتدى إعلام مصر» أكرره منذ سنوات فى هذا المكان، وقلته أيضا فى عشرات الفضائيات، وبعضها مملوك للدولة. وبالتالى فما أتمناه من بعض الزملاء الصحفيين والإعلاميين، وبعد أن ينتقدوا الحكومة كما يشاءون، أن ينظروا أيضا لبقية الصورة.
الصورة الكاملة تقول إن التوازن العام فى المجتمع هو الذى يقود لحرية الإعلام، وأن الحرية والمهنية وكل ما هو مثالى لا يهبط فجأة من السماء، لمجرد أننا نتمنى ذلك، بل هو يحدث نتيجة وعى عام وتطور سياسى واجتماعى واقتصادى، ونضال سلمى طويل، وقبل ذلك وبعده وجود كوادر مهنية مدربة تدرك الواقع ليس فقط الموجود فى مصر، ولكن فى المنطقة والعالم.
أما إذا كان جمهور الترسو يريد التصفيق والحصول على اللقطة فقط، ولا يشغل نفسه ببقية الموضوع، فسوف نستمر فى هذا التحليق فى الفراغ لفترة طويلة، خصوصا أن هناك قطاعات، مؤثرة فى المجتمع المصرى لا تحب الصحفيين ولا تود أن يحصلوا على حقوقهم وبعضهم يصدق بحسن نية أن «الصحفيين يريدون ان يكون على رأسهم ريشة»، اعتقادا أنهم يريدون الحصول على مكاسب شخصىة، وليس حريتهم فى العمل والكتابة والكلام كى يدافعوا عن كل المجتمع وقضاياه الحقيقية.