نشر موقع الشروق مقال للكاتب “عماد الدين حسين” بعنوان ” المصالحة مع تركيا شبه مستحيلة” جاء على النحو الآتي :-
هل يحدث تقارب فعلا بين مصر وتركيا؟!
سألت هذا السؤال لأكثر من مراقب لهذه العلاقة، فكان هناك ما يشبه الإجماع بأنه طالما ظل رجب طيب أردوغان رئيسا لتركيا، فأغلب الظن أن علاقات البلدين لن تشهد تحسنا حقيقيا أو سيكون تحسنا طارئا وشكليا ولن يدوم.
حجة هؤلاء المنطقية أن أردوغان مهووس بفكرة الخلافة والزعامة للعالمين العربى والإسلامى، ولذلك فإن فكرته عن التقارب مع مصر، ينظر لها باعتبارها خطوة فى تحقيق هذا الهدف.
سمعنا وقرأنا عشرات التصريحات التركية من أول مسئولى الخارجية نهاية بأردوغان نفسه تتعلق برغبتهم فى تحسين العلاقات مع مصر. قالوا «إننا نقدر مصر ونريد استئناف العلاقات معها وأن جيشها عظيم».
آخر هذه التصريحات أطلقها المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن حيث قال إن «مصر من الدول المهمة فى المنطقة والعالم العربى»، لكن قالن كشف عن الرؤية الغريبة التى تنظر بها تركيا لمصر. هو قال خلال حديث لقناة تركية محلية يوم ١٤ أكتوبر الماضى، لا نستطيع تجاهل ما حدث فى يوليو ٢٠١٣، ولكن إذا أظهرت مصر إرادة التحرك بأجندة إيجابية فى القضايا الإقليمية فإن تركيا مستعدة للتجاوب مع ذلك خصوصا فى قضايا مثل ليبيا وفلسطين وشرق المتوسط. إذن فإن التقارب الذى يتحدث عنه نظام أردوغان مع مصر يتطلب من وجهة نظرهم أن تغير مصر سياستها لتخدم الأجندة الأردوغانية الضيقة وتنسى مصالحها القومية العليا.
ما قاله قالن هو الحقيقة التى تعبر فعلا عن النظرة التركية لمصر، يريدون منا أن نؤيد ونساند ونتبنى سياسات أردوغان المتطرفة فى ليبيا ونؤيد الميليشيات المسلحة هناك، وأن نؤيد حركة حماس فقط فى فلسطين وليس بقية ممثلى الشعب الفلسطينى، وأن نعادى اليونان وقبرص فى شرق المتوسط من أجل خاطر عيون أردوغان، وأن نؤيد احتلاله لشمال سوريا وعدوانه المستمر على العراق.
مصر لم تكن البادية مطلقا بمعاداة تركيا، بل تحملت العديد من الإساءات والهجمات من قبل رجب طيب أردوغان وأركان حكمه وحزبه منذ أن قام الشعب المصرى بثورته فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ واكتشفنا بعد ذلك أن هذه الثورة لم تسقط فقط حكم جماعة الإخوان، بل أسقطت أيضا مشروع أردوغان بالسيطرة على المنطقة سواء تحت لافتة الخلافة الإسلامية أو السلطنة العثمانية.
منذ هذا الوقت فإن رد فعل أردوغان كان فى مرات كثيرة أشد تعصبا وحقدا وغلا من رد فعل بعض قيادات جماعة الإخوان أنفسهم، ورأيناه يحول بلاده إلى قاعدة يشن منها المتطرفون والإرهابيون هجماتهم ضد مصر والعديد من البلدان العربية، بل ويحرضون علنا على العنف والإرهاب والفتن.
مصر صبرت على أفعال أردوغان كثيرا، ثم اضطرت للتحرك فى ليبيا وتحديد الخطوط الحمراء عند سرت والجفرة، حينما اكتشفت أن التهديد لمصالحها القومية قد وصل لمراحل خطيرة ومتقدمة.
الأتراك طلبوا اللقاء مع المصريين أكثر من مرة، وعلى مستويات مختلفة، وكان الرد المصرى واضحا ومحددا، كما عبر عنه وزير الخارجية المصرى سامح شكرى بأننا نتعامل مع الأفعال وليس الأقوال.
مصر لا تعادى الشعب التركى بل تنظر إليه كشعب مسلم صديق، وعلاقتنا الاقتصادية معهم ما تزال مستمرة، لكن خلافنا الرئيسى مع أفعال أردوغان المدمرة.
الحد الأدنى للمطالب المصرية أن توقف تركيا دعمها وإيواءها للإرهابيين والمتطرفين وفضائياتهم التى بثت الفتن والإرهاب وأن تسحب مرتزقتها من ليبيا وأن تتوقف عن سياساتها العدوانية فى شرق المتوسط.
التقديرات العامة أن أردوغان غير قابل لتغيير أفكاره الأيديولوجية، وبالتالى فإن التقارب على أسس صحيحة شبه مستحيل، وما لم تحدث معجزة ويقتنع بأن أفكاره وتصوراته أقرب إلى الأوهام، فإنه سوف يظل يمارس سياساته التى جلبت على تركيا ما يشبه العزلة فى المنطقة والعالم، ولم يعد لهم من صديق إلا جماعة الإخوان وتفريعاتها فى ليبيا والصومال وقطر. وتحولت سياسة «صفر خصوم» قبل عشر سنوات إلى «صفر أصدقاء» الآن.
السؤال إذا كان هذا هو حال تركيا تحت حكم أردوغان، فهل يمكن الحديث عن مصالحة «عربية ــ مصرية ــ سعودية ــ إماراتية ــ بحرينية» مع قطر، أم أن حكومتها صارت مجرد أداة فى يد كل من أردوغان والولايات المتحدة يحركانها كيفما شاءا.
سؤال يحتاج إلى نقاش لاحق.